ربما العنوان ليس متداولاً كثيرً بهذا المعنى لكنه المسمّى الحقيقي لقائد فيلق القدس قاسم سليماني داخل إيران والذي قامت أمريكا بقرار مباشر من الرئيس ترامب بإغتياله.
قاسم سليماني الذي تدرج في منظومة الحرس الثوري الإيراني ليصبح أحد أهم الشخصيات المؤثرة على الساحة السياسية داخل إيران وخارجها والرجل المطلوب أمريكياً لسنوات والذي تتابعه أمريكا منذ إغتيال عماد مغنية ساعده الأيمن لدى حزب الله اللبناني. وليس مصادفة أن يتم إغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ساعده في العراق ومعهما صهر سليماني وصهر عماد مغنية، فهي ضربة لها عدة أهداف أولها توجيه رسالة مباشرة إلى إيران وكافة تنظيماتها في المنطقة أن هذه رؤوس قادتكم في أقل من دقيقة فماذا أنتم فاعلون!
وحسب الرواية الأمريكية أن قاسم سليماني كان يهدف لإقتحام السفارة الأمريكية ببغداد ليعيد بذلك أزمة الرهائن بالسفارة الأمريكية في طهران منذ عقود والهدف منها هدم السمعة والهيبة الأمريكية. ثم جاء الرد الإيراني الصاروخي على القواعد الأمريكية في العراق على إستحياء تام خارج القواعد العسكرية وكأن لسان حال الإيرانيين يقول للأمريكيين إسمحوا لنا بالهجوم الشكلي من أجل حفظ ماء الوجه في الداخل الإيراني وبالطبع لم يخلو المشهد من التصعيد الممنهج بتصريحات نارية ضد أمريكا عن طريق قادة الحرس الثوري وتنظيماته في الداخل الإيراني وبعض تنظيماتهم في الخارج.
أما عن التصريحات السياسية الإيرانية فهي تصب في صالح التهدئة مع أمريكا وتسوق لمقولات حق الدفاع عن النفس وهو نفس ما تسوقه أمريكا على لسان مسؤوليها. وكأن عملية الإغتيال تصب سياسياً في مصلحة التوافق الضمني بين إيران وأمريكا كل حسب مصالحه. الرئيس الأمريكي مقبل على إنتخابات الولاية الثانية له ويريد أن يدخلها بإنتصار ووجه صارم يجلب له مزيداً من الأصوات ويصوره على أنه القائد القادر على حماية أمريكا ومواطنيها حول العالم وتسويق للقدرات العسكرية الأمريكية بأن لديها اليد الطولى والتي تستطيع أن تطال أعداء أمريكا في كل مكان ورسالة طمأنة وإخضاع مباشرة لحلفاء أمريكا قادرة.
على الجانب الإيراني
نجد أن عملية إغتيال سليماني تصب في مصلحة الساسة الإيرانيين في الداخل حيث أن التخلص من سليماني هو تخلص من رقم صعب في المعادلة الداخلية الإيرانية حيث أن سليماني هو الرجل الثاني في إيران بعد المرشد خامنئي والإسم الأبرز لمنصب رئيس إيران القادم وهو أيضاً ضمن لجنة عليا ستختار المرشد الإيراني القادم بعد المرشد الحالي. وعلى المستوى الخارجي أصبح سليماني رجلا قوياً له إتصالات من الممكن أن تشكل خطراً على قادة إيران في الداخل والتخلص منه يصب في صالحهم وأيضا رسالة لقادة الميليشيات الإيرانية في الخارج بتحويل بوصلة الولاء من سليماني إلى القيادة الإيرانية في الداخل.
ولمن يتابع التاريخ الإيراني عبر قرون وكلما إشتدت النزعة الإيرانية إلى بسط نفوذ الإمبراطورية الفارسية في محيطها الإقليمي تتصاعد بشكل بطيء وبفكر التغلغل في نسيج الدول التي تستهدفها فكرة الإمبراطورية الفارسية والتي تعتمد دائما على منهج إنشاء دولة داخل الدولة المستهدفة وإنشاء جيشاً مضاداً لجيش الدولة ذاتها. ومع إصطدام الفكرة وبدء الصراع مع القوى الإقليمية أو الدولية تتراجع السيطرة الإيرانية وبالتالي تأمر إيران الميليشيات التابعة لها بزيادة التصعيد لهدفين وهما إن نجحت في تحقيق نجاح فسوف يصب في مصلحة الإمبراطورية الفارسية وإن لم تنجح فإنها قد تخلصت من أذرعها التي قد ترتد ضدها في حال رغبت القيادة الإيرانية في التقوقع داخلياً ومن ضمن هؤلاء أيضاً العناصر الإيرانية وغير المرغوب في عودتها سواء كانت منتصرة أو مهزومة.
وما سبق يذهب بنا إلى أن نذهب بعيداً حول تصرف الميليشيات الإيرانية في المحيط الإقليمي في المشهد القادم. حسب ما نرى وكما شاهد الجميع فإن الولايات المتحدة وإيران لا ترغبان في مواجهة مباشرة بل تمت المواجهات الشكلية على أراضي العراق وبدماء العراقيين ونفس المشهد ربما يتكرر في منطقة الخليج العربي بتصعيد ضد خطوط النفط في السعودية والملاحة فيه على الرغم من وجود قوات عسكرية لمعظم دول العالم لحماية سفنها التي تحمل النفط.
والمؤكد ستدعم إيران نشاط الحوثيين على الحدود الجنوبية السعودية وكذلك المنطقة الشرقية بما يدفع بمزيد من التوتر ويخالف الرواية الإيرانية والتي تتشدق بأنها تريد أن تطرد أمريكا خارج الشرق الأوسط ونجد أن السلوك الإيراني يدعم وجود وتمركز الولايات المتحدة الأمريكية عسكريا والسيطرة على مقدرات دول المنطقة وهذا ما حدث فعلياً بعد محاولات الهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد و الهجوم التمثيلي المتفق عليه سلفاً وضمناً مع الولايات المتحدة حتى أن كلا من الطرفين الأمريكي والإيراني أبلغا رئيس الوزراء عادل عبد المهدى بالعملية وأرسلت الولايات المتحدة آلاف الجنود إلى المنطقة لمزيدا من السيطرة على المنطقة و مقدراتها سواء في العراق أو سوريا أو منطقة الخليج.
ومما سبق يتضح أن السلوك الإيراني والذي أحضر مزيدا من القوات الأمريكية لم يضر بدول المنطقة فقط بل أيضا يضر بالمصالح الروسية والصينية مما يضطر روسيا و الصين إلى التمركز وزيادة النفوذ في العراق بصفه أساسية لحماية مصالحهم في العراق و دول الخليج وسوريا ولبنان وبصورة أخرى في منطقة البحر المتوسط وعدم السماح لأمريكا بربط قواعدها في الخليج والعراق بقواعدها في آسيا الوسطى بما يعد تهديدا مباشرا لكل من روسيا والصين وكما شاهدنا أنه مع إنسحاب ميليشيات إيرانية من مواقعها في سوريا أعادت روسيا التمركز بقوات روسية في مناطق جديدة على الأرض السورية و هو يعد ترحيبا روسيا بالتراجع الإيراني و هو أيضا ترحيبا ضمنيا سوريا لأنه لم يكن من السهل التخلص من التواجد الإيراني ولو مرحليا في ظروف طبيعية.
محمد الألفي- خبير في العلاقات الدولية، خاص لوكالة أنباء “رياليست”