القدس – (رياليست عربي): تبقى المتغيرات المتسارعة على الساحة الإقليمية وحالة التوتر الكبيرة التي تشهدها المنطقة هي سيدة المشهد التي سترسم معالمها القادمة، خاصة بعد تنفيذ عملية اغتيال لمعظم كبار قيادة حزب الله، والذي كان أبرزهم أمينها العام حسن نصر الله، الأمر الذي يدفع إلى تساؤلات كبيرة وضخمة حول ماهو مستقبل محور المقاومة والممانعة بقيادة الجمهورية الإيرانية الإسلامية.
ولا تزال المنطقة تمر بإضطرابات وأحداث دراماتيكية عاصفة، من شأنها أن تلقي بظلالها على كافة المنطقة وسيكون لها تأثيراتها الواضحة على المدى الطويل، لكن يبقى من الصعب التنبّؤ بمخرجات وطبيعة المرحلة المقبلة، والذي لا يزال الغموض يكتنفها بسبب دقة المرحلة والتوقيت الحرج التي تمر بها الأحداث.
الكلمة الأخيرة المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وذلك في خطبته في صلاة الجمعة بطهران التي أكدّ من خلالها على أنّ نصرالله تخطى نطاق شعبيته وتاثيره حدود لبنان وايران والبلدان العربية.
وفي خطبته الثانية باللغة العربية، قال خامنئي: “ارتأيت أن يكون تكريم أخي وعزيزي ومبعث افتخاري والشخصية المحبوبة في العالم الإسلامي واللسان البليغ لشعوب المنطقة ودرة لبنان الساطعة سماحة السيد حسن نصر الله رضوان الله عليه في صلاة جمعة طهران.”
وتابع: “نحن جميعا مصابون ومكلومون بشهادة الشيد العزيز نصرالله، انه لفقدان كبير وافجعنا بكل معنى الكلمة، عزاؤنا لا يعني اليأس والاضراب بل هو من صنف عزائنا على سيد الشهداء يبعث الحياة ويلهم الدوروس ويشدد العزائم”.
وعلى ضوء كلمة خامنئي يجب التأكيد على أنّ حملة الاغتيالات الإسرائيلية لقيادات حزب الله بلغت ذروتها من الإجرام والتي كان آخرها اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، الأمر الذي يطرح تساؤلاً مفاده إلى أين يريد هذا الكيان المجرم بقيادته السياسية والعسكرية والأمنية أن يصل بالوضع، على الرغم من توارد الأنباء عن موافقة حزب الله على وقف اطلاق النار والتوصل إلى هدنة طويلة يمكن أن تصل لعشر سنوات قبل عملية الإعتيال الأخيرة لنصر الله، إلا أنّ حكومة الحرب بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ذهبت نحو التصعيد واغتيال كبار قادة الحزب لإدخال لبنان في مزيد من الفوضى السياسية.
الطابع التشاركي ومبدأ تبادل الأدوار بين محور المقاومة وقادته وتعدد ساحاته بالعراق وسوريا ولبنان واليمن والمقاومة الباسلة في غزة، هو أحد أبرز نجاح وصمود هذا المحور، وكأنّ هذه المحاور تؤازر وتعزز بعضها بعضاً إذا اشتكى منها عضو تداعى لها بقية أعضاء المحور بالسهر والحمى، الأمر الذي يعقد من أهداف إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة التي تسعى إلى إنزال محور المقاومة وقادته عن الشجرة لأجل التوقف عن دعم المقاومة في غزة في رسالة واضحة من تل أبيب أنّ غزة يجب أن تبقى شأن فلسطيني داخلي يجب لطهران ومحاور الصراع التابعة لها أن لا يتدخل في مساندتها ودعمها.
وهذا ما أكد عليه المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في خطبته، والذي أشار إلى أنّ العدو الجبان عجز عن توجيه ضربة للبنية المتماسكة لحماس وحزب الله والجهاد الإسلامي وغيرها من الحركات المجاهدة في سبيل الله فعمد إلى التظاهر بالنصر من خلال الاغتيالات والتدمير والقصف وقصف المدنيين، مشدداً على أنّ ما نتج عن هذا السلوك هو تراكم الغضب وتصاعد دوافع المقاومة وظهور المزيد من الرجال والقادة والمضحين وتضييق الخناق على الذئب الدموي.
وأشار خامنئي أنّ السبب الحقيقي من وراء هذه الاغتيالات والإستهداف بحق حزب الله وقادته هو يرجع لدفاعهم عن غزّة وجهادهم من أجل الأقصى وإنزالهم الضربة بالكيان الغاصب والظالم والثي قد خطوا خطوةً مصيرية خدمةً للمنطقة بأكملها.
ويبدو أنّ خامنئي عبر خطبته الأخيرة قد خطّ بشكل واضح الإستراتيجية القادمة لإيران، وهو أنّ كل ضربة تنزل بهذا الكيان إنما هي خدمة للمنطقة بأجمعها بل لكل الإنسانية، معتبراً بأنّ أحلام الصهاينة والأميركيين تجاه المنطقة إنما هي محض أوهام مستحيلة.
وأراد المرشد الأعلى للثورة عبر خطابه الأخير أن يبرهن على أنّ فقدان قادة حزب الله والمقاومة في المنطقة لن يؤثر على استراتيجية وأهداف محور المقاومة، حيث قال: “لم يكن فقدان قادة الثورة في إيران هيناً لكن مسيرة الثورة لم تتوقف أو تتراجع بل تسارعت، وشدد: “المقاومة في المنطقة لن تتراجع بشهادة رجالها والنصر سيكون حليفها.”
وبهذا الصدد أكدّ على أنّ طوفان الأقصى وعام من المقاومة في غزة ولبنان أوصل هذا الكيان الغاصب إلى أن يكون هاجسه الأهم حفظ وجوده.
على ضوء كلمة خامنئي تتمثل تتمثل السيناريوهات القادمة بعد الضربة الإيرانية الصاروخية على إسرائيل فيما يلي:
-في ضوء أنّ اسرائيل تريد الاستمرار في الحرب حتى تحقق لنفسها الإستمرار وضمان مبدأ الأمن لمدة لا تقل عن عشرت سنوات قادمة بحسب مايراه العديد من المراقبين، فإنّه من المؤكدّ أنّ إيران تسعى إلى امتصاص أي ضربة قادمة من قبل الكيان الصهيوني بعد الهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل، والذي من الممكن أن يكون السيناريو القادم هجوماً إسرائيلياً مضاداً واسع النطاق يؤدي إلى انفجار حرب شاملة.
-ويمكن القول أنّ السيناريو الأول وطبيعة الرد الإسرائيلي في أعقاب الهجوم الصاروخي الإيراني، يتمثل في رد منضبط عبر استهداف البنية التحتية العسكرية الإيرانية الرئيسية، ومنشآت الطاقة، ومراكز القيادة، بعيداً عن استهداف المشاريع النووية الإيرانية، ليتصاعد هذا إلى صراع طويل وواسع النطاق يتضمن ضربات مباشرة بين إسرائيل وإيران.
– في ظل تكهنات العديد من المراقبين حول مسار الضربة الإسرائليية القادمة، فإنّه يمكن القول أنّ إسرائيل لا تخطط في الوقت الحالي لضرب المنشآت النووية الإيرانية، وذلك وفقا لمسؤولين إسرائيليين، رغم أنّ إسرائيل ترى جهود إيران لإنشاء برنامج للأسلحة النووية بمثابة تهديد وجودي، ويعدّ استهداف المواقع النووية -التي يقع العديد منها في أعماق الأرض- أمراً صعباً بدون دعم الولايات المتحدة، بعد أن قال الرئيس جو بايدن بأنّه لن يدعم هجوماً من إسرائيل على المواقع النووية الإيرانية.
-من الممكن أن نشهد سيناريوهاً ثانياً يتمثل في رد إسرائيلي منفلت عبر ضرب منشآت الطاقة والنقط المركزية، ومنشآت المشروع النووي، مما يجعل إيران مجبرة على رد أعلى وأشمل قد يعرض المنطقة بأكملها ومصالحها إلى الخروج عن الحسابات وقد تجعل الحسابات السياسية تخرج عن نطاقها لتصل نيرانها إلى منطقة الخليج العربي بأكملها التي تشكل مصدراً للطاقة على مستوى العالم مما سيحدث خللاً وإرباكاً في الأسواق العالمية.
– يمكن أن يكون السيناريو الثالث وهو الأقرب إلى قيام إسرائيل باستهداف المواقع الحيوية الإيرانية بين الفينة والأخرى، وتصعيد في عمليات الإغتيال لقادة المقاومة في لبنان والعراق وقطاع غزة وحتى تصعيد في الضفة الغربية، وهذا يعدّ سيناريوهاً مفتوحاً وقائماً وأقرب إلى الواقع نظراً لأنّ طبيعة الجبهة مفتوحة بين محور المقاومة وإسرائيل منذ مايقارب العام، ولهذا لن تلجأ حكومة الحرب الإسرائيلية إلى تصعيد الحرب مع إيران عبر إلتحام بشكل مباشر، مع تصاعد في طبيعة الضربات لتصل إلى استهداف المنشآت العسكرية المرتبطة بالحرس الثوري في سوريا ولا يتسبعد أن تصلة حتى إلى العمق الإيراني بشكل تدريجي تصل إلى كبار قيادة الحرس الثوري.
مصطفى الزواتي – كاتب وصحفي فلسطيني مهتم بالشؤون الفلسطينية والإسلام السياسي