تواصل القوات التركية والفصائل الموالية لها قصف بلدة “عين عيسى” في شمال مدينة الرقة السورية وذلك منذ بداية ديسمبر/ كانون الأول الماضي 2020، وهوما يرجحه البعض لأن يكون بداية لعملية عسكرية تركية جديدة في سوريا خاصة في ظل ترويج الفصائل الموالية لتركيا لعملية جديدة على غرار عملية “نبع السلام” العام الماضي “2020”، وهو ما دفع روسيا لإرسال المزيد من أفراد شرطتها العسكرية إلى هذه المنطقة الواقعة في الشمال السوري، طبقاً لوكالة “رويترز” للأنباء.
والجدير بالذكر، أن ملف بلدة عين عيسى تصدر أجندة الإجتماع الذي عقد بين وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” ونظيره التركي “مولود جاويش أوغلو” في مدينة سوتشي الروسية يوم الثلاثاء الماضي. طبقاً لذات المصدر.
ماذا تريد أنقرة من التصعيد حالياً؟
أولاً، تعمل تركيا على إستغلال ذريعة التواجد الكردي في الشمال السوري، للتوغل أكثر في سوريا، خاصة مع نزع إدارة ترامب يدها تدريجياً من سوريا، حيث تعد الولايات المتحدة الداعم الأكبر للقوات الكردية في سوريا، وبالتالي شكل ذلك حافزاً كبيراً أمام أردوغان للتحرك حالياً، تحسباً لما قد يحدث من تغيير محتمل في سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة “جو بايدن”، والذي عبّر مراراً عن استيائه من سياسات أردوغان في سوريا وفي شرق المتوسط.
ثانياً، تسعى أنقرة لوضع يدها على طريق (إم-4) الذي يربط بين عدة مدن سورية كبرى، وبالتحديد الطريق الرابط بين حلب والقامشلي، وهو ما سيمكنها من السيطرة على شمال شرق سوريا، وذلك لأهمية الطريق الإستراتيجية والأمنية، وهذا بالتالي سيتطلب تدخلاً من الجانب الروسي لمنع نزاع محتمل قد يحدث بين القوات التركية والفصائل الموالية لها والجيش العربي السوري، حيث يتواجد الآخير في محيط بلدة عين عيسى على طول الطريق السريع (إم-4).
ثالثاً، تضييق الخناق على قوات حماية الشعب الكردية، حيث أن بلدة عين عيسى تقع بالقرب من مدينتي منبج وعين العرب “كوباني” الخاضعتين لسيطرة القوات الكردية، ومع حصار تركيا لعين عيسى ودخولها المحتمل لها، سيتيح لها ذلك الحصار الكامل لمدينتي منبج وعين العرب “كوباني”.
رابعاً، مواصلة أردوغان لحملة “التتريك” الممنهجة في شمال شرق سوريا من خلال السيطرة على عين عيسى، فمن البداية كانت السياسة التركية واضحة في سوريا، فهي لم تتمثل فقط في مجرد الإحتلال الفعلي للأرض وإنما “تتريكها”، وهو ما يستدعي إحداث تغيير ديموغرافي للمنطقة متنوعة العرقيات، وإنشاء بنية تحتية بها تحت إشراف تركي، وخصوصاً ما تشهده عفرين وجرابلس ورأس العين وباقي المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية، وذلك من أجل فصلها ثقافياً وإجتماعياً عن حاضنتها السورية والعربية، ولعل ما حدث بعد الضم التركي لإقليم إسكندرون السوري في القرن الماضي هو أبرز الأمثلة على ذلك.
ماذا وراء الصمت الروسي عن التدخل التركي؟
رغم ابتعاد الولايات المتحدة الحليف الأكبر للأكراد ولقواتها المعروفة بقوات سوريا الديمقراطية – قسد عن الساحة السورية في الفترة الأخيرة، ولكن يظل هناك ترقب روسي لما ستؤول إليه سياسات القيادة الأمريكية الجديدة برئاسة بايدن، وبالتالي موسكو ليس لها أي منفعة من تواجد القوات الكردية، ودائماً ما كانت موسكو تحاول إقناع الأكراد بترك زمام الأمور في مناطق سيطرتهم للجيش السوري كحل لمواجهة العدوان التركي، وهو ما تواصل روسيا السعي نحوه في الفترة الحالية، حيث يعتقد الروس أن هذا الأمر لن يقابل بالرفض من قبل تركيا بل ستكون أكثر قبولاً لتواجد قوات الجيش السوري بدلاً من القوات الكردية، وذلك بالرغم من الغضب الكردي من الصمت الروسي ضد الإستفزازات التركية الأخيرة، بإعتبار أن روسيا هي الضامن الأكبر للعملية السياسية وتحركات القوى المختلفة عسكرياً في سوريا.
أخيراً، تركيا ستواصل سعيها نحو التقدم أكثر في شمال شرق سوريا، كما أنه من المحتمل أن تشن عملية عسكرية جديدة في هذا العام للسيطرة على بلدة “عين عيسى”، ولكن عليها أولاً أن تصل لتفاهم مع الجانب الروسي في هذا الشأن، لأن هذه العملية من المحتمل أن تؤثر على المصالح الروسية بالإضافة لمصالح الدولة السورية حليفة موسكو الأبرز، خاصة إذا ما تطورت هذه العملية لمحاولة أردوغان للسيطرة على الطريق السريع (إم-4) ذو الأهمية الجيوسياسية والإقتصادية الكبيرة، والذي يربط بين عدد من مدن سوريا الكبرى.
فريق عمل “رياليست”.