باريس – (رياليست عربي): منذ بضعة أيام تساءلت، فقد ورد سؤال إلى خاطري: هل تحيا القوانين وتموت، كالبشر؟ أي هل للقانون دورة حياة: يولد، ينمو ويكبر، ثم يصاب بالشيخوخة والعجز ويموت؟
أو بمعنى آخر، هل هناك مدة زمنية لبقاء سريان القوانين دون تغيير؟ وبفرض جواز هذا الأمر، ما هي المدة الزمنية (العمرية) لبقاء صلاحية القانون أو التشريع؟
والحقيقة أن السبب في طرح هذا التساؤل هو ما يُثار حاليًا حول جمود بعض القوانين والتشريعات دون تغيير لمدد طويلة، وصل بعضها إلى ما يزيد عن نصف قرن؟
فإن هذا الأمر له دلالات كثيرة، يجب على المشرع والمسؤول الوقوف عندها والتفكر والتدبر… فالقانون وُضِع لتنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع، وبين المواطن والسلطة الحاكمة.
فبقاء القوانين والتشريعات جامدةً مُحنَّطةً دون تغيير وتحديث له احتمالات، أهمها:
أولها: أن المشرع في حالة انعزال وانفصام عن المجتمع وواقع متغيرات ومتطلبات الحياة، المواطن والسلطة والمجتمع محليًا وخارجيًا.
ثانيها: أن المجتمع هو مجتمع أصابه التيبس والتجمد والتقوقع، لا يتغير ولا يتفاعل مع المناخ المحيط به، وتلك من صفات وسمات الأموات أو الذين يعيشون خارج إطار الزمن.
وفقًا لخبراء وعلماء العلوم الإنسانية، فإن المدة البينية بين جيل وجيل آخر جديد هي مدة تتراوح بين 20 إلى 30 عامًا.
وعندما ينتبه (يرغب أو يريد) المشرع أو المسؤول إلى ضرورة التحديث وتغيير بعض القوانين والتشريعات، لمواكبة الواقع والمستجدات، يُقابل بجبال وصخور تقف عقبةً وعائقًا أمام التغيير والتعديل أو التحديث، ويتجلى ذلك في القوانين والتشريعات ذات الصلة بالعقود، وخاصة عقود الإيجار. لماذا؟ الإجابة بكل بساطة: هي أن صيغة التعاقد تكون بين طرفين (العاقدان): المؤجر والمستأجر… فأي تغيير يطرأ على تلك القوانين أو التشريعات سوف يكون في صالح طرف على حساب الطرف الآخر، وهنا يكمن لب المشكلة المجتمعية، ويَفقد التشريع أو القانون الهدف والغرض منه، وهي: المساواة والعدل وإحقاق الحق.
وأخيرًا، فإن القوانين والتشريعات يجب أن تكون حيةً وليست ميتة… فهي وُضِعَت لتلبية احتياجات المواطنين والمجتمع والدولة. بقاؤها دون تحديث أو تطوير أو تغيير أو تعديل هو من الكبائر، ففاتورة إصلاحها غالبًا باهظة التكاليف، اقتصاديًا وماليًا واجتماعيًا ونفسيًا، مما يؤثر على الأمن والسلم والاستقرار المجتمعي.
رسالة ورجاء إلى كل مشرع وكل مسؤول: اجعلوا من القوانين كائنًا حيًا دائمًا يتواكب ويواكب متغيرات ومتطلبات الحياة. فالقانون في فرنسا ودول أوروبية كثيرة يتغير لمصلحة الفرد والمجتمع والدولة، وخاصة القوانين ذات الصلة بالمجالات والمزايا الاجتماعية والاقتصادية والمالية والعقود والتعاقدات الإيجارية، تصديقًا لقوله تعالى: “كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ”، صدق الله العظيم.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر – فرنسا.