أظهرت وثيقة حكومية روسية أن السلطات السورية وافقت على منح روسيا أراضٍ إضافية في البر ومساحة من مياهها الإقليمية لكي يتسنى لها توسيع قاعدتها العسكرية الجوية في حميميم، ويتعلق الاتفاق، الذي وقعه ممثلون من البلدين في 21 يوليو/ تموز الماضي “2020” وأصبح سارياً في 30 يوليو/ تموز الماضي “2020”، بمنطقة برية وبحرية قرب محافظة اللاذقية شمال سوريا حيث توجد قاعدة حميميم الجوية التي تخضع لسيطرة روسيا، طبقاً لوكالة “رويترز” للأنباء.
وجاء في الوثيقة، أن الأراضي ستُستخدم في إقامة “مركز علاج طبي وإعادة تأهيل” لطاقم القوات الجوية الروسية، وأضافت أن الأراضي، التي تبلغ مساحتها ثمانية هكتارات في البر ومثلها في المياه الإقليمية، ستُمنح لروسيا بصفة مؤقتة وبدون تكلفة.
إن الوجود الروسي في سوريا، ليس حديث العهد، مع دخولها الحرب إلى جانب الدولة السورية في العام 2015، بل هو قديم من قبل تفكك الاتحاد السوفيتي، ولقد أولى الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، أهمية كبيرة لحفظ العلاقات الأكثر من جيدة مع الاتحاد السوفيتي، والتي سار على ذات النهج من بعده خلفه الرئيس بشار الأسد، في قطاعات كثيرة، أهمها القطاع العسكري سواء كان شراء أسلحة أو تدريب ضباط سوريين على الأراضي الروسية.
إنما الجزئية اللافتة اليوم، هي توسعة قاعدة حميميم، والتي إستقرت فيها القوات الروسية بموجب عقد مدته 49 عاماً، رأت فيه المعارضة السورية أنه إحتلال للأراضي السورية، إلى جانب توقيع عقد آخر يكفل بقاء البحرية الروسية أيضاً 49 عاماً في مرفأ طرطوس الإستراتيجي بالنسبة للبلدين.
إذ أن هذه التوسعة وظاهرها إقامة مركز طبي وإعادة تأهيل، في وقت تتعرض فيه القاعدة لهجمات لم تتوقف منذ سنوات بالطيران المسير القادم من إدلب السورية، من قبل هيئة تحرير الشام أو ما تعرف بتنظيم “جبهة النصرة” سابقاً، فلربما التوسع له علاقة ما بهذا الأمر، وهي بذات الوقت رسالة تبعث بها روسيا إلى تركيا، على مبدأ نحن باقون في سوريا ونتمدد، ووجودنا شرعي وبموجب إتفاقيات رسمية على عكس الوجود التركي غير الشرعي والذي هو بطبيعة الحال وفق القانون الدولي إسمه “إحتلال” و “تعدٍّ على سيادة دولة جارة”، فهذا التوسع حكماً له علاقة بتأمين القاعدة وتحصينها من الهجمات بالطائرات المسيرة، رغم أنه ولا طائرة إلى حد الآن حققت أياً من أهدافها، حتى وإن كانت إستطلاعية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن القوات الأمريكية أيضاً وصل طيرانها المسير إلى فوق القاعدة الجوية بضع مرات، لكن التحصينات المتخذة من الجانب الروسي كبيرة جداً، فالقاعدة تستطيع إستقبال رؤساء وعقد إجتماعات على أعلى المستويات، وهذا ما حدث فعلاً عندما زارها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زيارته الأخيرة، وأيضاً اجتماع الرئيس السوري بشار الأسد بالقيادات الروسية كإجتماعه مع وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو، ما يعني أن أمن وضمان سلامة الجنود الروس والمعدات العسكرية من طائرات وغيرها كلها تحت العين الروسية.
لكن، التوقيت على التوسعة هو ما يضع أهدافاً أخرى غير المذكورة بمحتوى الوثيقة الرسمية، إذ أن الإعلان عنها جاء بعد مقتل جنرال روسي بعبوة ناسفة على طريق دير الزور، شمال غرب سوريا، ما يعني أن ثمة تطورات لوجستية غير معلنة ستقوم بها روسيا في الأيام المقبلة، بعد أن صبرت كثيراً على تركيا، ومن هنا يأتي إهتمام الدولة الروسية بمنطقة الساحل السوري الإستراتيجية لوجود مرفأ طرطوس ومرفأ اللاذقية، ومطار في منطقة حميميم والذي تحول من مطار مدني إلى قاعدة عسكرية روسية، فضلاً عن قرب الموقع من الداخل السوري.
من هنا، إن هذه الوثيقة هي رسالة أيضاً متعددة التوجهات، فقد تكون للولايات المتحدة، بعد أن تبين أن مركز زرع العبوة الناسفة هو في المنطقة 55 التي تقع تحت سيطرة القوات الأمريكية وهي متصلة مع البادية السورية وقريبة من قاعدة التنف، التي يستخدمها تنظيم داعش منطلقاً لهجماته، فليس من وقت طويل، ان تم القبض على خلية إرهابية قادمة من تلك المنطقة، وتبين بعد التحقيق معها أنها بصدد جمع معلومات إستخباراتية عن المواقع الروسية والسورية والإيرانية.
فالتوسعة هي بداية لمرحلة قادمة سيُعلن عنها في القادم من الأيام.
فريق عمل “رياليست”.