أربيل – (رياليست عربي): يشهد العراق منذ سنوات صراعًا متجددًا بين بغداد وإقليم كردستان حول توزيع السلطة والموارد، وهو صراع يعكس تحديات الدولة العراقية في تحقيق توازن عادل بين مكوناتها المتعددة. هذا التوتر يتجلى بوضوح في العلاقة المعقدة بين الحكومة الفدرالية وإقليم كردستان، حيث تتصادم المصالح السياسية والاقتصادية بشكل مستمر.
في هذا السياق، اشتدت وسائل الإعلام الكردستانية في تصعيد لهجتها تجاه سياسات حكومة بغداد في الآونة الأخيرة، مما يعكس حالة الغضب لدى الإقليم من سياسات بغداد. هذا التصعيد الإعلامي يمثل قرارًا من الإقليم بمواجهة الضغوط القادمة من بغداد باستخدام مختلف المنابر للمطالبة بالحقوق المشروعة، وسط أزمات متفاقمة تتعلق بالتمويل، الموارد الطبيعية، والنفط، مما يعمّق الهوة بين الطرفين.
تأثير السياسات على حياة المواطنين
انعكست هذه الأزمات على الحياة اليومية لسكان إقليم كردستان بشكل مباشر. تأخر دفع رواتب الموظفين لعدة أشهر ترك العديد من الأسر دون مصدر دخل ثابت، مما زاد من الأعباء المعيشية وأدى إلى ارتفاع معدلات الفقر في بعض المناطق. بالإضافة إلى ذلك، تأثرت الخدمات العامة بشكل كبير نتيجة نقص التمويل، حيث تعاني قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية من تدهور مستمر. هذه الأوضاع خلقت حالة من الاستياء الشعبي، ليس فقط تجاه بغداد، بل أيضًا تجاه القيادات المحلية التي فشلت في التوصل إلى حلول جذرية تُخفف من معاناة المواطنين.
جذور الأزمة المالية
_خفض الحصة من الموازنة: تتهم حكومة إقليم كردستان بغداد بعدم منحها حصتها الكاملة من موازنة الدولة، بالإضافة إلى التأخير في تمويل رواتب موظفي الإقليم. ولحل هذا الموضوع، يمكن تشكيل لجنة مشتركة من الطرفين بإشراف الأمم المتحدة لضمان التزام بغداد بتوزيع الموازنة بشكل عادل وفق الدستور.
_توقف تصدير النفط: زادت تعقيدات العلاقة بعد توقف تصدير النفط المنتج (٤٨٠ ألف برميل يوميًا) في الإقليم بناءً على دعوى من هيئة التحكيم في غرفة التجارة الدولية في باريس يوم ٢٥ آذار ٢٠٢٣، والتي أقامتها الحكومة العراقية في باريس عام ٢٠١٤. استعانت بغداد بمكاتب قانونية دولية لإثبات عدم قانونية العقود التي أبرمها الإقليم مع شركات نفطية أجنبية دون موافقة المركز، مما تسبب بخسائر مالية ضخمة للإقليم بواقع ٣٣ مليون دولار يوميًا، باحتساب معدل سعر البرميل الواحد عند ٧٠دولارًا. القرار أدى إلى شلل في عمليات تصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي، وهو مصدر رئيسي لعائدات الإقليم.
_سرقة القرنفي العراق باختلاس مبلغ٣،٧ تريليون دينار عراقي، ما يعادل نحو٢،٥مليار دولار، من أموال الأمانات الضريبية. تم سحب هذه الأموال بين سبتمبر ٢٠٢١وأغسطس ٢٠٢٢عبر ٢٧٦صكًا ماليًا، حُررت لصالح خمس شركات قامت بصرفها نقدًا. المتهم الرئيسي هو رجل الأعمال نور زهير، الذي يُحاكم بتهم فساد أخرى. تُظهر هذه القضية تساهلًا كبيرًا في التعامل مع مليارات الدولارات لصالح جهات معينة، بينما تواجه مستحقات كردستان قيودًا مشددة. على سبيل المثال، في المرحلة التي تم فيها تأخير رواتب موظفي الإقليم لشهر كانون الأول ٢٠٢٣، تم التبرع بـ ٣٢٠ ألف طن من الحنطة إلى لبنان، و٢٠ مليون لتر من الوقود إلى غزة، و٢٠٠ مليون دولار لشراء أسلحة لليمن، ومليون دولار لرواتب الأجانب. إذا كان العراق لكل العراقيين، لكان الأولى أن تُخصص هذه الأموال لدعم المهاجرين الکرد في روجافا، بعيدًا عن التجاذبات السياسية.
قضايا الأراضي والنزاعات المحلية
- الاستيلاء على أراضي الفلاحين الأكراد: يشكو سكان كردستان من استيلاء عشائر عربية على أراضٍ في كركوك والموصل، وفق المادة ١٤٠ من الدستور العراقي، مع غياب تطبيق القانون. تأجيل تنفيذ المادة ١٤٠ يعكس غياب إرادة سياسية واضحة ويزيد من التوترات بين المكونات.
- النفوذ السياسي والعسكري: الهيمنة التي يمارسها الحشد الشعبي على المشهد السياسي ساهمت في زيادة تعقيد العلاقات بين بغداد وأربيل، خاصة في ظل استبعاد القيادات الكردية من معسكر الولاء لإيران.
العلاقة مع حكومة محمد شياع السوداني
رغم استمرار التنسيق بين إقليم كردستان وحكومة محمد السوداني، إلا أن المشاركة الكردية في القرارات السياسية ما زالت شكلية وغير فعّالة. تقف وراء الضغوط قوى سياسية مرتبطة بالحشد الشعبي، مما يزيد من الفجوة بين الطرفين.
الطريق إلى الأمام
- الحوار السياسي: يجب على الأطراف المعنية تعزيز الحوار السياسي لمعالجة قضايا التمويل والموارد بشكل عادل.
- تطبيق القانون: إنهاء النزاعات على الأراضي يتطلب تدخلًا قانونيًا حاسمًا لمنع أي استيلاء غير مشروع.
- الدعم الدولي: يمكن أن يلعب المجتمع الدولي دورًا في تقريب وجهات النظر بين بغداد وأربيل.
خاتمة
بين ضغوط الحكومة المركزية ومطالب إقليم كردستان، يبقى مستقبل العلاقة بين الطرفين معلقًا على مدى استعداد بغداد لتقديم حلول عادلة ومتوازنة، بعيدًا عن التمييز أو الإقصاء. في المقابل، على الإقليم أن يستثمر أوراقه بحكمة لتحقيق مكاسب ملموسة دون تعريض استقراره الداخلي للخطر.
تشكل الأزمات الحالية اختبارًا كبيرًا لقدرة إقليم كردستان على مواجهة الضغوط من بغداد، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية. يتطلب الوضع الحالي وحدة الصف الكردي وتفعيل آليات التفاوض مع بغداد لضمان الحقوق المشروعة وتحقيق الاستقرار. التاريخ السياسي للعراق يثبت أن الحوار بين الأطراف هو السبيل الأمثل لتجنب الصراعات وضمان الاستقرار.
خاص وكالة رياليست – کاوە نادر قادر – باحث ومحلل سياسي – كردستان.