موسكو – (رياليست عربي): بعد أن انتهى اجتماع الأسبوع الماضي في الرياض بين المسؤولين الروس والأمريكيين بشأن تحقيق وقف جزئي لإطلاق النار في أوكرانيا، حيث استمر اللقاء لمدة 12 ساعة من المفاوضات في المملكة العربية السعودية حسبما ذكرت وسائل الإعلام الروسية الرسمية، والتي نقلت عن الوفد الأمريكي تأكيده للصحفيين بعد انتهاء المحادثات، بأنهم سعوا لتجسيد رؤية الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) بشأن إنهاء الحرب الحالية المستمرة منذ 3 سنوات وبسرعة، حيث كان المفاوضون الأمريكيون يأملون بأن تمهد الجولة الأخيرة من المحادثات الطريق، لتحقيق اختراق في مفاوضات السلام المتوقفة حالياً بين روسيا الإتحادية وأوكرانيا:
- أكد مسؤولون أمريكيون أن (كيريل دميترييف)، وهو المبعوث الرئاسي الروسي للرئيس (فلاديمير بوتين) لشؤون الإستثمار، قد التقى مع مسؤولين أمريكيين في واشنطن مساء الأربعاء 2 أبريل نيسان 2025، في الوقت الذي تدرس فيه إدارة الرئيس (دونالد ترامب) إمكانية إعادة التعامل التجاري مع موسكو، حتى مع استمرار روسيا الإتحادية في عملياتها العسكرية ضدَّ أوكرانيا ورفضها وقف إطلاق النار، علماً بأن المبعوث الرئاسي الروسي (كيريل دميترييف) نفسه، ما زال يخضع للعقوبات الغربية الأمريكية المفروضة بحق العديد من المسؤولين الروس، مما اضطر الولايات المتحدة الأمريكية إلى تعليق تلك العقوبات بالأمس، ليتمكن الأخير من القيام بزيارته المهنية إلى العاصمة الأمريكية واشنطن.
- وبهذا الشكل بات (دميتري دميترييف) هو أعلى مسؤول روسي رتبةً يسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في مهمة رسمية منذ أن بدأت روسيا الإتحادية بالعملية العسكرية الشاملة عام 2022، ولم يتضح ما ناقشه المسؤولون الأمريكيون مع الضيف الروسي الذي تربطه علاقات وثيقة بفريق ترامب، تعود إلى انتخابات العام 2016، بعد أن كشف تحقيق (مولر) عن تدخل روسي شامل ومنهجي لصالح ترامب.
- كما أن إدارة الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) لم تدرج روسيا الإتحادية ضمن القائمة الموسعة للدول التي ستواجه رسوماً جمركية جديدة باهظة الثمن، بينما فرضت على أوكرانيا ضريبة بنسبة 10%، وفقاً للبيان الصحفي الذي أصدره البيت الأبيض الأمريكي، علماً بأن بأن وزير الخزانة الأمريكي، السيد (سكوت بيسنت) قد أكد لشبكة (بلومبرغ) التلفزيونية مساء أمس الأربعاء أن فريقاً سياسياً وإقتصادياً من أوكرانيا قد يصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية نهاية هذا الأسبوع أو بداية الأسبوع المقبل.
- إلى ذلك الأمر، وعلى الصعيد الأمني والعسكري: أدى هجوم صاروخي روسي باليستي إلى مقتل أربعة أشخاص على الأقل وإصابة 14 آخرين في منطقة (كريفي ريغ)، وهي المنطقة التي تعتبر مسقط رأس الرئيس الأوكراني (فولوديمير زيلينسكي). وقد صرح رئيس الإدارة العسكرية هناك (أوليكساندر فيكول) بأن روسيا الإتحادية قد هاجمت البنية التحتية المدنية هناك (على حدِّ اتهامه)، مما أدى إلى اندلاع حريق هائل، وتمَّ إطلاق عملية إنقاذ بعد ذلك الهجوم، فيما ذكر (إيفان فيديروف)، وهو رئيس الإدارة العسكرية في منطقة (زابوروجيه) بأن غارة روسية قد تسببت بمصرع عدد من المواطنين الأوكرانيين هناك (على حدِّ اتهامه).
- أما هيئة الأركان العامة الأوكرانية فقد اتهمت القوات الروسية بأنها أطلقت وابلاً من 17 طائرة مسيرة من طراز (شاهد) على مدينة خاركيف ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، مما أدى إلى اندلاع عدة حرائق في المدينة، وهو الأمر الذي أكده (أوليغ سينييهوبوف) الحاكم الإقليمي لمدينة (خاركيف)، والذي أفاد بإصابة خمسة أشخاص في الهجوم الروسي بالطائرات المسيرة على تلك المنطقة، كما أفاد سينييهوبوف بغارة جوية على بلدة (ديرهاتشي) الواقعة شمال غرب مدينة (خاركيف)، حيث أسفرت تلك الهجمات عن إصابة شخص واحد، واندلاع حريق في (تشيركاسكا لوزوفا) الواقعة إلى جانب مدينة (خاركيف).
- وتأتي هذه التطورات بعد أن تعهدت دول حلف الناتو بتقديم أكثر من 20 مليار يورو، وذلك في سياق الدعم العسكري الغربي المقدم لأوكرانيا، حيث أكد الأمين العام لحلف الناتو (مارك روته) هذا القرار مساء أمس الأربعاء، قبل أن يجتمع اليوم الخميس 3 أبريل نيسان 2025 مع وزراء خارجية دول الحلف في بروكسل لمناقشة تقديم المزيد من الدعم لأوكرانيا.
- كما سيكون من المقرر أيضاً أن يصل إلى هذا الإجتماع وزير الخارجية الأمريكي (ماركو روبيو) لإجراء محادثات برفقة (مات ويتاكر)، والذي تمَّ تعيينه مؤخراً في منصب السفير الأمريكي الجديد لواشنطن لدى حلف الناتو. وذلك بالتزامن مع تبادل كل من روسيا الإتحادية وأوكرانيا الإتهامات بشن تجدد الهجمات من جديد على منشآت الطاقة الخاصة بكل منهما، منتهكين بذلك الوقف المؤقت لإطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من عدم وجود إتفاق رسمي قائم بهذا الشأن.
- ولهذا السبب، فقد ظهرت تفاصيل جديدة حول العقوبات الثانوية التي يعتزم بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي أن يفرضونها على الدول الصديقة لروسيا الإتحادية، إذا استمرت موسكو في عرقلة مفاوضات السلام الجارية حالياً في المملكة العربية السعودية. حيث اقترحت مجموعة نيابية مؤلفة من 50 عضواً جمهورياً وديمقراطياً في مجلس الشيوخ فرض رسوم جمركية بنسبة 500% على الواردات من الدول التي تشتري الوقود واليورانيوم من روسيا الإتحادية، لأن إدارة الرئيس الحالي (دونالد ترامب) لم تفِ حتى الآن بوعد الرئيس ترامب بالتوسط من أجل وقف إطلاق النار بين روسيا الإتحادية وأوكرانيا في غضون 24 ساعة فقط، حتى بعد أن عرضت أوكرانيا وقفاً عاماً، وغير مشروط لإطلاق النار في الحرب لمدة 30 يوماً، وهو ما رفضته موسكو.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- تحدث العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف تطورات الحرب (الروسية – الأوكرانية) وتأثيرها على الأوضاع الأمنية والعسكرية واللوجيستية ليس فقط في بلدي طرفي النزاع، وإنما تأثيرها على الصعيدين الإقليمي والدولي أيضاً، أن روسيا الإتحادية لا تستطيع حالياً على ما يبدو، وليست فقط لا تريد، قبول مقترح إدارة الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) بوقف إطلاق النار ضمن الحرب المستمرة حالياً في أوكرانيا .
- وقد أكد الخبير الروسي المتخصص بشؤون العلاقات (الروسية – الأمريكية) الخبير (سيرجي ريابكوف)، والذي يشغل منصب نائب وزير الخارجية الروسي، أن النماذج والحلول التي اقترحها الأمريكيون قد أخذت على محمل الجد لدى الجانب الروسي، لكن قادة الكرملين لا يستطيعون قبولها كلها بشكلها الحالي، لأن هذه المقترحات الأمريكية لا تُعالج المخاوف الروسية بشأن أسباب الحرب الحقيقية التي بدأتها روسيا الإتحادية منذ زمن بعيد، أي ليس عندما بدأت العملية العسكرية بتاريخ 22 فبراير 2025، وإنما عندما استعادت روسيا الإتحادية شبه جزيرة القرم في العام 2014.
- وقد جاء هذا التوضيح الروسي الهام للغاية، والذي اعتبر بمثابة (بيان رسمي) مباشرةً بعد أن صرح الرئيس (دونالد ترامب) نهاية الأسبوع بأنه (منزعج للغاية) من فخامة الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين ) وهو الأمر الذي دفع واشنطن على ما يبدو لطرح فكرة تشديد العقوبات ضدَّ واردات النفط الروسية وطرح عقوبات على كافة الشركات والدول التي ما زالت تتعامل مع روسيا الإتحادية في هذا المجال.
- فيما يعتقد خبير روسي آخر، هو الخبير والمحلل الروسي، ونائب رئيس الأكاديمية الدبلوماسية الروسية في العاصمة موسكو (أوليغ كاربوفيتش) أن الكرملين الروسي بات متيقناً بما لا يدعو للشك حتى، بأن أوروبا ستسعى بشتى الوسائل إلى إطالة أمد الصراع الأوكراني، خاصةً بعد أن انعقدت في العاصمة الإسبانية مدريد القمة الأوروبية لما يسمى بالدول الخمسة الكبار والتي كانت مخصصة لدعم أوكرانيا. حيث أصدر المشاركون فيها بياناً ختامياً أكدوا فيه استعدادهم التام لمواصلة مسيرة الحرب حتى آخر أوكراني، ولضمان أن هذا كله ليس مجرد كلام فارغ، فقد صاغ ممثلو الدول الخمسة الكبار مطالب ومبادرات صارمة، تقتضي توفير ضمانات أمنية لأوكرانيا في أقرب وقتٍ ممكن، كما أعلن المشاركون في القمة عن استعداد بلدانهم للعب دور قيادي في هذه المسألة، بدون أن يشرح أي أحدٍ منهم ما هو هذا الدور. بالإضافة إلى ذلك، فقد أعلن الأوروبيون بأنهم لن يقبلوا بأي إتفاقٍ من شأنه أن يقلل من قدرات أوكرانيا العسكرية، أو يمنع نشر قوات برية أجنبية فوق أراضيها.
- ويضيف الخبير الروسي (أوليغ كاربوفيتش) أن الجبهة العالمية تتجه حالياً إلى هجوم مضاد، حيث يعمل قادة المعسكر المناهض لروسيا الإتحادية، من أجل تغيير سياسات الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) في محاولةٍ منهم لاستفزازه لشن هجمات ضد روسيا الإتحادية، ولذلك نرى كيف أن الأحزاب السياسية الأوروبية من الذين يعتبرون أنفسهم بأنهم من (أنصار للتسوية السلمية في الحرب الأوكرانية الحالية)، باتوا يتعرضون للإضطهاد داخل جميع الدول الأوروبية، لأن النظام الأوكراني ما زال يتواصل مع قادة دولهم، من أجل تكثيف درجات القمع وزيادة درجة الهستيريا المعادية لروسيا الإتحادية في تلك الدول.
- ويختم الخبير الروسي (أوليغ كاربوفيتش) بأنه وحتى لو أن فكرة محادثات السلام لم تتحقق كما يرغب الأمريكيون بسبب التعنت الأوكراني، فإن نجاحات الجيش الروسي المقبلة في ساحات المعارك والقتال، ستجبر الغرب سريعاً على العودة إلى هذه القضية، مع الأخذ بعين الإعتبار لطبيعة الحال ولوضع الحقائق العسكرية المتغيرة على الأرض، حيث ستكون الشروط الروسية التي سيضعها الكرملين الروسي بحلول ذلك الوقت، أكثر قسوة بكثير من الآن، خاصةً فيما يتعلق بفكرة تطبيق خيار الإدارة الخارجية لأوكرانيا على خلفية مثل هذه الإحتمالات، إذ ستكون الخيارات السلمية لوقف الحرب والتي ستطرحها موسكو أمام معارضي التسوية الحاليين في كييف وغيرها من عواصم دول حلف (الناتو) صعبة للغاية، إلى درجة أن السيناريوهات الحالية التي طرحت حتى الآن، ورغم سلبياتها وإيجابياتها، إلا أنها ستبدو لطيفة للغاية مقارنة بما ينتظر كييف ورعاتها وقادة نظامها الحالي.
خاص وكالة رياليست – حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.