من المقرر أن تعقد الولايات المتحدة والعراق مناقشات حول الحوار الاستراتيجي عبر تقنية “الفيديو كونفرنس”، وفقاً لاتفاقية الإطار الاستراتيجي لعام 2008 بين البلدين، ويتوقع أن تتم خلاله مناقشة موعد انسحاب القوات الأجنبية من البلاد، وستنعقد هذه المناقشات في السابع من أبريل/ نيسان المقبل، حيث ستغطي مختلف قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب، والاقتصاد والطاقة، والقضايا السياسية، والتعاون التربوي والثقافي، طبقاً لما نشره موقع “مكتب شؤون الشرق الأدنى“.
وما تنتظره الحكومة العراقية من هذا الحوار الاستراتيجي، هو قرار انسحاب القوات الأجنبية المقاتلة من البلاد وخاصة القوات الأمريكية.
ارتباط وثيق
إن عملية الانسحاب الأمريكي من العراق، عملية معقدة جداً، لأنه لا يمكن فصل الامتداد الجغرافي السوري عن العراقي، خاصة لمسألة التواجد الأمريكي بالنسبة للبلدين معاً، لأن الذريعة في الأساس هي ذاتها، أي محاربة تنظيم داعش، ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية الجديدة لا نية لها بالانسحاب لا من العراق أو سوريا وحتى أفغانستان، وبالنسبة للأخيرة، من المتوقع نسف كل جهود اتفاق الدوحة مع حركة طالبان، لتمديد البقاء لأسباب اقتصادية وسياسية، وأبعد ما تكون عن أسباب إرساء الأمن في أفغانستان.
بما يتعلق بالعراق، إن مسألة بقاء القوات الأمريكية أو قوات التحالف بطبيعة الحال مرتبطة بوجود تنظيم داعش خاصة على الشريط الحدودي العراقي – السوري، لكن وفقاً للتطورات الأخيرة في شرق الفرات، يتبين أن مسألة الانسحاب غير ممكنة إذا لم نقل مستحيلة، لجملةٍ من الأسباب، منها:
أولاً، هناك معلومات تتحدث عن تدريب القوات الأمريكية لعناصر من تنظيم داعش في قاعدة الشدادي بريف الحسكة، وهذا يعني أن دور التنظيم في مرحلته الجديدة قد بدأ، ولا يمكن إعلان نهايته في هذه المرحلة على الأقل.
ثانياً، اقتحم الجيش الأمريكي مدفوعاً بعشرة آلاف مقتل على اقتحام مخيم الهول بريف الحسكة والواقع تحت سيطرته وتنظيم قسد مؤخراً، لمقتل خلايا القوات الأمريكية داخل المخيم، ما يعني أن هناك غاية مسبقة لدور النازحين في هذا المخيم خاصة وأن نسبة كبيرة من العراقيين موجودة فيه.
ثالثاً، من البوابة الإنسانية، تستعد الولايات المتحدة بخطوة تصعيدية جديدة خلال اجتماع ترأسه وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن في مجلس الأمن الدولي حول تمديد وتوسيع آلية تقديم المساعدة لسوريا عبر الحدود الواقعة تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية المسلحة، وهذه المعابر سبق وأن كانت مسلكاً لعبور الجهاديين وخروجهم منذ العام 2014 وما بعده.
رابعاً، خرجت معلومات تتحدث عن تمويل بريطاني لتوسعة سجن الصناعة المركزي في حي غويران بريف الحسكة والذي يضم سجناء داعش، وهذا يعني تحويله إلى مركز تدريب داخلي، إضافة إلى إخراج سكان مناطق حي غويران من قبل قسد بالقوة خاصة أولئك الذين يقطنون على مقربة منه، ما يعني أن مخطط جديد من بطولة داعش قيد التجهيز.
هذه العوامل هي حديثة العهد سيتم من خلال تدعيمها، الاستثمار فيها، من خلال قدرة واشنطن إدخال وإخراج من تريد من سوريا إلى العراق وبالعكس عبر كردستان العراق، ما يعني أن الوضع السوري والعراقي وضع متشابك لا يمكن فصلهما خاصة بما يتعلق بسياسة واشنطن تجاههما.
إنسحاب محدود
في اللقاء المرتقب، ستتم مناقشة مسألة الانسحاب، وربطاً مع ما ورد أعلاه، مسألة الانسحاب لن تتحقق، وإن تحققت ستكون لجزء من القوات الموجودة، وحتى يحين موعد الانسحاب المفترض، سيكون هناك سيناريو داعشي جديد قد بدأ فعلاً، بعد أن أعلن التنظيم تحويل منطقة الهول التي يقع فيها مخيم النازحين وجلهم من داعش وعائلاته، إلى ولاية جديدة له بعد خسارته للرقة السورية والموصل العراقية، وبمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية.
وبالتالي، إن القضاء على تنظيم داعش يسقط ذريعة بقاء القوات الأمريكية في المنطقة، ليكون داعش حاجة استراتيجية لواشنطن، وليس العكس، وتكمن الغاية الأمريكية من البقاء قطع الطريق أمام إيران للاستئثار بالعراق، إلى جانب تقويض الصين، التي كان من الممكن أن يكون لها مستقبل في هذا البلد، خاصة في مرحلة رئاسة عادل عبد المهدي للحكومة العراقية، إذ لا يمكن أن تسمح واشنطن لخصومها بأخذ مكانها حتى لو كررت سيناريو العام 2003.
أخيراً، إن الانسحاب الأمريكي لن يتحقق، والتواجد الأمريكي ثابت وبقوة في سوريا والعراق، حتى لو خرج العراق كله يطالب برحيلهم، لن يحدث ذلك، خاصة وأن سياسية بايدن واضحة في هذا الخصوص منذ ان كان نائباً للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، باختصار إنه عرّاب التقسيم والفدرلة في المنطقة.
فريق عمل “رياليست”.