وهو ما يحدث في الدول الرأسمالية ويسمى “المنهج الانكماشي”، وقد تم تطبيق جزء منه في سورية بشكل مقصود أو غير مقصود (كنموذج علاج مستورد)، حيث تم فيه:
– خفض الدعم عن سعر الخبز، ورفع الدعم عن السلع التموينية الضرورية كالسكر والرز والشاي والزيوت و…
– تغير سياسة الدولة تجاه قضية التوظيف خاصة بحرمان العسكريين المسرحين من حقهم بأولوية التوظيف.
– تصفية مؤسسات القطاع العام أو خصخصتها (وإن لم يحدث ذلك مباشرة فقد تم تجميدها على مبدأ الموت الرحيم).
– ضغط الإنفاق على الصحة والتعليم بتخفيف الدعم لهذين القطاعين من خلال زيادة الرسوم والأجور وأسعار الدواء والعلاج…
وقد توجهت برسالة عبر وسائل الإعلام التلفزيونية منذ عام 2015 للابتعاد عن هذا المنهج التدميري، لكن لا حياة لمن تنادي، فقد غاصوا فيه أكثر فأكثر.
المنهج الثاني- الاعتماد على الذات:
وهو ما يحدث في الدول النامية ويسمى “المنهج التوسعي“، ونحن بحاجة ماسة إليه في ظروفنا، وذلك من خلال:
– إعطاء الدولة الوطنية دورها في تحقيق ومراعاة العدالة الاجتماعية دون استبعاد القطاع الخاص الوطني المنتج.
– تعديل مسار التصنيع في اتجاه إشباع الحاجات الأساسية للسكان وليس في اتجاه الكماليات.
– تحرير الاقتصاد من التبعية والسيطرة لاقتصادات عالمية معينة.
– الابتعاد عن نماذج التنمية المستوردة.
إن اتباع المنهج الأول التدميري في السياسة الاقتصادية السورية أثقل كاهل المواطن السوري، وزاد من عجز الاقتصاد السوري على مواجهة التحديات في ظل العقوبات المطبقة عليه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وزاد من عجز الموازنة وجعله مرضاً مزمناً مع مرور السنوات، لذلك لابد من بعض الخطوات لمعالجة عجز الموازنة أهمها:
1-زيادة الإيرادات المحلية من خلال تحسين إجراءات التحصيل الضريبي والإسراع في وقف التراكم الضريبي خاصة وأن التهرب الضريبي من قبل الشريحة الغنية كبير جداً منذ سنوات ما قبل الحرب، حيث قدرت وزارة المالية التهرب الضريبي في عام 9/2009 ما بين 200-300 مليار ليرة سورية، فماذا بلغ الآن يا ترى؟
2-وضع الضرائب ضمن شرائح بحيث يجبر الأغنياء على دفع النسبة الأكبر من الضرائب بدل من أن تكون لهم القدرة الأكبر على التهرب. وبالمقابل يعفى الفقراء من دفع الضرائب، وخاصة منهم المقاتلين في الجيش والشرطة والقوى الأمنية والقوات الرديفة.
3-زيادة الإيرادات الاستثمارية من خلال إجبار المستثمرين على الاستثمار في مجالات تحددها الدولة بما يتوافق مع سياسة استثمارية موجهة لإشباع الحاجات الأساسية للمواطن، وتحت رعاية الدولة (على مبدأ الخدمة الإلزامية ولكنها اقتصادية).
4-من أهم المواد الواجب استيرادها من قبل الدولة (النفط)، ويجب أن يتم توزيعها على المواطنين من قبل الدولة، وهنا تتحقق بعض الإيجابيات: كتخفيف الاحتكار، وعودة الربح للدولة وليس للتجار وأصحاب رؤوس الأموال، ولا حجة بموضوع العقوبات لأن استيراد النفط والغاز يتم من إيران وروسيا، عدا عن أنه من الواجب عليهم تقديم النفط والغاز مجاناً وهذا واجب الحليف، فالدول المتحالفة في الحروب يجب أن تتعامل كجبهة واحدة.
وبرأيي: يجب رفع الدعم عن النفط بالمطلق، بمعنى: كما يتم استيراده يتم بيعه، ويكون المبلغ الفائض للدولة وليس للتجار هنا، وهذا المبلغ يجب أن ينفق كدعم يقسم إلى قسمين:
– الأول: دعم غذائي عيني وليس نقدي حتى لا يحدث تضخم نقدي: يوزع كمواد غذائية وأساسية مجاناً للمواطنين كافة (مثلاً سلات غذائية عينية للأسر من السكر والرز والبرغل والزيت ومنظفات و…).
-الثاني: زيادة في رواتب الجيش وتعويضات الجرحى والاهتمام بأسر شهداء القوات الرديفة أسوة بشهداء الجيش والشرطة والمدنيين ومراعاة وضع المفقودين والمقاتلين: فهذا الذي يقاتل ليدافع عن الدولة يستحق منها هذا العطاء وليس أصحاب رؤوس الأموال والتجار الذين هربوا لأن انتماءهم لأموالهم وليس للوطن، فهذا المقاتل الذي يقاتل ويصاب ويستشهد.. هو من يستحق الدعم.
وأخيراً: إن عدم القراءة الواضحة لعمق الأزمة أدى إلى ألا تكون المؤسسات الحكومية على مستوى الأزمة، فلم نشهد إلا التسويف والوعود الكاذبة والتحجج بالأزمة لتبرير التراجع والتخاذل والفساد.
فلنحارب بالاقتصاد كما نحارب بالجيش، وبالنهاية هذا البلد لنا ولن يدافع عنه غيرنا.
خاص وكالة “رياليست” – الدكتور أحمد أديب أحمد – أستاذ الاقتصاد في جامعة تشرين السورية.