موسكو – (رياليست عربي): كتب السياسي والناشر المعروف، مستشار الحكومة الروسية السابق إيغور ميخائيلوف، في صحيفة “راكورس” الروسية، أن القاعدة القائلة، بأن سلطة واشنطن ونجاح سياستها الخارجية ممكن أن تتحقق فقط بالقوة العسكرية التي تقف وراءها، إذ ذكرتني بأحداث الأيام الأخيرة في آسيا الوسطى.
في الـ 10 من شهر أغسطس/ آب الجاري، بدأت في العاصمة الطاجيكية مناورات عسكرية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، تحت مسمى “التعاون الإقليمي 2022″، القيادة الأمريكية أرسلت للمشاركة في هذه المناورات المئات من العسكريين والعشرات من المعدات والآليات الحربية بما فيها طائرات حربية مقاتلة.
وخلال مراسم إفتتاح المناورات في دوشنبه، عبّر السفير الأمريكي دجون بوميرشايم عن الثقة من أن هذه المناورات “ستقدم مساهمة مهمة في البحث عن حلول سلمية للمشاكل العالمية وستعمل على تطوير التعاون وتبادل المعلومات في مجال الأمن”، بدت الكلمات صحيحة، لكنها كانت ذات صلة بالولايات المتحدة حتى عام 2021، عندما كانت القوات الأمريكية ووحدات دول الناتو لا تزال في أفغانستان، لكن بعد هروبهم المخزي بعد عشرين عاماً في المنطقة، فإن الحديث عن الحاجة إلى حلول سلمية للمشاكل يبدو غريباً على أقل تقدير، السؤال الذي يطرح نفسه منطقياً هنا، يكمن في، ما الذي منع واشنطن من تعزيز السلام والأمن بشكل فعال مع دول المنطقة كل هذه السنوات من 2001 إلى 2021؟
تشكيل مجموعة المشاركين في التدريبات العسكرية لا يمكن إلا أن يفاجئ : طاجيكستان وكازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وباكستان ومنغوليا، نتيجة لذلك، تعتبر هذه المناورات أكبر تدريبات أمريكية في وسط وجنوب آسيا، وتثير مشاركة ممثلي القوات المسلحة للدول الأعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) في هذه التدريبات العسكرية: طاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان مسألة مسؤولية أعضاء هذه المنظمة، أم أنهم يأملون أن تساعدهم روسيا في أي حالة حدوث أي أزمة، كما كانت في طاجيكستان، وفي بداية هذا العام في كازاخستان؟
إذ أن مشاركة القوات المسلحة المنغولية في المناورات التي تقودها الولايات المتحدة لا يمكن إلا أن تثير قلق الصين وروسيا، حيث أنه من المقرر بناء خط أنابيب غاز من روسيا إلى منغوليا والصين في عام 2024، على أن يجهز في غضون ثلاث سنوات، في 2027-2028، من المتوقع أن يبدأ العمل به.
ولفهم الحجم والأهداف الإستراتيجية لواشنطن بشكل أفضل، من المناسب أن نتذكر ما سبق هذه الأيام العشرة من المناورات الحربية.
ففي مايو/ أيار الماضي، زار المساعد الخاص لوزير الخارجية الأمريكية دونالد لو دول المنطقة، لكسب رضا النخب المحلية، وأعرب عن تقديره الكبير للتحولات الديمقراطية في دول المنطقة، وذكر أن واشنطن مهتمة باستقرار الأمن لهذه المنطقة من العالم، و قد تساءلت وسائل الإعلام المحلية عما يكمن وراء كلام وخطاب المبعوثين الأمريكيين حول السلام والاستقرار والديمقراطية، إذا كان القادة في بلدان آسيا الوسطى لا يعرفون بعد الجواب، فيمكنهم أن يسألوا المواطنين والسياسيين في العراق وسوريا ولبنان وفيتنام ونيكاراغوا وكوبا ودونباس.
تمت زيارة أخرى في 15-16 يونيو/ حزيران الماضي، إذ أجرى القائد الجديد للقيادة المركزية الأمريكية، مايكل كوريلا، محادثات في دوشنبيه شارك فيها من الجانب الطاجيكي الرئيس إمام علي رحمون ووزير الدفاع الفريق شيرالي ميرزو ورئيس الأركان العامة الفريق إمام علي سيبيرزودا.
الضيف الأمريكي ذكر طاجيكستان بأن الولايات المتحدة الأمريكية لأغراض الأمن وعلى مدى 30 عاماً، خصصت 330 مليون دولار للقيادة الطاجيكية وتخطط لإرسال 60 مليون دولار أخرى على مدى العامين المقبلين، وبالمقارنة هنا نرى أن الرعايا الطاجيك العاملون في روسيا يرسلون سنوياً أكثر من ثلاثة مليارات دولار إلى وطنهم، كم يكلف الحفاظ على 201 قاعدة عسكرية روسية ومساعدتنا لدوشنبيه – البيانات سرية، لكن يمكننا القول بأمان أنها تتجاوز بكثير المكافآت الأمريكية.
وسيكون هنا من المناسب أيضاً التذكير بإجتماع القمة الرفيع المستوى الأخير، كما نعلم، عقدت قمة الناتو في مدريد في نهاية شهر يونيو/ حزيران الماضي، حيث تقرر في الوثائق النهائية للقاء بأن توضع روسيا موضع أخطر تهديد مباشر لأمن حلف الناتو، لقد تم تسمية روسيا الدولة التي تتمتع بأوسع العلاقات مع الدول المشاركة في المناورات التي تقودها الولايات المتحدة بالعدو الرئيسي لحلف شمال الأطلسي، بعبارة أخرى، في الوقت الذي نرى فيه حلفاء وأصدقاء روسيا، الذين يعتمدون عليهم باستمرار من نواح كثيرة، يجرون تدريبات عسكرية تحت إشراف عدونا .
فكيف كان رد فعل موسكو على مثل هذا النشاط الأمريكي المتزايد بالقرب من حدودها في آسيا الوسطى؟ في 28 يونيو/ حزيران، زار الرئيس فلاديمير بوتين عاصمة طاجيكستان، وأجريت مفاوضات مع الرئيس رحمون، وفي صباح اليوم التالي غادر الرئيس الروسي بالطائرة.
لا أعرف ما إذا كان الزعيم الطاجيكي تحدث في المحادثات حول تمسكه بـ “السياسة متعددة الإتجاهات”، التي ذكرها الزعيم البيلاروسي لوكاشينكو مراراً، ولكن عند الحديث عن السياسة متعددة النواقل، فإن مسألة مهارة الجلوس على كرسيين وإرضاء الجميع تثار منطقياً، هذه الاستراتيجية الشرقية المعروفة خطيرة ومفهومة جيداً من قبل الأعداء والأصدقاء على حد سواء، وقد أعربت أفغانستان بالفعل عن احتجاجها على التدريبات العسكرية على الحدود الأفغانية الطاجيكية، وأرغب هنا في تذكير ورئيس طاجيكستان، بالمثل الطاجيكي القديم: “الذئب ليس صديقاً لشاة”.
لا شك في أن التقارير التي تتحدث عن نشاط واشنطن في آسيا الوسطى ومناوراتها بمشاركة القيادة والقوات المسلحة الأمريكية قوبلت بحماسة في بكين، يبدو أن الزعيم الصيني شي جين بينغ سيكون لديه ما يقوله حول هذا الأمر في الإجتماع القادم لمنظمة شنغهاي للتعاون في أوزبكستان في سبتمبر.
في هذه الحالة، من المنطقي طرح السؤال التالي على السياسيين الروس، ألا وهو: كيف يكون من الممكن أنه خلال عملية عسكرية خاصة وعندما يقاتل جندي روسي النازيين الجدد الأوكرانيين، يرتب حليفنا الطاجيكي أساليب عسكرية بمشاركة الولايات المتحدة، وهي التي تزود أوكرانيا بالسلاح؟
كيف يمكن لزعيم بلد يفتخر بتاريخه القديم وصداقته مع روسيا، وهو يعلم أن أسلحة الناتو تقتل السكان المدنيين في أوكرانيا ودونباس وجمهورية لوغانسك، في أن يقبل المال لتوفير الأمن الذي يعود بالنفع على أمريكا، الأمر الذي يقود للتوتر وحروب جديدة؟
ذات مرة، بعد حرب القرم، أبلغت روسيا، على لسان وزير خارجية روسيا سابقاً ألكسندر غورتشاكوف، الذي أخبر العالم بأن “روسيا تركّز”، ألم يحن الوقت لوجود حلفاء موثوق بهم والتركيز بطريقة بحيث لا يرغب أي أحد في بدء حرب جديدة مع روسيا أو بالقرب من حدودها؟
خاص وكالة رياليست – د. نواف إبراهيم – كاتب وإعلامي – روسيا.