إتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، القوات التركية بالعمل مع مقاتلين مرتبطين بتنظيم داعش الإرهابي في عملياتها العسكرية شمال شرق سوريا، وذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال قمة حلف شمال الأطلسي – الناتو في العاصمة البريطانية – لندن، طبقاً لسكاي نيوز عربية.
تزداد حدة التوتر بين فرنسا وتركيا في كل فترة، لكنها إشتدت بعد إقدام أنقرة على بدء عمليتها العسكرية “نبع السلام” في شمال شرق سوريا، على الرغم من وجود قوات التحالف الدولي المدعوم أمريكياً، إضافة إلى القوات الأمريكية الموجودة هناك، ما يعني أن هناك سيطرة وضبط دوليين على المنطقة، ولم تكن تحتاج إلى عمل عسكري تركي يخلط الأوراق ويقوّض السلم الذي كان قد حققه التحالف وبمعاونة الأكراد والعشائر العربية، وتجدر الإشارة إلى أنه كان هناك تصريحات ومشادات سابقة بين الرئيسين ماكرون وأردوغان في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي 2019، عندما إستدعت باريس المبعوث التركي إلى وزارة الخارجية لتقديم توضيحات بشأن إهانات الرئيس أردوغان.
ليست المرة الأولى
إن العمل العسكري التركي في سوريا، لم يكن الخلاف الأول بين الجانبين، فالجميع يعلم أن وجهة الأرمن عقب المذبحة التي حدثت لهم، كانت فرنسا، في مطلع القرن العشرين، حيث يعيش في فرنسا ما يقارب نصف مليون أرمني وكانت الجالية الأرمنية مؤثرة في مسألة الانتخابات، من هنا أقر البرلمان الفرنسي في العام 2011 أن من ينكر جريمة مذبحة الأرمن يعاقب بالسجن لمدة سنة ويدفع غرامة قدرها 45 ألف يورو، لكن ما زاد الوضع سوءا بين أنقرة وباريس هو إعلان الحكومة الفرنسية يوم الرابع والعشرين من شهر أبريل/ نيسان يوما وطنيا لتخليد ذكرى المذابح الأرمنية التي حدثت خلال الحقبة العثمانية، الأمر الذي إعتبرته تركيا أمرا مهينا وأن ماكرون يصرف أزماته الداخلية من خلال تحويل وقائع تاريخية إلى أزمات سياسة لن تحقق له شيء.
حرب سياسية
ومن الواضح أن تصرف تركيا جاء منفردا في سوريا، وعلى الرغم من أن شخصية الرئيس أردوغان متمردة، وإستطاع أن يحقق الكثير ويستفيد الأكثر من تجارب الربيع العربي، لكن كل ما أقدم على مشروع خرجت ضده دولا أخرى تحبط مساعيه، كما حدث أثناء تهديده لأوروبا بملف اللاجئين، الأمر الذي لم يلقَ إهتماما، حتى فيما يتعلق بتوقيع مذكرتي تفاهم بين حكومة الوفاق الليبية وتركيا، أقدم وزيرا خارجية كل من فرنسا ومصر بنسفها وإعتبارها عمل غير مشروع، فإن بقيت تركيا وحيدة ستخسر مستقبلا، ولكن ذلك لن يحدث إلا إذا إنقلبت الولايات المتحدة الأمريكية عليها، فمسألة سوريا، التي كانت مستعمرة من قبل فرنسا بين الأعوام 1920 – 1946، ووجود تركيا على الأرض السورية، أزعج فرنسا التي أعادت نشر 200 من جنودها على الأراضي السورية، وإنطلق عدائها في هذا الملف من بوابة قتال تركيا للأكراد الذين ساعدوا قوات التحالف في حربها ضد داعش، لكن هذا هو ظاهر الخلاف، فالخلاف الحقيقي أن الدول الكبرى لن تتقاسم مع تركيا أية أرباح مكتسبة من ثراء المنطقة، وإن إستمرت في هذا الأمر لربما سيحدث تطور ما يخرج تركيا من المعادلة كلها.
إنهيار وشيك
أن تتم المشادات الكلامية بين دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي – الناتو، هو أمر خطير، خاصة وأن تركيا تمتلك قاعدة ضخمة للناتو على أراضيها “أنجرليك – أضنة”، فمن الطبيعي أن يتحالف كل أعضاء الحلف سويةً ضد أي مخاطر، وهذا سبب نشوئه في الأساس، فالخلافات المستمرة بين الدول الأعضاء كالخلاف الألماني – التركي قبل سنوات ونقل ألمانيا طائراتها من قاعدة أنجرليك التركية إلى قاعدة الأزرق في الأردن، ومن ثم الخلاف التركي – الفرنسي، فيما تقف الولايات المتحدة على الحياد، أمر ينذر ببدء ضعف هذا التحالف.
من هنا، تصطدم المصالح مجددا بين أنقرة وأوروبا، في أفريقيا وفي سوريا، ومع دول الخليج، وفي قضايا تاريخية كمذبحة الأرمن، إذ يبدو أن هناك مسعى أوروبي لإخراج تركيا من المعادلات الصعبة بعدما سهلت لهم كل شيء وهيئت الأرضية المناسبة لدخولهم، ها هم يتفقون ضدها في ليبيا وفي سوريا، وفي كل مكان تتواجد فيه، لكن يبقى مصير تركيا مرتبط بالولايات المتحدة التي تعتبرها واشنطن جناحها الأمين في البحر المتوسط والأسود، وبالطبع ضد روسيا، فلم تعترض أمريكا على مسألة تنقيب تركيا على الغاز في المتوسط والمشاكل التي حدثت بين قبرص واليونان من جهة والنظام التركي من جهة أخرى وغير ذلك الكثير، كحادثة مقتل الصحافي جمال خاشقجي، وإغتيال السفير الروسي في انقرة، وإسقاط مقاتلة روسية وما شابه ذلك، فلا يمكن أن تتخلى الإدارة الأمريكية عن حليفتها، ونعتقد أن هذا هو سبب إستقواء أردوغان أينما حل.
فريق عمل “رياليست”