موسكو – (رياليست عربي): قام الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ بجولة في منطقة القوقاز، وفي باكو التقى بالرئيس إلهام علييف، وفي تبليسي تحدث مع القيادة الجورجية، وفي يريفان أجرى محادثات مع رئيس الوزراء نيكول باشينيان، ويرى الخبراء أن الزيارة مهمة، ويقولون إن الحلف يتحرك لتوسيع مناطق نفوذه على الحدود الجنوبية لروسيا.
بدأت الزيارة في أذربيجان، وتلتزم هذه الجمهورية بحالة عدم الانحياز ولم تعلن قط عن رغبتها في التقرب من حلف شمال الأطلسي، وفي الوقت نفسه، تعد باكو أقرب حليف لتركيا العضو في الحلف، ويعمل الطرفان بنشاط على تطوير التعاون العسكري التقني، في الآونة الأخيرة، تدهورت علاقات أذربيجان مع بعض أعضاء الناتو الآخرين بشكل ملحوظ، وخاصة مع فرنسا، التي دعمت أرمينيا علناً.
وبناء على ذلك، حاول ستولتنبرغ خلال زيارته تخفيف الحواف الخشنة، ولم يبخل بالمجاملات لهذا الغرض، وذكر على وجه الخصوص أن أذربيجان تلعب دورًا مهمًا في ضمان أمن الطاقة لحلف شمال الأطلسي من خلال توفير الغاز لستة دول في الحلف، بالإضافة إلى ذلك، أشاد بباكو لمساعدتها في حل مشاكل المناخ على كوكب الأرض، مذكرا بأن الجمهورية ستستضيف في نوفمبر مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP29. وأخيرا شكر أذربيجان على مشاركتها في مهمات الناتو في كوسوفو وأفغانستان.
وكان الهدف الآخر لستولتنبرغ هو الإعلان عن منصات التفاوض الغربية، حيث يمكن لأذربيجان وأرمينيا، تحت إشراف واشنطن أو بروكسل، إبرام معاهدة سلام، “أنتم أقرب من أي وقت مضى إلى إبرام اتفاق سلام. لا يسعني إلا أن أشجعك على الاستفادة من هذه الفرصة. وأضاف أن السلام في المنطقة مهم للغاية ليس فقط لشعوب ودول المنطقة، ولكن أيضاً لأمن شمال الأطلسي. بدوره، قال الرئيس علييف إن يريفان وباكو “قريبتان بالفعل من تحقيق انفراجة”.
ثم انتقل ستولتنبرغ إلى جورجيا، وتتفاعل هذه الجمهورية بشكل وثيق مع التحالف، حيث تسعى تبليسي رسمياً إلى الانضمام إلى الكتلة العسكرية، والهدف المقابل منصوص عليه في دستور البلاد، وبالعودة إلى عام 2007، توجهت القيادة الجورجية إلى حلف شمال الأطلسي بطلب الانضمام، ثم قال التحالف إن هذا سيحدث بالتأكيد في يوم من الأيام، لكن حتى الآن لم يتم تحديد تواريخ محددة.
وبناء على ذلك، حاول ستولتنبرغ بث التفاؤل في نفوس القادة الجورجيين خلال زيارته، ووفقا له، فإن الجمهورية هي واحدة من أقرب شركاء التحالف، سنسير يداً بيد في اتجاه حلف شمال الأطلسي، وقبل بضعة أيام، زارت فرقاطة عسكرية تركية باتومي واجتمعت مع الشركاء الجورجيين، هذا مثال على كيفية تعاوننا وتقاسم الفرص وتعزيز الإمكانات”، لكنه لم يذكر أي تواريخ محددة.
في الوقت نفسه، لم يخف الأمين العام لحلف الناتو حقيقة أن الحلف يتوقع مشاركة أكثر نشاطاً من جورجيا في الصراع الأوكراني، وقال : “أرحب بإيواء آلاف اللاجئين الأوكرانيين في جورجيا وبالمساعدات الإنسانية التي تقدمها تبليسي لأوكرانيا، لكن يجب بذل المزيد من الجهود لوقف روسيا”، وبالإضافة إلى ذلك، ذكّر ستولتنبرغ جمهورية ما وراء القوقاز بأنها تعاني من “الطموحات الإمبراطورية” لروسيا، ووفقا له، فإن أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية جزء من الدولة الجورجية.
بعد جورجيا، ذهب ستولتنبرغ إلى يريفان، وتم التركيز بشكل خاص على هذا الجزء من الجولة، والحقيقة هي أنه في الأشهر الأخيرة تدهورت العلاقات بين أرمينيا وروسيا بشكل حاد، كما أفاد رئيس الوزراء نيكول باشينيان أن الجمهورية جمدت مشاركتها في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وطلب مجلس الأمن الأرميني سحب حرس الحدود الروسي من مطار زفارتنوتس، وصرح وزير الخارجية الأرميني أرارات ميرزويان أن السلطات تفكر في انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي، كما نشأت صعوبات مع استخدام بطاقات نظام الدفع الروسي “مير” في أرمينيا.
وفي مثل هذه الظروف، أشاد ستولتنبرغ بيريفان كثيراً، بما في ذلك الترحيب بـ “تضامن أرمينيا مع أوكرانيا”، بدوره، أعلن باشينيان استعداده لتوسيع الحوار مع الناتو ودول الحلف منفردة، ووعد رئيس الوزراء الأرميني بأن مثل هذا الناقل لن يضر بدول المنطقة، وقال: “إن علاقاتنا الخاصة مع جورجيا وإيران مهمة للغاية؛ ولا يمكن لأي تعاون بيننا أن يوجه ضد منطقتنا”، وأشار مراقبون إلى أن الزعيم الأرمني لم يذكر روسيا في هذا السياق.
بالإضافة إلى ذلك، اشتكى باشينيان إلى الأمين العام لحلف الناتو من صعوبة العلاقات مع أذربيجان، وقال، على وجه الخصوص، إنه اقترح على باكو عكس انسحاب القوات من الحدود، وفرض السيطرة على الأسلحة والتوقيع على اتفاقية عدم الاعتداء، لكنه لم يتلق ردا إيجابيا، ومن المعروف أيضاً أن أذربيجان تطالب يريفان بإعادة القرى الأربع “المحتلة” الواقعة على خط التماس، وفي مثل هذه الظروف، صرح ستولتنبرغ أن الناتو يدعم سيادة أرمينيا وسلامتها الإقليمية، ومع ذلك، لم يعد بتقديم أي مساعدة عملية.
أما بالنسبة للموقف الروسي، قال الكرملين، إن دول القوقاز لها حق سيادي في اتصالات السياسة الخارجية، إن التطلعات العامة لحلف شمال الأطلسي لتعزيز وجوده في القوقاز معروفة لنا جيداً، وكما يقولون، مرئية بالعين المجردة، وشدد الكرملين على أن هناك أيضاً فهم بأن محاولات الناتو لتوسيع نفوذه ووجوده بطريقة أو بأخرى من غير المرجح أن تضيف الاستقرار في القوقاز.
ويمكن الاستنتاج من ذلك، أن على قيادة جمهوريات ما وراء القوقاز يجب أن تكون حذرة للغاية في بناء العلاقات مع الناتو، فمن ناحية، خلال الصراع في أوكرانيا، انهارت فكرة القدرة المطلقة للتحالف، كما تبين أن استراتيجية الكتلة العسكرية وتكتيكاتها وأسلحتها بها عيوب خطيرة، ومن ناحية أخرى، فإن الساسة الغربيين غير مهتمين بالاستقرار في المنطقة، حيث من المفيد لهم إشعال النار في نوع من الصراع الدموي حتى يظهر نظيرهم لأوكرانيا على الأراضي الواقعة بين روسيا وإيران، ومن الواضح أن هذا ليس في مصلحة شعوب القوقاز على الإطلاق.