موسكو – (رياليست عربي): بعد أن أعلن (سيرجي ريابكوف) نائب وزير الخارجية الروسي أن بلاده مستعدة لبذل المساعي اللازمة من أجل مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وذلك للتوصل إلى إتفاق مناسب قبل فوات الأوان.
وبعد أن أكدت وزارة الخارجية الروسية أن استخدام القوة العسكرية ضد إيران هو أمر غير شرعي وغير مقبول، حيث أشارت الوزارة في بيانها الرسمي إلى أن موسكو ملتزمة بالبحث عن حلول تفاوضية لتسوية البرنامج النووي الإيراني، نظراً لأن التهديدات العسكرية الغربية بقصف البنية التحتية للطاقة النووية في إيران ستؤدي إلى عواقب لا يمكن معالجتها:
- أعلن الكرملين الروسي في بيان رسمي له أن مسؤولاً روسياً رفيع المستوى سيجري محادثات في واشنطن بتعليمات من فخامة الرئيس فلاديمير بوتين، وذلك لبحث إمكانية إيجاد مخرج عاجل للأزمة المتنامية مجدداً بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.
- وأضاف (دميتري بيسكوف) المتحدث الرسمي للرئاسة الروسية في الكرملين، أنه يتوجب على جميع الأطراف مجدداً الحفاظ على ضبط النفس والتركيز على الجهود الدبلوماسية فيما يخص الوضع حول البرنامج النووي الإيراني، ووقف التصعيد الحاصل حالياً بين واشنطن وطهران.
- وقد لعبت روسيا الاتحادية في السابق دوراً فاعلاً في الجهود الدولية الرامية إلى الحد من انتشار الأسلحة النووية، وكانت أيضاً من أبرز الداعمين لعمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مراقبة البرامج النووية للدول بما في ذلك إيران. ومع ذلك، ومع تصاعد التوترات الحالية، وتدهور علاقات موسكو مع عواصم الغرب بعد بدء الحرب الأوكرانية، يبدو أن موسكو قد غيرت أولوياتها فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، وهو الأمر الذي يقلق التيار الروسي المحافظ داخل أروقة الكرملين الروسي، والذي يقف إلى جانب إيران ويعارض تعرضها لأي ضربة عسكرية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
- ونظراً لأن طهران سعت خلال السنوات الثلاث الماضية للحرب (الروسية الأوكرانية) لتعزيز علاقاتها مع موسكو من خلال تقديم الدعم العسكري مثل الصواريخ والطائرات المسيرة، بالإضافة لمشاركة خبراتها في التحايل على العقوبات الإقتصادية الدولية، لذلك تأمل طهران حالياً في توسيع تعاونها مع موسكو في مجالات مختلفة، بما في ذلك المجال النووي، وهو ما يثير مخاوف كثيرة لدى العواصم الغربية.
- وقد شهد الموقف الروسي تحولاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، فبعد أن كانت روسيا الإتحادية تدعو إلى حل الخلافات مع إيران عبر الحوار، أصبحت تسعى الآن إلى تقويض تأثير العقوبات الغربية المفروضة على طهران، وهو التحول الذي بدأ يزيد من قلق المجتمع الدولي بشأن قدرته في محاسبة إيران على أنشطتها النووية، خاصة في ظل التقارب المتزايد بين البلدين. وفي هذا السياق، وجهت روسيا الإتحادية اتهامات ضمنية للوكالة الدولية للطاقة الذرية بعدم الحيادية والموضوعية في تعاملها مع الملف النووي الإيراني.
- ولهذا السبب رأينا كيف صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، خلال الأسبوع الماضي بأن وزارة الخارجية الروسية تتوقع من الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تلتزم بموقف محايد وغير سياسي في إطار ولايتها الفنية، وألا تستسلم لأساليب التشتيت التي تمارسها الدول الغربية، فيما أعلن مندوب روسيا الإتحادية الدائم لدى المنظمات الدولية، السفير الروسي (ميخائيل أوليانوف) أن السياسات الحالية المتبعة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والأطراف الأوروبية تجاه خطة العمل الشاملة المشتركة لــــــــــــ(الإتفاق النووي الإيراني) هي سياسات إستفزازية تثير القلق.
- وتأتي هذه التصريحات الروسية في أعقاب تهديد الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) بقصف إيران إذا لم تتوصل الأخيرة إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي، في حين ردت طهران أنها لن تتفاوض مع واشنطن تحت هذه التهديدات، وهو الأمر الذي دفع طهران لتحذر واشنطن بعد أن توعدت الأخيرة بردٍ عسكري حاسم ضدَّ طهران، في حين رجحت مصادر إيرانية أن التهديدات الأميركية هدفها هو إجبار طهران على التفاوض وتقديم تنازلات غير قانونية ضمن هذا الملف.
- ونظراً للسياسة المشتركة (الروسية الإيرانية) وتأثرها بالعديد من العوامل الجيوسياسية والإقتصادية المتشابكة، فقد برزت آراء تشير إلى أن موسكو تستخدم طهران كفزاعة إقليمية، كما أنها تستعملها كورقة ضغط لمواجهة النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، لأن موسكو ومن خلال دعمها لطهران فإن روسيا الإتحادية تتابع وتستأنف عملية تعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك نفوذها في منطقة الخليج العربي أيضاً، خاصة في ظل تقاطع المصالح الاستراتيجية بين كلا البلدين، وأهم هذه المصالح معارضة التدخل الأمريكي في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، سواءً المحلية أو الدولية.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- تحدث العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف تطورات العلاقات (الروسية – الإيرانية) وتأثيرها على الأوضاع الأمنية والعسكرية واللوجيستية ليس فقط في داخل البلدين، وإنما تأثيرها على الصعيدين الإقليمي والدولي أيضاً، فأكد معظمهم بأن هناك تقارير أمنية وإستخباراتية وصلت إلى أجهزة الأمن الروسية، حيث تؤكد هذه التقارير بأن الجيش الأمريكي يحشد حالياً العديد من القوات البحرية والجوّية الكبيرة بالقرب من الأراضي الإيرانية ودول جوارها، والتي ستكون جاهزة عسكرياً بحلول منتصف شهر أبريل نيسان الجاري 2025، وذلك من أجل توجيه ضربة جوية شاملة على المنشآت النووية الإيرانية، والبنية التحتية العسكرية وبنية النقل.
- وحول هذه النقطة بالذات، يتحدث الخبير الأمني والعسكري الروسي (فلاديسلاف شوريغين) فيعتقد بأن التواريخ المحتملة التالية لأعلى درجات استعداد القوات الأمريكية والإسرائيلية لضرب إيران، باتت قريبة خلال الفترة الممتدة من 9 إلى 11 أبريل الجاري 2025، وستكون القوات العسكرية الجوية الأمريكية والإسرائيلية في أقصى درجات الإستعداد والجاهزية لتنفيذ الضربة العسكرية الكاملة والشاملة بشكلٍ مشترك، بمجرد ما أن تنتهي القيادة العسكرية الأمريكية في المنطقة من وضع خططها، حيث تخطط القوات العسكرية الأمريكية وحدها لإشراك ما بين 80 و98 طائرة مقاتلة هجومية، ومن بينها ما يتراوح من 50 إلى 70 طائرة يمكن استخدامها لمهاجمة إيران في طلعة جوية واحدة.
- وتؤكد التقارير الأمنية التي وردت إلى جهاز المخابرات العسكرية الروسية إلى أن هناك ست طائرات من طراز (B-2 Spirit)، ستشارك في هذه العملية العسكرية الكبيرة، حيث تحمل كل طائرة من هذه الطائرات الستة ما يصل إلى أكثر من 18 طناً من القنابل والصواريخ، بما في ذلك القنابل الموجهة بدقة من طراز (GBU-57A/B MOP) والتي تبلغ كتلة القنبلة الواحدة منها 13.6 طناً، وهي ستكون قادرة على اختراق ما يصل إلى 60 متراً من الخرسانة المسلحة، وهو الأمر الذي سيفرض على إيران التفكير في طريقة تفادي التأثير الحربي الكبير لاستخدام مثل هذه الأسلحة.
- وحول هذا الأمر بالذات، وطرق الرد العسكرية المحتملة من قبل إيران، يعتقد الخبير الأمني والعسكري الروسي (ألكسندر زيموفسكي)، أن إيران هي الأخرى ستضرب كل ما هو أمريكي فيما حولها بلا تردد، حيث ستضرب حقول النفط في منطقة الخليج العربي، لأن هذا الهدف العسكري هو الأقرب لطهران.
- ويضيف الخبير الأمني والعسكري الروسي (ألكسندر زيموفسكي)، أن قيام القوات العسكرية الإيرانية، وبالذات القوات الصاروخية منها بوضع نفسها في حالة (التأهب القصوى) اعتباراً من بداية شهر أبريل 2025، إنما يشير بالفعل إلى أن طهران قد تقوم بعمل عسكري من هذا القبيل، وهذا سيؤدي إلى توقف 20 بالمئة من الإنتاج النفطي في المملكة العربية السعودية، وتوقف 50 بالمئة من ذلك الإنتاج النفطي في دولة الإمارات العربية المتحدة مؤقتاً، على الرغم من أن هذه الدول لم تسمح رسمياً حتى الآن للولايات المتحدة الأمريكية باستخدام مجالها الجوي لمهاجمة إيران، كما سمحت لواشنطن سابقاً باستخدام أجوائها خلال فترة حرب الخليج الأولى، وخلال فترة حرب الخليج الثانية ضدَّ العراق.
- ولهذه الأسباب مجتمعة، يؤكد مساعد الرئيس (يوري أوشاكوف) أن الإتفاق النووي الإيراني كان من ضمن مواضيع النقاش التي جرت في المملكة العربية السعودية بتاريخ 18 فبراير 2025، حيث اتفق الطرفان الروسي والأمريكي على عقد اجتماع منفصل مخصص لهذه القضية، وهو الأمر الذي تحدث عنه وأكده (دميتري بيسكوف) السكرتير الصحفي للرئيس الروسي، الذي أكد شخصياً استعداد روسيا الإتحادية تسهيل المفاوضات باعتبارها حليفة وشريكة لإيران، وهو كذلك الأمر الذي دفع وزير الخارجية الروسي (سيرجي لافروف) ليزور طهران على عجل، وليبحث الوضع بشأن البرنامج النووي الإيراني، لأن موسكو تحاول أن تلعب آخر أوراقها من أجل منع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من القيام بأي ضربة عسكرية من شأنها أن تفرض على إيران بعض الحلول القسرية والإجبارية، وهو الأمر الذي سينعكس بشكل سلبي للغاية، على علاقة روسيا الإتحادية مع إيران أولاً، وكذلك مع دول الخليج العربي ثانياً، ومع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ثالثاً.
خاص وكالة رياليست – حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.