موسكو – (رياليست عربي): أصبح منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الدولي لعام 2021 أول وأكبر حدث في مجال الأعمال بعد انقطاع إلزامي بسبب جائحة فيروس كورونا.
عُقد المنتدى بشكله التقليدي وباستخدام التقنيات الرقمية الحديثة. وتم بمشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقادة العالم، ورؤساء كُبرى الشركات والبنوك الروسية والعالمية، وكبار الخبراء من ممثلي المجتمعات العلمية والإعلامية ومجال الأعمال. الجهة المنظمة للمنتدى هي مؤسسة “روسكونغرس”.
أما شعار المنتدى “معاً مُجدّداً … اقتصاد الواقع الجديد” فقد جاء بناء على طلبٍ جماعي بضرورة إجراء النقاشات في إطار الحضور الشخصي بهدف الوصول إلى أفكار خلاقة في العالم.
عُقد المنتدى ضمن إطار غير مسبوق بما يتعلق بإجراءات السلامة والصحة لمكافحة الأوبئة والأمراض. كان الشرط الرئيسي لدخول المنتدى لجميع الفئات المشاركة هو نتيجة اختبار سلبية لفيروس كورونا المستجد، والذي تم استخدامه لتفعيل الشارات الشخصية للدخول إلى منطقة المنتدى. تم إجراء خمسين ألف اختبار (بي سي آر) أثناء إعداد وعقد المنتدى. كذلك أُتِّخذت مجموعة متكاملة من تدابير مكافحة الأوبئة. فقد تمّ نشر نقاط لقياس الحرارة عند مداخل المنتدى، باستخدام مقاييس الحرارة الرقمية. كما تم التحقق من الالتزام الصارم باستخدام أساليب الوقاية الشخصية.
قال أنطون كوبياكوف، مستشار رئيس الاتحاد الروسي، السكرتير التنفيذي للّجنة المنظمة لمنتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الدولي: (لقد تمكنّا من عقد المنتدى بطريقة مثمرة وممتعة والأهم من كل ذلك، آمنة. ساعدت الإجراءات الأمنية المُتّخذة من قبلنا آلاف المشاركين والمتحدثين والخبراء والصحفيين على العودة إلى الشكل التقليدي المعتاد لحضور الأحداث شخصياً، والمشاركة في النقاشات الحية، والاستفادة من إمكانية التواصل الرقمي ومقابلة الزملاء والتعرف إلى أشخاص جدد. أثبت منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي مجدداً مكانته كحدث عالمي فريد، وكونه أكبر منصات الأعمال في العالم وأكثرها تقدماً لمناقشة القضايا العصرية للاقتصاد الإقليمي والعالمي).
خلال الأيام الأربعة للمنتدى، زار أرض المنتدى أكثر من 13500 مشاركاً من 141 دولة. بينهم 5000 من ممثلي الشركات الروسية والأجنبية، من ضمنهم 1500 مديراً. عمل على مواقع المنتدى ممثلو أكثر من 1000 مؤسسة إعلامية من 46 دولة.
لم يكن منتدى هذا العام أقل من سابقه من حيث تنوع البرامج وتعدّد الفعاليات، فقد تمّ تنظيم أكثر من 190 فعالية في إطار البرنامج الأساسي، وما يفوق 80 فعالية على منصات متخصصة.
خلال الأيام الأربعة من العمل، ألقى أكثر من 1300 متحدّث روسي وأجنبي، ومشرفين ومتحدثين وسياسيين خطابات أمام المشاركين في المنتدى، وتبادلوا معارفهم وخبراتهم العمليات.
تناولت مواضيع المنتدى أربعة محاور تخص الاقتصاد الروسي والعالمي، والأجندة الاجتماعية والتكنولوجية: (توحيد الجهود بهدف التنمية)، (الأهداف الوطنية للتنمية: من المهام إلى النتائج)، (الإنسان في الواقع الجديد، الاستجابة للتحديات العالمية)، (التقنيات وتوسيع الآفاق).
الجلسة العامة
كان الحدث الرئيسي للمنتدى الجلسة العامة في الرابع من شهر يونيو/حزيران بمشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كما شارك قادة الدول الأجنبية المدعوون، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، والمستشار النمساوي سيباستيان كورتس، في الجلسة عن طريق الاتصال المرئي. كما رحب رئيس الأرجنتين ألبرتو فرنانديز والرئيس البرازيلي جايير بولسونارو بالمشاركين في المنتدى.
في خطابه، قدم الرئيس فلاديمير بوتين تقييماً لوضع الاقتصاد العالمي وخصّ بالاهتمام أجندة الأعمال المحلّية، وتطرّق أيضاً إلى قضايا الدعم الاجتماعي للمواطنين والتدابير الجديدة لدعم الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، و كذلك التغييرات الواسعة في مجال الحفاظ على البيئة. (من الواضح أنه الآن في مرحلة التعافي ما بعد الأزمة، ليس من المهم فقط الدخول في مسار مستقر لنمو عالي الجودة، بل واغتنام الفرص المتاحة، وتطوير مزايانا التنافسية، وإمكاناتنا العلمية والتقنية، كما أنه من المهم للغاية الحفاظ على العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدان وتعزيزها)، قال فلاديمير بوتين.
وفي إطار برنامج الأعمال الخاص بالمنتدى، التقى الرئيس الروسي عن طريق الاتصال المرئي مع رؤساء أكبر الشركات الأجنبية ورؤساء وكالات الأنباء الرائدة في العالم. وفي اجتماعه مع رؤساء الشركات الأجنبية، تمّت مناقشة مجالات التعاون ذات الأولوية، ومناقشة خطط تنفيذ مشاريع مشتركة محددة في مناطق معينة من روسيا.
قضايا الطاقة
في الجلسات المخصّصة لقضايا الطاقة، أشار الخبراء إلى أنه وفقاً للتوقعات، بحلول العام 2050 سيعتمد ميزان الطاقة العالمي على الكربوهيدرونات بحصة قدرها 71% على الأقل. لن ينتهي عصر النفط والغاز في المستقبل القريب، وستحتفظ شركات الطاقة التقليدية بدورها. هذا وتُطوّر روسيا- التي لديها استراتيجية واضحة في مجال الطاقة – كلّاً من الطاقة التقليدية والنظيفة.
الرعاية الصحية
كان أحد المواضيع الرئيسية في برنامج أعمال المنتدى هو التطور والتحول العالمي في مجال الرعاية الصحية في ظل جائحة فيروس كورونا وعواقبه. ناقش الخبراء صمود هذا القطاع في وجه التحديات الطارئة، والتدابير الضرورية لتحقيق الهدف الوطني المتمثل بزيادة المتوسط العمري للشعب الروسي، وآفاق إدخال طرق علاج مبتكرة في برنامج الرعاية الصحية، بما في ذلك العلاج الموجه، وتطوير التقنيات الجينية المتقدمة، وكذلك أتمتة قطاع الصحة. ركز جدول الأعمال على مشكلة تهديدات الأوبئة المستقبلية، وجاهزية القطاع في مواجهتها، والبحث عن لقاحات فعالة وآمنة من الجيل الجديد، باعتبارها الأداة الأكثر أماناً للوقاية من العدوى المهددة للحياة.
المناخ والبيئة
كما كان المناخ موضوعاً للنقاش، لا يقلّ أهميةً عن سابقه، وعلى وجه الخصوص الحد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون أثناء استخراج وانتاج الوقود والمنتجات الطاقية، وإدراج (الشهادات الخضراء)، وإدراج مبادئ (الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات)، وتطوير مصادر جديدة للطاقة (الهيدروجين وتكنولوجيا إنتاجه)، وإدراج التكنولوجيا الرقمية في برامج الوقود والطاقة. أشار الخبراء إلى أن قضايا السلامة البيئة في بلدنا بدأت تُعالج بشكل ممنهج؛ ففي إطار المشروع الوطني “البيئة”، تم وضع مهمة عالية الأهداف، وهي معالجة 100% من النفايات بحلول العام 2030، وتقليص حجم دفن النفايات الصلبة بمعدل النصف. وهذا يعتبر بالفعل نهجاً جديداً.
أما فيما يتعلق بالجلسات المخصصة لقضايا القطب الشمالي، فقد جرت الفعاليات الأولى في إطار التمثيل الروسي ضمن مجلس القطب الشمالي للأعوام 2021-2023. وتم عرض الأهداف والغايات والمجالات ذات الأولوية الملحة لروسيا خلال فترة تمثيلها في المجلس.
الاقتصاد والتنمية
كما تم تخصيص عدداً من جلسات المنتدى لموضوع تسريع التنمية في الشرق الأقصى. حيث ناقش الخبراء فعالية التدابير المتخذة لدعم المشاريع الاستثمارية في المنطقة، وحددوا الخطوات المزمع اتخاذها لتطوير مناطق الشرق الأقصى.
انعقد أيضاً على أرض منتدى سان بطرسبرغ المنتدى الروسي السادس للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، وكان موضوعه الرئيسي مناقشة تدابير دعم أعمال الشركات. ناقش الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمته التي ألقاها خلال الجلسة العامة مواضيع تتعلق بدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة. إذ اقترح بوتين إطلاق آلية جديدة لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في هذا العام، بتوفير مظلة ضمان للحصول على القروض من المصارف الشريكة. كما أضاف أنه يعتزم الحفاظ على تسهيلات أقساط التأمين للشركات الصغيرة التي تم إدراجها عام 2020، وتحرير الشركات الصغيرة والمتوسطة من قبضة الاحتكار.
للمرة السادسة، تم طرح نتائج التصنيف الوطني للأقاليم الروسية حسب معدل جذبها للاستثمار. المناطق الخمسة الأولى تضمنت: موسكو، جمهورية تتارستان، منطقة تيومين، منطقة تولا، جمهورية باشكورتوستان.
قضايا التعليم
تم تخصيص العديد من المواضيع في المنتدى من أجل تحديث عملية التعليم. تم تقديم المشروع الفيدرالي (بروشكولا)، أي عن المدرسة، والذي أطلقته مجموعة شركات (براسفيشينيه) و(في إي بي _آر إف) و(سبيروم)، والتي ترعاها وزارة التعليم في الاتحاد الروسي. سيكون هذا المشروع أحد البرامج الرئيسية للمشروع الوطني (أبرازافانيي)، أي التعليم، الذي سيساعد على بناء مدارس جديدة في المقاطعات والمناطق في إطار برنامج الدولة لتطوير التعليم.
على هامش المنتدى، تمّ للمرة الأولى تفعيل الاستديو التفاعلي للجمعية الروسية (زنانيي)، أي المعرفة. إذ بلغ عدد ضيوف البرنامج أكثر من خمسين متحدثاً رئيسياً، وهؤلاء تمت دعوتهم بناء على طلب جماعي للحديث (ببساطة حول الصعب) مع الجمهور، والتحدث عن الفعاليات على منصة المنتدى، وتبادل الآراء حول الاتجاهات الرئيسية العالمية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية. ولابد من الإشارة إلى أن ضيوف البث هم نفسهم المشاركين بتنظيم هذا البث، وذلك بالمساهمة بوضع أسئلتهم على الموقع الإلكتروني للاستديو.
الحوارات الدولية
وكما جرت العادة، حظيت حوارات الأعمال الروسية مع البلدان والأقاليم باهتمام كبير، وتم عقد أحد عشر حدثاً دولياً في هذا العام: حوارات أعمال بين (روسيا وقطر)، (روسيا وفرنسا)، (روسيا وأفريقيا)، (روسيا وإيطاليا)، (روسيا وأمريكا اللاتينية)، (روسيا وألمانيا)، (روسيا وأمريكا الشمالية)، (روسيا وفنلندا)، (روسيا والسويد)، (روسيا واليابان)، وأخيراً (الاتحاد الأوراسي الاقتصادي ومنظمة دول جنوب شرق آسيا).
منتدى الشباب الاقتصادي
كانت إحدى الفعاليات الرئيسية في اليوم الختامي للمنتدى هو منتدى الشباب الاقتصادي، حيث تمكن روّاد الأعمال الشباب والطلاب وقادة المنظمات العامة من مناقشة القضايا الاقتصادية والسياسية الرئيسية مع كبار الخبراء الدوليين.
السلامة الدوائية
وفي إطار منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي تم للمرة الأولى عقد ندوة بعنوان (السلامة الدوائية)، والتي وحّدت جهود جميع الجهات المهتمة بتطوير هذه الصناعة، من أجل تطوير الرعاية الصحية بشكل أوسع. حيث تم عقد ما لا يقل عن 12 جلسة حوارية عامة، نوقِشت خلالها قضايا تحسين نظام شراء الأدوية، وادخال التقنيات الرقمية في الطب، وزيادة توافر الأدوية وغيرها من المواضيع ذات الصلة.
تطوير الأعمال الإبداعية
وللمرة الأولى على الإطلاق، تم تنظيم ندوة للأعمال الإبداعية للمشاركين في المنتدى الاقتصادي الدولي. فموضوع تطوير الصناعات الإبداعية هو موضوع يهمّ العالم بأسره، لأن (الانطباعات الجديدة) هي من المتطلبات الرئيسية للإنسان في عصرنا الحالي. تم عقد 30 جلسة عمومية في إطار المنتدى، والتي تم تلخيص نتائجها في (مقهى العالم). ناقش أكثر من 270 متحدثاً على منصة مختبرات (أنوسوتسيوم) مجموعة متنوعة من جوانب تطوير الصناعات الإبداعية، مثل قضايا المنافسة العالمية، وإمكانيات الصناعات الإبداعية الروسية، والمخاطر والصعوبات التي تعيق الوتيرة السريعة لتطور المجالات الإبداعية، والاتجاهات العالمية للصناعات الإبداعية، والجوانب التعليمية، وتطوير التكنولوجيا والتنظيم القانوني لهذا المجال.
منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي للصغار
أما المحور الجديد في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي لعام 2021، فكان منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي للصغار، والذي شارك فيه 200 تلميذاً من جميع أنحاء روسيا ومن دولة قطر، الدولة الضيفة في هذا المنتدى. ضمت الفعالية 25 جلسة عمل، قدم خلالها تلاميذ المدارس وجهات نظرهم حول الموضوعات الاجتماعية والاقتصادية للبالغين، حيث سمحت لهم منصة هذا المنتدى إبراز أفكارهم على مستوىً عالٍ.
الاتفاقيات
تم التوقيع على أكثر من 890 اتفاقية خلال هذا المنتدى، و هو عدد غير مسبوق بالمقارنة مع نتائج منتدى عام 2019 (للمقارنة: في عام 2019 تم توقيع 745 اتفاقية بقيمة 3 ترليونات و271 مليار روبل)، هذا وقد وقع المشاركون في المنتدى على أكثر من 150 اتفاقية دولية. تجاوز المبلغ الإجمالي للاتفاقات – الاتفاقات التي لا تُعتبر تكاليفها سرّاً تجارياً- 4 ترليونات و266 مليار و600 مليون روبل.
تمّ في إطار المنتدى توقيع اتفاقيات حول مشاريع البنية التحتية والنقل، وتطوير عمليات الاستخراج، وإنشاء مناطق الاستجمام و الترفيه. من بين الاتفاقيات الموقّعة على سبيل المثال: بناء مجمع منتجعات في شبه جزيرة القرم، وإنشاء أول منتزه ترفيهي متخصص، وطريق جديد حول مدينة (تالياتي)، وإنشاء مجمع لمعالجة اللحوم في مدينة (تولا).
الكثير من الاتفاقيات – أكثر من 160 اتفاقية – تمّ توقيعها في مجالات التعاون الاجتماعي والاقتصادي، والتعاون بين الأقاليم داخلياً، وما يفوق 110 اتفاقية في مجال التقنيات المتطورة، وحوالي 80 اتفاقية في القطاع المصرفي، وتم إبرام ما لا يقل عن 50 اتفاقية في مجال التعليم والعلوم.
خاص وكالة “رياليست” – د. آصف ملحم – خبير في مركز الأوضاع الاستراتيجية في موسكو.