القاهرة – (رياليست عربي): بعد يوم واحد من وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، صدق البرلمان الإيراني (مجلس الشورى الإسلامي) بالإجماع يوم الأربعاء 25 يونيو 2025م، على مشروع قانون تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وسرعان ما حصل على موافقة مجلس صيانة الدستور، وبات قيد التنفيذ.
أثار هذا القانون ردود فعل سلبية من قبل بعض دول العالم، بما فيها روسيا وفرنسا وألمانيا، وصرح مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية “رافائيل جروسي” Rafael Grossi بأن تعاون إيران مع هذه الوكالة أمر ملزم.
أدلف هذا القانون النظام الإيراني إلى دائرة جديدة من الصراع مع وكالة الطاقة الذرية بعد حرب استمرت 12 يومًا مع إسرائيل، ووفقًا لما ذكره التلفزيون الإيراني، لقد دخل البرنامج النووي مرحلة الحجب كي تظل جميع أنشطته بعيدة عن أعين المراقبين الدوليين.
بناءً على القانون السابق، يُحظر ولوج مفتشي وكالة الطاقة الذرية إلى المنشآت النووية الإيرانية لحين ضمان أمن المواقع النووية وعلماء الطاقة الذرية.
ردود الأفعال في الداخل الإيراني
عقب التصديق على مشروع قانون تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، انتقد رئيس البرلمان الإيراني “محمد باقر قاليباف” هذه الوكالة في رسالة له على منصة “إكس”، واتهمها بالتعاون الاستخباراتي مع إسرائيل، حيث كتب: “لقد زايدت وكالة الطاقة الذرية على ما تبقى من مصداقيتها حين شاركت معلومات عن منشآت دولتنا النووية مع نظام إسرائيل المجرم، ومهدت مجال التعدي والهجوم على مواقعنا النووية، حتى إنها لم تُدِن هذا الأمر ظاهريًا. القانون المصدق عليه اليوم من قبل البرلمان هو محاسبتنا للوكالة ورئيسها الوقح”.
كما طلب عدد كبير من الساسة الإيرانيين من بينهم “علي لاريجاني” مستشار المرشد الأعلى، منع دخول المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية “رافائيل جروسي” إلى الأراضي الإيرانية.
بعد يوم واحد من التصديق على هذا القانون، رحب عدد من الصحف الإيرانية المقربة للتيار الأصولي والجماعات المتشددة بقرار البرلمان، وتصدرت صحف “همشهري، وجوان، وكيهان” مانشيتات داعمة له.
نشرت صحيفة “جوان” المقربة من الحرس الثوري الإيراني، تصريحات نواب البرلمان تحت عنوان “البرلمان يسمل عيون المتسللين إلى المنشآت النووية”.
ودعت صحيفة “كيهان” المقربة من المرشد الأعلى “علي خامنئي” إلى صدور حكم قضائي باعتقال “جروسي” وإعدامه بسبب تعاون وكالة الطاقة الذرية التقني مع إسرائيل.
على الجانب الآخر، تناولت بعض الصحف الإيرانية المقربة للتيار الإصلاحي والجماعات المعتدلة قرار البرلمان بحذرٍ وحيطةٍ، مشيرةً إلى نتائجه غير المحمودة، فكتبت صحيفة “شرق” في مقال لها تحت عنوان “هل تعيد طهران صياغة لعبة المراقبة من جديد؟”: “ستزداد احتمالات أن تنعزل الدولة (الإيرانية) ويواجه البرنامج النووي مشكلات تقنية وسياسية جدية، ومن الممكن أن تُضاعِف عواقب هذه الخطوة القيود الاقتصادية والسياسية. وأعربت الصحيفة عن قلقها من أن يتحول هذا القرار إلى عقدة جديدة في تعامل الغرب مع البرنامج النووي.
في العالم الافتراضي كذلك، قوبل قرار البرلمان الإيراني بردود فعل واسعة النطاق من قبل رواد وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ذكر معظمهم أن قانون تعليق التعاون مع وكالة الطاقة الذرية هو مقدمة الشروع في صراع جديد بين إيران والقوى العظمى.
ودعت قناة “عقل باحث (یک ذهن جستوجوگر)” على تطبيق “تيليجرام” متابعيها قائلة: “أربطوا أحزمة الأمان، فنحن في حالة سقوط حر”، وكتب صاحب القناة مشيرًا إلى ضرب المنشآت النووية الإيرانية من قبل الولايات المتحدة: “لقد صدق البرلمان على مشروع قانون تعليق التعاون مع وكالة الطاقة الذرية دون أي صوت معارض!! أعتقدُ أن خطر اندلاع حرب دولية مع إيران قد تقلص. إن حرب الأيام الاثني عشر مع إسرائيل كانت مجرد إحماءً بسيطًا من أجل نزع سلاح القدرات الدفاعية الإيرانية”.
الحقيقة أن العلاقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية قد توترت تدريجيًا، ففي 9 من يونيو قبيل 5 أيام من اندلاع الحرب الإيرانية الإسرائيلية،أعلن المدير العام لهذه الوكالة “رافائيل جروسي” خلال مؤتمر صحفي بفيينا، أن هناك أدلة قاطعة على وقوع وثائق الوكالة السرية في أيدي إيران.
وكان قد ذكر “جروسي” في وقت سابق خلال رسالة له إلى مجلس محافظي الوكالة: “طالما إيران لا تساعد الوكالة في حل قضايا الضمانات المتبقية، فإن الوكالة لن تستطيع ضمان سلمية أهداف البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل”.
آلية الرد السريع
إن تعليق تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية مثل مجسم من قطع الدومينو، إذا تحركت قطعة واحدة منه، سينهار المجسم كله تباعًا، أي أن هذا القرار سينجم عنه حزمة من الإجراءات المتتابعة تولج النظام الإيراني في دائرة جديدة من الصراع مع المجتمع الدولي، مما قد يؤدي إلى فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على طهران.
من بين هذه العواقب لجوء الدول الأوروبية إلى تفعيل آلية الرد السريع أو عودة العقوبات الدولية تلقائيًا دون تصويت مجلس الأمن.
وفقًا لأحد ملحقات الاتفاق النووي (برجام) المبرم بين إيران ومجموعة (5+1) –الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وروسيا، والصين، بالإضافة إلى ألمانيا– عام 2015م، تستطيع وكالة الطاقة الذرية أن تتفقد المواقع النووية المشكوك في أنشطتها خلال 24 ساعة، وإذا لم تبد إيران تعاونها، سيؤدي ذلك إلى عودة عقوبات منظمة الأمم المتحدة قسرًا.
كما أن الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق إذا تقدمت بشكوى إلى مجلس الأمن ضد إيران، لن يسفر هذا الأمر عن عودة العقوبات الدولية فحسب، بل يسمح أيضًا للدول الأعضاء في مجلس الأمن القيام بعملية عسكرية ضد إيران.
كان وزير الخارجية الإيراني “عباس عراقتشي” قد قال في البرنامج التلفزيوني “حوار خاص (گفتگوی ویژه)” بثته “شبكة أخبار الطلاب (خبرگزاری دانشجو)” المجازية مساء الخميس 26 يونيو: “إن الدول الأوروبية، خاصة بريطانيا وفرنسا باعتبارهما عضوتين دائمتين في مجلس الأمن، لديهما إمكانية تفعيل آلية الرد السريع، لكننا حذرنا هذه الدول في اجتماع يوم الجمعة الماضي 20 يونيو من أن استخدام هذه الآلية سيكون أكبر خطئًا إستراتيجيًا تقترفه أوروبا، وسيُنهِي دورها في الملف النووي الإيراني إلى الأبد”.
كما حذر مندوب إيران الدائم في منظمة الأمم المتحدة “أمير سعيد إيرفاني” منذ حوالي أسبوعين، الدول الأوروبية من عواقب تفعيل آلية الرد السريع.
خاص وكالة رياليست – د. محمد سيف الدين – دكتوراه في الأدب الشعبي الفارسي، وخبير في التاريخ والأدب الإيراني – مصر