موسكو – (رياليست عربي): بعد أن وصل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يوم الثلاثاء 25 فبراير 2025 إلى العاصمة الإيرانية طهران قادماً من العاصمة التركية أنقرة، والتي عقد فيها محادثاتٍ مع نظيره التركي (فيدان هاكان)، تلتها محادثاتٍ أخرى مع الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان)، وتناولت الوضع السياسي والعسكري لبلدان الجوار في أوكرانيا وفي سوريا والمحادثات (الروسية – الأمريكية) في المملكة العربية السعودية:
- عقد وزير الخارجية الروسي (سيرجي لافروف) اجتماعاً مطولاً مع نظيره الإيراني عباس عراقجي في طهران ليخرج بعده الوزيران إلى المؤتمر الصحفي المشترك، الذي أكد فيه الوزير لافروف، بأنه أطلع الجانب الإيراني على نتائج إتصالات واشنطن وموسكو بشأن أوكرانيا خلال المحادثات التي احتضنتها الرياض، كما أكد بأنه تطرق مع الوزير عراقجي إلى تفاصيل الملف النووي الإيراني والوضع في سوريا.
- وأضاف الوزير الروسي بأنه إتفق مع نظيره الإيراني على أن جميع مشاكل الشرق الأوسط يجب حلها على أساس قرارات مجلس الأمن التابع لمنظمة لأمم المتحدة، فيما أوضح خلال تطرقه للملف النووي الإيراني، بأن الحديث قد تناول الوضع بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة للبرنامج النووي الإيراني، مشيراً بأن موسكو مقتنعة بأن الحل الدبلوماسي لا يزال قائماً، وأنه لا يمكن إهماله، ويجب استخدامه بأكبر قدر ممكن من الفعالية دون أي تهديدات ودون تلميحات إلى إمكانية التوصل إلى أي حلول بالقوة.
- وأشار وزير الخارجية الروسي إلى الموقف المشترك (الروسي – الإيراني) الداعي إلى مواصلة البحث عن حلول مقبولة للخروج من الوضع الحالي في العلاقات بين إيران ودول الغرب، والذي لم تخلقه إيران بل إنه كان نتيجة للتصرفات الغربية (على حد تقدير الوزير لافروف).
- أما فيما يتعلق بالملف السوري، فأكد الوزير سيرجي لافروف التزام طهران وموسكو بعمليات التنسيق المتبادل فيما بينهما، وذلك لمواصلة تنسيق النهج المتبع لضمان السلام والإستقرار على المدى الطويل في سوريا بمشاركة جميع القوى السياسية والعرقية والدينية وبدون إستثناء، لأن شمولية عمليات تحقيق الإستقرار في سوريا هو أمرٌ في غاية الأهمية، حيث سينتظر الجانبان نتائج المؤتمر الوطني السوري الذي بدأ أعماله يوم الثلاثاء بتاريخ 25 فبراير 2025.
- من جانبه: أكد وزير الخارجية الإيراني (عباس عراقجي) بأن طهران لن تخضع للضغوط الأمريكية، وذلك بعد يوم من فرض واشنطن لعقوباتها الجديدة على صناعة النفط الإيرانية، خاصةً وأن زيارة الوزير سيرجي لافروف إلى طهران في 25 فبراير 2025، تأتي بعد أسبوع من أول محادثات رفيعة المستوى بين واشنطن وموسكو منذ بداية الحرب (الروسية – الأوكرانية)، أي منذ ثلاث سنوات، حيث أثارت المحادثات التي جرت في المملكة العربية السعودية في 18 فبراير 2025 آمالاً كبيرة لإعادة ضبط العلاقات بين روسيا الإتحادية والولايات المتحدة الأمريكية بعد تصاعد التوترات بينهما بسبب الأزمة الأوكرانية.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- يرى العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف العلاقات (الروسية – الإيرانية) وتأثيرها على الأوضاع الأمنية والعسكرية واللوجيستية في كلا البلدين، بأن محادثات المملكة العربية السعودية بين الوفدين الروسي والأمريكي، قد أرعبت الإيرانيين بالفعل، لأنهم لا يريدون أن يظلوا في موقف المتفرج ضمن هذه التغييرات الإقليمية والدولية المتسارعة.
- ويؤكد المسؤولون الروس في وزارة الخارجية الروسية بأن هذا الإجتماع في طهران قد كان بمثابة محاولة من الكرملين الروسي للتأكد من أن موقف إيران بشأن القضايا الرئيسية يتماشى مع موقف موسكو، وخاصة فيما يتصل بالعلاقات مع واشنطن، خاصةً وأن بعض أجهزة الإستخبارات الغربية تعتقد بأن الوزير سيرجي لافروف قد ذهب إلى طهران ليسلم رسالة واضحة إلى الإيرانيين بعد المحادثات التي جرت في المملكة العربية السعودية، نظراً لأن هذا التقارب المحتمل من جديد بين الروس والأمريكيين قد أثار مخاوف في أوساط القرار السياسي في طهران، من أن تقوم روسيا الإتحادية بالتخلي عن حليفتها إيران من أجل إحياء العلاقات مع واشنطن، تماماً كما تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن حليفتها أوكرانيا من أجل إحياء العلاقات مع موسكو، وهو الأمر الذي بات يفرض طريقة جديدة للتعامل بين الكرملين الروسي في موسكو والقيادة السياسية الإيرانية في طهران التي بدأت الخيارات تضيق أمامها أكثر فأكثر.
- وهنا تؤكد الخبيرة العالمية (نيكول جرايفسكي) رئيسة برنامج السياسة النووية في مؤسسة (كارنيغي) للسلام الدولي، أن قسماً كبيراً من المسؤولين الإيرانيين الإصلاحيين، باتوا يرون بأن هذه المحادثات (الروسية – الأمريكية) قد تساعد الكرملين الروسي لتصبح موسكو وسيطاً بين واشنطن وطهران، وهو الأمر الذي سيساعد على إنهاء المواجهة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية. ولهذا، نرى كيف أن الروس يميلون إلى إرسال بعض الدبلوماسيين إلى إيران على الأقل لتهدئة المخاوف، لأنه وكما تعلمون هناك مخاوف طويلة الأمد في إيران من أن الروس قد يبيعون إيران للولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا أتت زيارة الوزير سيرجي لافروف إلى طهران، بعد يوم واحد فقط من فرض واشنطن مجموعة جديدة من العقوبات التي ستستهدف صناعة النفط الإيرانية لكونها المصدر الرئيسي لدخل البلاد.
- وتضيف (نيكول جرايفسكي) أن الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) قد إستأنف حملته لممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران، متذرعاً بأن طهران باتت قريبة للغاية من تسليح برنامجها النووي. ففي العام 2018 وخلال فترة ولايته الأولى، انسحب (دونالد ترامب) من الإتفاق بين طهران والقوى العالمية والذي فرض قيوداً على البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات الدولية، ومنذ ذلك الحين كثفت إيران عمليات تخصيب اليورانيوم، مما أثار المخاوف الغربية بأنها تقترب من تطوير رأس حربي نووي.
- وتوضح الخبيرة جرايفسكي بأنه ولهذا السبب بالذات، أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال مؤتمره الصحفي مع نظيره الروسي سيرجي لافروف، بأنه لا توجد إمكانية للمفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية لطالما يتم تطبيق أقصى قدر من الضغط بهذه الطريقة، ليرد الوزير الروسي بأن التدابير الدبلوماسية لا تزال مطروحة على الطاولة لحل القضايا المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني.
- وقد ظهر تخوف الإيرانيين بشكل واضح من خلال ما نشرته وسائل الإعلام الإيرانية المحلية، فمثلاً حذرت صحيفة (جمهوري إسلامي) الإيرانية المحافظة يوم 25 فبراير 2025، من وجود صفقة كبرى يتم الإعداد لها حالياً بين واشنطن وموسكو، ولربما قد تؤدي إلى غض الطرف من قبل روسيا الإتحادية عن أي عمل عسكري محتمل ضد إيران من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. فيما أشارت صحيفة (إعتماد) الإيرانية هذا الأسبوع إلى أن الوزير لافروف قد يحمل رسالة من واشنطن تتضمن مقترحات لخفض التوترات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذي سيسهم في تمهيد الطريق لجولة جديدة من المحادثات بين البلدين.
- وأضافت الصحيفة أن الهدف الحقيقي لزيارة سيرجي لافروف إلى إيران قد يكون التعرف على مواقف طهران، قبل اللقاء المحتمل بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي (دونالد ترامب) خلال الفترة القادمة، وهو الأمر الذي سيعزز موقع الإيرانيين ضمن المحادثات (الروسية – الأمريكية) التي بدأت مؤخراً في المملكة العربية السعودية.
- وهنا، يقول خبير غربي ثاني هو الخبير السياسي (دامون جولريز)، الأستاذ المحاضر في جامعة لاهاي للعلوم السياسية، بأن هدف رحلة الوزير سيرجي لافروف إلى إيران، هو ممارسة الضغط السياسي على طهران لتكون في صف موسكو، لأن بعض المسؤولين في (مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران) يرون من جانبهم بأن هناك فرصة ذهبية بالفعل لإعادة ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الإتحادية حالياً، وهو الأمر الذي سيفتح المجال للحوار بين واشنطن وطهران بغض النظر عن المواقف الإسرائيلية المعارضة لهذا الحوار شكلاً وتفصيلاً.
- فيما يرى خبير سياسي وإقتصادي ثالث، هو الخبير الإيراني (حسين شاليفرزي)، وهو الرئيس السابق لغرفة التجارة الإيرانية، أن ما يسعى إليه الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) حالياً ليس إتفاقاً بشأن إيران، بل هو مجرد إتفاق يسهم بتحقيق المصالح الإقتصادية الوطنية لروسيا الإتحادية، بغض النظر عن التعاون الحالي بين البلدين، خاصةً التعاون العسكري الذي بدأ عندما شنت روسيا الإتحادية عمليتها العسكرية في أوكرانيا في فبراير 2022، مما أدى لتعرض موسكو لسلسلة من العقوبات الغربية. ومنذ ذلك الحين تزود إيران روسيا الإتحادية بطائرات بدون طيار رخيصة الثمن، ولكنها طائرات فتاكة للغاية في المعارك، إذ تم استخدامها ضد أوكرانيا على الرغم من أن طهران وموسكو تنفيان ذلك.
- بينما يرى خبير رابع، هو المحلل السياسي الإيراني (عبد الرضا فراجيراد) المقيم في طهران في مقابلة مع صحيفة (إعتماد) الإيرانية، أن زيارة الوزير لافروف إلى إيران تأتي حالياً بالتزامن مع عملية انسداد الأفق بين واشنطن وطهران، مما أدى إلى تدهور كبير في الإقتصاد الإيراني الذي تحول إلى تحدٍ سياسي كبير لإيران، ولذلك، وفي حال استطاعت روسيا الإتحادية أن تعمل وسيطاً بين واشنطن وطهران بالفعل، فعندها فقط يمكن القول إن محادثات الوزيرين لافروف وعراقجي كانت تطوراً إيجابياً في العلاقات، لأنه وبمجرد انتهاء اجتماع الوزير الأمريكي روبيو مع الوزير الروسي لافروف، فقد تركزت المحادثات والحوارات والمناقشات عبر الإنترنت بين جميع الإيرانيين على سؤال واحد مفاده:
هل يمكن لروسيا الإتحادية أن تبيع إيران للحصول على صفقة مع الولايات المتحدة الأمريكية ؟
- وهنا يجيب المحلل السياسي الإيراني (عبد الرضا فراجيراد) نفسه على هذا السؤال من طهران قائلاً:
إن ما يغذي هذا الشعور والتخوف لدى الإيرانيين، هو تعليق (كيث كيلوج) نفسه، بصفته المبعوث الخاص للرئيس الأميركي (دونالد ترامب) إلى أوكرانيا وروسيا الإتحادية، حيث صرح المسؤول الأمريكي بتاريخ 15 فبراير 2025، إنه من المهم للغاية للولايات المتحدة الأمريكية، ورغم حوارها مع الكرملين الروسي حالياً، أن تمنع تحالفات روسيا الإتحادية مع كل من إيران والصين الشعبية وكوريا الشمالية من أن تترسخ أكثر فأكثر، إقليمياً و دولياً، وذلك لكي لا تحقق أهدافها الإقليمية والدولية.
- ويبرر المحلل السياسي الإيراني (عبد الرضا فراجيراد) هذا التصريح الأمريكي، بسبب أن الأمريكيين باتوا يعلمون جيداً أن طهران و موسكو أصبحتا أقرب بعد أن عززتا التعاون العسكري والأمني فيما بينهما، ولهذا وقع الجانبان في مطلع يناير 2025 على إتفاقية إستراتيجية مدتها عشرون عاماً لتعزيز العلاقات الإقتصادية والسياسية والعسكرية بين البلدين، خاصةً وأن إيران تعتمد كلياً على روسيا الإتحادية وجمهورية الصين الشعبية لحماية نفسها من العقوبات والقرارات المقدمة لمجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة.
- ويرفد هذه التحليلات، محلل خامس من إيران، هو الخبير السياسي والأمني الإيراني (سعيد مشكات) المحسوب على التيار الإيراني المتشدد، والذي يقدم تحليلاته لصحيفة (جمهوري إسلامي) المحافظة فيؤكد الخبير مشكات، أن أي إتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الإتحادية سوف يؤثر على طهران التي تتخوف كثيراً من تطور الوضع السياسي الإقليمي والدولي بعد ما حصل في سوريا وخسارتها لنفوذها هناك، ولهذا السبب أعرب الخبير الإيراني عن تشائمه من المحادثات (الروسية – الأمريكية) الحالية لأن أوكرانيا و إيران، ستصبحان في نهاية المطاف ورقتي مساومة في هذه المفاوضات المستقبلية.
- ولهذه الأسباب السياسية والأمنية والعسكرية مجتمعةً، يتحدث خبير سادس، هو المحلل السياسي الإيراني، (محسن ميلاني)، والمقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، فيقدم نصيحة لبلده الأم إيران قائلاً: يجب على طهران إعادة النظر في موقفها بشأن إجراء المحادثات المباشرة مع واشنطن، لأنه إذا لم تقم طهران بذلك، فإن موسكو ستتفاوض مع واشنطن، وستستعمل حقوق إيران من أجل تأمين مصالحها.
- وضمن هذه النقطة بالذات، يتحدث خبير سياسي سابع، هو المحلل الإيراني (حميد رضا عزيزي)، بصفته الزميل في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، فيؤكد على وجهة النظر السابقة، ويضيف عليها بأن القوة العسكرية باتت تعتبر عاملاً حاسماً في منظومة العلاقات الدولية الحالية، ولهذا السبب رأينا في عدة دول وأماكن في العالم، بأنه ليس من الغريب أن تستخدم القوى العظمى الدول الأصغر منها حجماً، كأدواتٍ رافعة لتأمين مصالحها الخاصة، وهو ما حدث حالياً في أوكرانيا من قبل الأمريكيين، ولربما قد يتكرر هذا أيضاً مرةً أخرى في إيران من قبل الروس، في حال أن الإيرانيين لم يستغلوا الفرصة المتاحة أمامهم حالياً بالتفاوض مباشرةً مع الأمريكيين، بدلاً من انتظار حرق ورقتهم على طاولة المفاوضات (الروسية – الأمريكية).
خاص وكالة رياليست – حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.