عندما اعترف الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، مطلع سنة 2016، بكوسوفو (إقليم صربي) كعضوه الـ55، كانت ردة فعل Delije، و هم أولتراس نجم بلغراد الأحمر الصربي، سريعة وقوية. لقد رفعوا في ملعب ناديهم المحبوب، تيفو كبير يمثل خارطة كوسوفو بألوان العلم الوطني الصربي، الأحمر والأزرق والأبيض. لماذا؟
لأن كوسوفو هو، في الاصل، إقليم انتزع من صربيا جراء عدوان الناتو العسكري سنة 1999. كانت صربيا وقتذاك لا تزال جزءا من جمهورية يوغسلافيا الاتحادية وكانت القوى الامبريالية قد قررت تدمير ذلك البلد “المذنب” حسبها لأنه كان متمسكا بسيادته الوطنية، بسياسة تنمية اقتصادية مرتكزة على الذات (ومن ثم اقتصاد خارج فلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) ولأنه كان يرفض أن يبيع اقتصاده وثرواته الطاقوية للشركات متعددة الجنسيات وللقوى الغربية.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تمحي حتى اسم يوغسلافيا من خارطة العالم، لأنه اسم مشحون برمزية قوية، إذ يعني يوغسلافيا بلد السلاف الجنوبيين وكان شعاره هو Bratstvo i Jedinstvo/Братство и Јединство (أخوة ووحدة باللغة الصربية-الكرواتية). ومعلوم عند متتبع الأحداث الدولية أن أمريكا هي أول مشعل للحروب في العالم.
لقد تجسد المشروع الامبريالي الغربي لمحو يوغسلافيا سنة 2006 عندما انفصلت جمهورية الجبل الأسود عن اتحادية صربيا-الجبل الأسود (المسماة جمهورية يوغسلافيا الاتحادية إلى غاية سنة 2003) وأعلنت استقلالها في إطار “هدفها الاستراتيجي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والناتو”. يا له من مشروع “تحرر وطني” “جميل” !
لقد تم تأسيس تسرفينا زفيزدا سنة 1945 على يد أعضاء من اتحاد الشبيبة الصربية المناهضة للفاشية وكانوا رجالا ساهموا في تحرير بلدهم من الاحتلال الألماني خلال الحرب العالمية الثانية. وبالمناسبة يجب أن نذكر أن جيش التحرير اليوغسلافي ضم في صفوفه ألبانيين وصرب حاربوا جنبا إلى جنب ضد قوات الإحتلال الإيطالية والألمانية وكتيبة سكندر بك Waffen SS Skanderbeg العميلة للنازيين، وحرروا سويا كل أراضيهم بما فيه إقليم كوسوفو الذي كانت تحتله إيطاليا الفاشية. ويوجد في الإقليم، وبالضبط في مدينة كوسوفسكا ميتروفيتسا Kosovska Mitrovica، معلم تاريخي يخلّد عمّال المناجم والمقاومين الألبانيين والصرب المنحدرين من كوسوفو الذين سقطوا شهداء في حرب التحرير الوطني اليوغسلافية (1941-1945).
لنعد الآن إلى مناصري نادي النجم الأحمر المتحمسين، فهم غالبا ما يهتفون بصوت واحد “Kosovo je Srbija/Косово је Србија” (ويعني “كوسوفو جزء من صربيا) خلال مباريات البطولة الصربية أو مباريات دوري أبطال أوروبا، كما يسبّ المناصرون الإتحاد الأوروبي لكرة القدم، لأنه يعترف بكيان سياسي (“دولة” كوسوفو المزعومة) لا شرعية له إذ تحتل قوات الناتو المسلحة (وهي أساسا قوات تابعة للجيش الأمريكي) الإقليم الصربي نظرا لموقعه الجيوستراتيجي ولتوفره على ثروات طاقوية كبيرة، فكوسوفو يحتضن حاليا ثاني أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في أوروبا وهذا ما يجعل منه إقليما يتواجد تحت الإنتداب الأمريكي كما أصبح مركزا للمتاجرة بالمخدرات والبغاء في أوروبا.
لقد قصفت القوات المسلحة التابعة لحلف الناتو الإرهابي صربيا اليوغسلافية وعاصمتها بلغراد في سنة 1999، متسترة بذريعة “مذبحة” راتشاك و”التدخل الإنساني من أجل حماية ألبانيي كوسوفو من تطهير عرقي كان يقترفه الصرب” وكلها كانت حجج مفبركة، مثلما استعمل حلف الناتو بقيادة أمريكية الحجة “الإنسانية” لاحتلال أفغانستان وقصف بغداد في عام 2003، في سبيل “إقامة الديمقراطية في العراق وتحرير العراقيين من حكم الطغاة”. مثلما استعمل حلف الناتو الإمبريالي نفس الحجة “الإنسانية” لشن عدوان عسكري على ليبيا وقصفها سنة 2011 من أجل “دعم المعارضة الليبية الديمقراطية. وإذا رجعنا إلى الوراء، فسنجد أن الناتو وقف ضد حركات التحرر الوطنية في إفريقيا ودعّم وساند فرنسا الاستعمارية بقوة في حربها ضد المجاهدين الجزائريين (اسم جنود جيش التحرير الوطني الجزائري)، أثناء حرب التحرير الجزائرية (1954-1962) وعندما اقترف جيش الإستعمار الفرنسي مذابح وعمليات إرهابية في حق المدنيين الجزائريين.
عندما قصفت قوات حلف الناتو صربيا وعاصمتها في مارس 1999 فإن قوات العدوان استهدفت أحياء سكنية، مدارس، مستشفيات، مراكز استشفائية، محطات قطار، مطارات، جسور و راح ضحيتها أطفال ونساء وأشخاص مسنين. ولم تسلم المصانع اليوغسلافية من قنابل الناتو، فعلى سبيل المثال قُتل 100 عامل في قصف مصنع سيارات زاسطافا (Zastava/Застава)بمدينة كراغوييفاتس Kragujevac . كانت علامة زاسطافا مفخرة الصناعة اليوغسلافية إذ كانت يوغسلافيا تملك علامة سيارات خاصة بها وكانت تنتج حافلاتها وشاحناتها. لم ينس مناصرو نجم بلغراد الأحمر الآلاف من ضحايا جرائم عدوان الناتو، ولذلك تجدهم يسبون فيالمدرجات وخارجها هذه المنظمة الإرهابية الدولية فيهتفون “Fuck fuck Nato pact”. وبالفعل تتمثل مهمة حلف الناتو في تدميرأي دولة (إفريقية، أسيوية، جنوب أمريكية أو شرق أوروبية) غيورة على استقلالها السياسي، الإقتصادي والثقافي، عن طريق استخدام وسائل إرهابية.
من جهة أخرى، يستهدف مناصرو النجم في هتافاتهم منظمة الإتحاد الأوروبي لكرة القدم ويهتفون “UEFA Mafia” لأنها اعترفت بالإستقلال غير الشرعي الذي أعلنه إقليم كوسوفو سنة 2008. ولا يزال مناصرو تسرفينا زفيزدا Црвена Звезда/Crvena Zvezda، ثان أكبر نادي كروي في صربيا من حيث الشعبية (رفقة بارتيزان بلغراد) يتذكرون، إلى غاية اليوم، كل مواطنيهم الذين قُطّعت أشلاءهم في القصف الجوي لحلف الناتو قبل 21 سنة. وتندمج الأناشيد والأهازيج المدوية لمناصري نجم بلغراد الأحمر في إطار عمل مستمر للحفاظ على الذاكرة الجماعية والشعبية في صربيا وهي تترجم المشاعر الوطنية لغالبية الشعب الصربي ومعارضته للإمبريالية الغربية.
محمّد وليد قرين، كاتب قصص جزائري وأستاذ في الترجمة بجامعة الجزائر- خاص “رياليست” الروسية