القاهرة – (رياليست عربي): الحرب الإيرانية العراقية.. إعدام رئيس وحدة الحركات التحريرية بالحرس الثوري.. الإطاحة بنائب المرشد الإيراني.. دعم متمردي الكونترا في نيكاراجوا.. جميعها أحداث قد تبدو للقارئ ذات أهداف متباينة، لكن في حقيقة الأمر تجمعها في بَوتَقة واحدة قضية “إيران – كونترا”، وهي ترتبط بدورها بالعلاقة السرية بين إيران وأمريكا عقب الثورة الإيرانية.
وتعد قضية “إيران – كونترا” إحدى أوجه التعاون السري بين حكومة الخُميني والإدارة الأمريكية عقب الثورة الإيرانية مباشرة، وتكشف طبيعة العلاقات الإيرانية الأمريكية التي يمكن وصفها بالصداقة الخفية والعداء الظاهري. وإيران – كونترا هي صفقة بيع أسلحة أُبرمت بين الطرفين؛ بموجبها حصلت طهران على صواريخ أمريكية إبان حربها مع العراق في مقابل وساطتها لدى حزب الله اللُبناني الموالي لها كي يطلق سراح 7 رهائن أمريكيين قام الحزب باختطافهم في بيروت. وهذه القضية ترتبط بقضية أخرى هي إعدام “مهدي هاشمي” رئيس وحدة الحركات التحريرية بالحرس الثوري وشقيق صهر “حسين منتظري” نائب المرشد الأعلى للثورة، وكلاهما قد أطاح بهما أعوان الخميني بعد أن أفشى الأول صفقة إيران – كونترا على الملأ، وعارض الثاني سياسات الخميني بصورة حادة، حيث يطلق النظام الإيراني في خطابه السياسي والإعلامي على هاشمي ومنتظري ومؤيديهما اسم “عصابة مهدي هاشمي”. وبين هاتين القضيتين نرى وجهًا آخر لدولة تصدح منذ ما يزيد عن 40 عامًا: “لا شرقية ولا غربية.. جمهورية إسلامية”،وهي في حقيقة الأمر حبت وشبت في الأحضان الأمريكية.

أولاً: عصابة مهدي هاشمي
يُشير مصطلح “عصابة مهدي هاشمي” في خطاب الحكومة الإيرانية ووسائلها الإعلامية إلى طرفين؛ أولهما “الطرف الجنائي”، ويُقصد به المتورطون في قضية مهدي هاشمي، وثانيهما “الطرف المعارض”، ويُقصد به مؤيدو المرجع الشيعي حسين عليّ منتظري نائب الخميني المرشد الأعلى للثورة، وكلا الطرفان يرتبطان معًا بشكل وثيق باعتبار أن هاشمي شقيق صهر منتظري.
وعلى الرغم من أن هاشمي ومنتظري كانا من أنصار الخميني ورجالات الثورة الأوائل، إلا أن أُطيح بهما نظرًا لما شكلاه من تهديد على النظام الإيراني آنذاك كما سنرى خلال الأحداث التالية.
ولد مهدي هاشمي عام 1944 بمدينة “قَهدِريجان” الواقعة في مقاطعة فلافرجان (فلاوَرجان) بمحافظة إصفهان، وهو ينحدر من أسرة دينية عريقة، فأبوه “محمد هاشمي” أحد كبار علماء الدين في الحوزة العلمية بإصفهان، وأمه “طوبي فقيه إيماني” ابنة عبد الحسين فقيه إيماني من كبار علماء الدين بالمحافظة أيضًا. تلقى هاشمي تعاليمه الدينية لدى والده وسائر علماء الدين بالحوزة العلمية في كل من إصفهان وقُم.
كان هاشمي منذ نشأته مؤمنًا بالخميني، ويروج لأفكاره وآرائه وتوجهاته السياسية، ويوزع خطبه وصوره في الحوزة العلمية بإصفهان وسائر أنحاء المحافظة، وخلال ذلك الوقت تعرف على “محمد منتظري” النجل الأكبر لحسين منتظري، وتعاون معه في النشاط الثوري ضد حكومة الشاه محمد بهلوي، وقد أسفر هذا التعارف عن تقرب هاشمي إلى أسرة منتظري بشكل كبير، وكُلل هذا التقارب بزواج شقيقه هادي من ابنة حسين منتظري. وبسبب نشاط هاشمي السياسي، اُعتقل على يد “منظمة المخابرات والأمن القومي الإيرانية (سازمان اطلاعات و امنيت كشور)” المعروف اختصارًا باسم “السافاك (الساواك)” أكثر من مرة، كان أخرها عام 1976 أي قبل 3 سنوات من اندلاع الثورة الإيرانية في عام 1979، حيث اُتهم هو وعدد من الأشخاص بالتورط في اغتيال رجل الدين المعارض للثورة “أبي الحسن شمس آبادي”، وقضت محكمة إصفهان بإعدامهم، لكن المحكمة العُليا الإيرانية أبطلت الحُكم، ولما تزامن هذا الأمر مع اندلاع الثورة، أُطلق سراح هاشمي مع أقرانه المتهمين في قضايا سياسية إبان حُكم الشاه.

عقب الثورة، أصبح هاشمي عضوًا في مجلس قيادة الحرس الثوري بإمر من “محسن رضائي” القائد العام للحرس آنذاك، كما تقلد منصبي رئيس وحدة العلاقات العامة، ورئيس “وحدة الحركات التحريرية (واحد نهضتهای آزادیبخش)” خلفًا لمحمد منتظري بعد أن لقي مصرعه في تفجير مقر “حزب الجمهورية الإسلامية” على يد “منظمة مجاهدي الشعب (سازمان مجاهدين خلق)” عام 1981. وكان محمد منتظري قد شكل هذه الوحدة في سبيل تصدير الثورة “الإسلامية” ودعم الحركات التحريرية والثورية في العالم الإسلامي. وقد ظل هاشمي يترأس وحدة الحركات التحريرية إلى أن حُلت في أبريل 1982، وقد قيل وقتها أن هذه الوحدة قد حُلت أمر مباشر من الخميني لاعتراضه على قضية “تصدير الثورة”، وهو أمر مثير للدهشة لأن تصدير الثورة مبدأ أصيل في الدستور الإيراني طالما تحدث عنه الخميني، وقيل أيضًا لاختلاف وجهات النظر بين رضائي وهاشمي.
على أية حال بعد حل هذه الوحدة، أُنشئت مؤسسة “حركة الإسلام العالمية (نهضت جهانی اسلام)” في قُم تحت إشراف حسين منتظري، وتولى رأستها مهدي هاشمي. وهو ما اعتبره البعض تحديًا لقرار الخميني وقائد الحرس الثوري، وبالتالي بدأت علاقة هاشمي ومنتظري تتأزم مع النظام الإيراني بتوالي عدد من الأحداث، وجرى الحديث حول الإطاحة بهما. ففي 26 سبتمبر 1986 ألقت وزارة المخابرات الإيرانية القبض على هاشمي بتهمة إدارة “وكر فساد” يتبع وحدة الحركات التحريرية التي كان يرأسها سابقًا، وصرح وزير المخابرات “محمد محمدي الرِيشهري” أنه ضُبط في هذا الوكر 49 حرزًا غير قانوني كان من بينها أسلحة ومواد مخدرة ومسرطنة وهويات ووثائق مزورة. وقد كلف الخميني وقتها وزارة المخابرات بالتحقيق في هذه القضية، وهو أمر اعتبره منتظري مخالفًا للدستور والإجراءات القانونية، كما يذكر المقربون من منتظري أن الوكر المذكور قد سلمه “عليّ فلاحيان” نائب وزير المخابرات إلى وحدة الحركات التحريرية التي كانت تعمل بشكل رسمي وعلني مثل “فيلق القدس” حاليًا.
كما أُعيد فتح ملف قضية اغتيال رجل الدين المعارض للثورة أبي الحسن شمس آبادي التي كان قد اُتهم فيها هاشمي قبل الثورة وأُفرج عنه، ووجهت إليه أيضًا أثناء التحقيقات تهمة إصدار أمر باغتيال عدد من الساسة ورجال الدين المعارضين مثل: أمیر عباس بحرینیان، وقَنبر عليّ صفر زاده، وعباس قُلي حشمت.
وطبقًا لما يذكره منتظري في كتابه “الأحكام والحقائق (قضاوتها و واقعيتها)”، أن شمس آبادي قد هوجم من أجل ترويعه بناءً على خطاب الخميني ضد رجال الدين المعارضين للثورة. كما يذكر المقربون لهاشمي أن مهاجمي شمس آبادي كانوا يرغبون في إخافته فحسب، لكن بسبب كبر سنه ومرضه، وافته المنية.
وكان الخميني قد طلب في خطاب له التنكيل برجال الدين المعارضين للثورة، حيث قال: “أنا لا أقول اُقتلوهم، فهم لا يستحقون القتل، وليس من الضروري أن توسعوهم ضربًا، ولكن ينبغي تعريتهم وفضحهم”.
كما اغتال أنصار الخميني خلال السنوات الأولى للثورة في مدينة قهدريجان قنبر علي صفر زاده الذي من رجال الدين المعارضين للثورة، وعباس قلي حشمت الذي كان من كبار الأعيان المتعاملين مع الأسرة البهلوية.
وينفي الأفراد المقربون من هاشمي إصداره أمر بهذه الاغتيالات، ويقولون: “إن هذه الاغتيالات قامت بها القوى الثورية، وفيلق مقاطعتي فلافرجان ولنجان، وإن هاشمي كان على اطلاع بها فحسب، وليس آمرها”، كما أن هاشمي بعد الثورة طلب التحقيق في دوافع هذه الاغتيالات وملابساتها، لكن السلطة القضائية لم تستجيب له. ومن ناحية أخرى، فإن تصفية المعارضين في السنوات الأولى للثورة كانت أمرًا شائعًا وعاديًا بين مسؤولي الحكومة الإيرانية، ولم تمثل لهم نقطة ضعف، بل كانت مصدر فخرٍ وتباهٍ بالنسبة لهم.
ويبرأ منتظري أيضًا في كتابه “الأحكام والحقائق” هاشمي من تهمة اغتيال أمير عباس بحرينيان رئيس اللجنة الثورية بإصفهان، فوفقًا لما يتضمنه الكتاب، وكذلك تصريحات “كاظم موسوي البُجنُوردي”، محافظ إصفهان آنذاك، أن اغتيال بحرينيان تم بأمر رسمي من القاضي “فتح الله أوميد (اُميد) نجف آبادي”، وعلى يد وحدة مخابرات الحرس الثوري بإصفهان. ففي ذلك الوقت كان قائد وحدة المخابرات “محمد عطريان فر” العضو الحالي بالمجلس المركزي لـ “حزب بناة إيران (حزب کارگزاران سازندگی ايران)”، وكان قائد فيلق إصفهان “أحمد السالك” النائب السابق بـ “البرلمان الإيراني (مجلس شوراى اسلامى)”.
وكان بحرينيان قد اُغتيل أثناء الاشتباكات التي وقعت بين الحرس الثوري واللجنة الثورية في إصفهان، واستمرت حتى عام 1983 مخلفةً ما لا يقل عن 12 قتيلًا في مدينة قهدريجان وحدها.

وطبقاً لما يذكره “أحمد منتظري” نجل حسين منتظري في مقابلة له أن الخميني والمقربين منه قد استغلوا نفوذهم حتى يهيئوا حُكم الإعدام لهاشمي، حيث يقول: “إن محمد صادق صالحي مانيش (مَنِش) محافظ مدينة قُم في حكومة الرئيس السابق حسن روحاني قال له: بعد اعتقال مهدي هاشمي كُنا مجتمعين في جَماران (الحي الواقع في شمالي طهران)، فأتي أحمد الخميني (نجل الخميني)، وقال: إن رغبنا في إعدام (هاشمي)، فمن على استعداد أن يصدر حُكم الإعدام؟، فقال عليّ رازيني: أنا.. فأعلنت الإذاعة الإيرانية غداة ذلك اليوم أن الخميني عيَّن السيد رازيني رئيس المحكمة الدينية الخاصة (دادگاه ویژه روحانیت)”، وهي محكمة قام بتأسيسها الخميني في مارس 1979 خارج إطار السلطة القضائية، تتولى محاكمة منتقدي الجمهورية الإسلامية من رجال الدين.
وكان قاضي محاكمة مهدي هاشمي استنادًا لحيثيات القضية لم يقض بإعدامه جراء جرائم القتل المتهم بها لأنه لم ينفذها بنفسه، بل أمر بتنفيذها فحسب، لذا قضى رئيس المحكمة علي رازيني بإعدام هاشمي بتهمة “مناهضة النظام، والفساد، والتحريض على الفتنة، وترويع المواطنين”، ونُفذ الحُكم في 28 سبتمبر 1987.
استغرقت محاكمة مهدي هاشمي ما يقرب من سنة تعرض خلالها للجلد والتعذيب حتى يُجبر على الاعتراف بجرائم لم يرتكبها، ولم يُسمح له بتوكيل محام يدافع عنه، أو استئناف حُكم الإعدام، وهو ما يوضح النهج الذي انتهجه القضاء الإيراني عقب الثورة، ولا يزال يتبعه حتى الآن سواء في محاكمة أشخاص مؤيدين للنظام لكنهم تمردوا على الأدوار المحددة لهم، أو أشخاص معارضين للنظام من الأساس.
وفي أبريل 2022 أي بعد 35 عامًا من إعدام هاشمي، نشرت وكالة أنباء (إيرنا) الناطقة باسم الحكومة الإيرانية وثيقتين من اعترافات هاشمي حينما قُبض عليه في عام 1976 بتهمة اغتيال شمس آبادي، حيث تشير الوثيقتان إلى تعاونه مع السافاك وقيامه بتزويد المسؤولين بأسماء الأشخاص المتورطين في عملية الاغتيال بالإضافة إلى معلومات أخرى. والحقيقة أن الوثيقتين لا تدينان هاشمي لكنهما تبرآنه بشكل غير مباشر، لأن الجهة التي ألقت القبض عليه آنذاك، هي السافاك، أما المعلومات التي وردت بالوثيقتين، فهي جزء من استجوابه أثناء التحقيقات، بالتالي تعتبر الوثيقتان استكمالًا لسيل اتهامات يسعى النظام الإيراني إلى إلصاقها بهاشمي حتى بعد وفاته.

ويعد بعض المحللين السياسيين أن الهدف من إدانة هاشمي هو التخلص من منتظري نظرًا لمواقفه المعارضة لسياسات الخميني بشكل عام، مثل استمرار الحرب الإيرانية العراقية (1980: 1988)، وإعدام السجناء السياسيين عام 1988، والقروض الأجنبية، وانتهاك حقوق الإنسان، وتدخل الحكومة في الحوزات العلمية، وقضية “إيران – كونترا” – التي سنتحدث عنها خلال السطور التالية – هذا فضلًا عن مساعي أحمد الخميني إلى إزاحة منتظري من المشهد السياسي حتى يخلو له منصب المرشد الأعلى بعد وفاة أبيه، خاصة أن أحمد الخميني لم يتول منصبًا رسميًا طوال فترة جلوس أبيه على كرسي المرشد الأعلى، لكن الأقدار لم تربت بيدها على هذا المخطط، حيث توفي الخميني في 3 يونيو 1989 أي قبل وفاة منتظري بـ 20 عامًا.
وما يعزز رأي المحللين السابق هي الرسالة التي كتبها منتظري إلى الخميني عقب إلقاء القبض على هاشمي، حيث جاء فيها: “لو قُطع مهدي هاشمي أمامي إربًا، فلن أبيع نفسي لأحد، وسأظل متمسكًا بفكري المستقل وإرادتي الحُرة”.
على أية حال، تنحى منتظري عن منصب نائب المرشد الأعلى في 27 مارس 1989 بعد عامين من الجدال والسجال السياسي بينه وبين الخميني كان مبعثه الأساسي اعتراض منتظري الشديد على إعدامات 88، حيث يصفها في تسجيل صوتي سُرب له في عام 2016 بأنها “أكبر جريمة للجمهورية الإسلامية”. وبهذا يعتبر منتظري أول شخص يتولى منصب نائب المرشد الأعلى وأخره في تاريخ إيران، فلا يزال هذا المنصب شاغرًا منذ استقالة منتظري حتى الآن. ويُذكر أن الخميني كان قد كتب مرسوم عزل منتظري في 26 مارس، أي قبل يوم واحد من استقالته، لكن بعض الزعماء المقربين من الخميني آنذاك مثل رئيس الجمهورية “عليّ خامنئي (خامنهاى)”، ورئيس البرلمان “أكبر هاشمي رفسنجاني” قد أثنوه عن إرساله لمنتظري.
ظل منتظري حتى وفاته في 19 ديسمبر 2009 ينتقد سياسات النظام الإيراني الذي كان يومًا ما حجرًا رئيسًا في بنيانه، وفي عام 1997 حُددت إقامته في المنزل لمدة 6 سنوات بإمر من المجلس الأعلى للأمن القومي بسبب انتقاده الحاد لمن كان يومًا تلميذًا له المرشد الحالي علي خامنئي، كما حُذفت مواده الدراسية من كتب الحوزات العلمية، وأُزيل اسمه من الشوارع التي سُميت به، ولقبته وسائل الإعلام الحكومية بـ “الشيخ المغفل”.
وإن كان منتظري قد خسر النظام وقاداته، إلا أنه كسب محبة الشعب الإيراني واحترامه وتقديره، فقبل وفاته بعدة أشهر لُقب بـ “الزعيم الروحي للحركة الخضراء” و”المرجع الأخضر” نسبةً إلى مظاهرات “الحركة الخضراء (جُنبِش سبز)” في يونيو 2009.
وكانت هذه المظاهرات قد اندلعت عقب الإعلان عن فوز مرشح التيار الأصولي “محمود أحمدي نِجَاد (نژاد)” بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية العاشرة للجمهورية الإسلامية، حيث صرح وقتها منافسه الإصلاحي “مير حسين موسوي” أن نتيجة الانتخابات قد زُوّرت لصالح نجاد. وقد تعاملت قوات الأمن الإيرانية مع المتظاهرين بعنف شديد، حيث قُتل وجُرح وقُبض على عدد كبير من المتظاهرين. وقد سُميت هذه المظاهرات باسم “الحركة الخضراء” لأنها اتخذت من اللون الأخضر شعارًا لها، وهو شعار مير حسين موسوي خلال حملته الانتخابية.


وكان منتظري قد أعلن دعمه لهذه المظاهرات، وأدان اصطدام قوات الأمن مع المتظاهرين السلميين بعنف، وأصدر بيانًا في نهاية يونيو قال فيه: “مع دعمي القوي للحركات السلمية للأمة (الإيرانية) الإسلامية في سبيل الدفاع عن حقوقها المشروعة داخل إطار دستور الجمهورية الإسلامية القويم الذي يعتبر أن الجمهورية هي الركيزة الأساسية للنظام، لا أجيز أي عمل يسفر عن ضرر لا يعوض بنظام الجمهورية. وكل فرد من إخواننا وأخواتنا المتدينين مكلفون بمساعدة الأمة في نيل حقوقها المشروعة. وبناءً على ذلك، فإنني أعتبر أن أية مقاومة في هذا الاتجاه خاصة التنكيل بالأمة واستباحة قتلها مثالاً صارخًا على مخالفة المبادئ الإسلامية الأساسية القائمة على سيادة الأمة وحق تقرير المصير، وأعلن أنها حرام شرعًا”.
كما طلب منتظري من المسؤولين أن يعتذروا للشعب الإيراني عن الأخطاء التي حدثت أثناء المظاهرات قائلًا: “هناك عدد من الأشخاص على دراية باتجاه الحكومة، ويمكنهم ارتكاب أية جريمة مِثل مهاجمة سكن الطلاب وضربهم ورميهم من الطوابق العلوية إلى أسفل، وارتكاب جرائم قتل متسلسلة، واغتيال متعلمي هذه الأمة بوحشية، وهم يعلمون أنهم سيفلتون من العقاب، وهذا أمر يتنافى مع أي دين أو مذهب”.
توفى منتظري، وخرج مئات الآلاف وقيل ملايين من الإيرانيين يودعونه إلى مثواه الأخير، حيث ورى جثمانه الثرى في العتبة الفاطمية (حرم فاطمة المعصومة) بمدينة قُم. وفي مشهد يعيد إلى الأذهان مشاهد الثورة الإيرانية، تحولت جنازة منتظري إلى مظاهرة شعبية، بعد أن غدا في أيامه الأخيرة زعيمًا روحيًا للمعارضة ووجهًا دينيًا مقبولًا لدي الشعب الإيراني رأى فيه قائدًا من رعيل الثورة كان يمكنه أن يقوّم مسارها المنحرف.


ثانياً: فضيحة إيران – كونترا
وبعيدًا عن مخطط الإطاحة بحسين منتظري، يرى عدد كبير من المحللين أن السبب الأساسي وراء تصفية مهدي هاشمي هو قيامه بإفشاء “قضية إيران – كونترا” Iran-Contra Affair بين إيران والولايات المتحدة، والمعروفة أيضًا باسم “فضيحة إيران جيت” Irangate Scandal، وفي إيران باسم “واقعة ماكفرلين (ماجراى مکفارلین)”، وهي صفقة سلاح بموجبها حصلت الحكومة الإيرانية على ما يقرب من 3 آلاف صاروخ من نوع “بي جي إم-71 تاو” BGM-71 TOW المضادة للدروع التفاعلية، ونوع “إم آي إم-23 هوك” MIM-23 Hawk المضادة للطائرات إبان حربها مع العراق في مقابل وساطتها لدى حزب الله اللُبناني الموالي لها كي يطلق سراح 7 رهائن أمريكيين تم اختطافهم في بيروت على يد القيادي بالحزب “عماد مُغنية”.
شارك في مباحثات إبرام الصفقة عدد من الوجوه البارزة في حكومتي أمريكا وإيران، بالإضافة إلى بعض الأطراف الأخرى. مَثَل الجانب الأمريكي: روبرت ماكفرلين Robert McFarlane مستشار البيت الأبيض ومبعوث الرئيس رونالد ريجان Ronald Reagan إلى إيران، وجون بويندكستر John Poindexter مستشار الأمن القومي، ومقدم قوات المشاة البحرية أوليفر نورث Oliver North نائب مستشار الأمن القومي.

ومن الجانب الإيراني: محسن كانجرلو (کَنگرلو)، وحسن روحاني، وأحمد الخميني ممثلون عن هاشمي رفسنجاني رئيس البرلمان آنذاك، وكان الأول يشغل منصب مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء، والثاني كبير مستشاري السياسة الخارجية، والثالث نجل الخميني، وكان يلعب دور العَرَّاب بين أبيه والمسؤولين الإيرانيين.
هذا بالإضافة إلى 3 تجار سلاح: ألبرت حكيم، وهو أمريكي إيراني الأصل، ومنوتشهر (منوچهر) قرباني فر، وهو إيراني وضابط سابق في “السافاك”، وعدنان خاشقجي، وهو ملياردير ورجل أعمال سعودي، وعم الصحفي جمال خاشقجي الذي لقي مصرعه في السفارة السعودية بإسطنبول عام 2018. وثلاثتهم لعبوا دور الوساطة في عملية البيع والشراء وتحويل الأموال بين الطرفين. وكذلك الإسرائيلي إيراني الأصل “آري بن ميناشي” Ari Ben-Menashe عميل المخابرات العسكرية الإسرائيلية المعروفة اختصارًا باسم (آمان)، حيث تولت إسرائيل عمليات استلام الصواريخ من أمريكا وإرسالها إلى إيران.

وعلى الرغم من العداء المتبادل والصريح بين إيران والولايات المتحدة عقب الثورة الإيرانية، والمتمثل في عدد من الإجراءات اتخذها الطرفان آنذاك كان أبرزها اقتحام المتظاهرين الإيرانيين مبنى السفارة الأمريكية بطهران في 4 نوفمبر 1979، واتخاذ موظفي السفارة البالغ عددهم 52 شخصًا كرهائن لمدة 444 يومًا حتى أُطلق سراحهم بوساطة جزائرية في 20 يناير 1980. وعلى الجانب الآخر أطلقت وزارة الخارجية الأمريكية منذ ربيع 1983 “حملة الصمود” أو “عملية ستانش” Operation Staunch المستهدفة حظر بيع السلاح وتهريبه سواء من الولايات المتحدة أو الدول الحليفة لها إلى إيران باعتبارها دولة ترعى التطرف والإرهاب العالمي، وهي حملة لا تزال مستمرة حتى الآن كجزء من العقوبات المفروضة على إيران.
إلا أن هذه الاجراءات لم تمنع طهران وواشنطن من تنحية البروباجندا العدائية المتبادلة بينهما أمام العالم أجمع جانبًا وتغليب مصالح شخصية قبل أن تكون وطنية، مما يفسر طبيعة العلاقة الإيرانية الأمريكية التي يمكن وصفها بالصداقة الخفية والعداء الظاهري. فإيران في ظل المقاطعة الدولية التي شهدتها عقب الثورة كانت في حاجة ماسَّة إلى السلاح لمواصلة حربها مع العراق، هذا بالإضافة إلى اعتمادها في عهد الشاه على أسلحة ومعدات عسكرية أمريكية الصنع مما يستوجب ضرورة الاستيراد من الولايات المتحدة. أما أمريكا فلم تكون تحبذ لجوء إيران إلى المعسكر الشرقي وشراء السلاح من الاتحاد السوفيتي، وبالتالي عودة النفوذ الروسي إلى إيران مرة أخرى.

ومن ناحية أخرى، تزامن قيام الخميني بإسقاط النظام الشاهنشاهي في إيران في فبراير 1979، مع قيام جبهة التحرير الوطني الساندينية (ساندينيستا) Frente Sandinista de Liberación Nacional ذات الأيديولوجيات الماركيسية في يوليو من العام نفسه بإسقاط نظام الديكتاتور “أناستاسيو سوموزا” Anastasio Somoza في نيكاراجوا، مما جعل رئيس الولايات المتحدة دونالد ريجان ينتابه القلق تجاه اجتياج أرجاء أمريكا الوسطى ثورة تهدد الأمن القومي الأمريكي. واسم الجبهة الساندينية مشتق من اسم “أوجوستو ساندينو” Augusto Sandino قائد المقاومة النيكاراجوية ضد الاحتلال الأمريكي لنيكاراجوا في فترة الثلاثينيات.
ومنذ أوائل الثمانينيات، ظهرت مجموعتان مناوئتان للحكومة الساندينية؛ أحداهما تتكون من عناصر سابقة في الحرس الوطني النيكاراجوي، وكانت تتخذ من أراضي كوستاريكا الواقعة جنوب نيكاراجوا ملاذًا لها. والأخرى تزعمها قائد سانديني منشق عن الجبهة يُدعى “إيدن باستورا” Edén Pastora، حيث أقام معسكرًا للمعارضة النيكاراجوية في هندوراس الواقعة شمال نيكاراجوا، وقد أُطلق على المجموعتين اسم “الكونترا” Contra وهي اختصار كلمة Contra-Revolucionarios أي “مناهضيّ الثورة”.

وفي إطار الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي آنذاك ومواجهة المد الشيوعي حول العالم، شرعت إدارة الرئيس ريجان في دعم متمردي الكونترا ماليًا في سبيل الإطاحة بالحكومة الساندينية، لكن الكونجرس سعى إلى الحد من هذا الدعم إلى أن أوقفه تمامًا في عام 1985 بموجب “تعديل بولاند” Boland Amendment المتضمن 3 تشريعات قانونية، قام بتقديمها النائب “إدوارد بولاند” Edward Bolandإلى مجلس النواب الأمريكي، لذا سُمي التعديل باسمه. وقد حظرت هذه التشريعات إنفاق أية مبالغ مالية على عمليات عسكرية في نيكاراجوا من قبل وزارة الدفاع أو وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) أو أية جهة عسكرية أو استخباراتية أمريكية، مما دفع إدارة ريجان إلى البحث عن مصادر أخرى تمول بها الكونترا، وكانت صفقة “إيران – كونترا” إحدى هذه المصادر، حيث تعدت قيمة الأسلحة المرسلة إلى إيران أكثر من 2 مليار دولار، وخُصص مبلغ يتراوح ما بين 10 إلى 30 مليون دولار من أرباح هذه الصفقة لدعم متمردي الكونترا.
شملت الصفقة ما يقرب من 3 آلاف صاروخ تاو وهوك وقطع غيارهما، بالإضافة إلى مجموعة من الأسلحة الكيماوية ضمت غاز الأعصاب والخردل، وقد وصلت الأسلحة إلى إيران على شحنات متتالية بدءًا من أغسطس 1985 حتى نوفمبر 1986.
لم تؤت المساعي الأمريكية الرامية إلى إسقاط الحكومة الساندينية ثمارها، فمازالت جبهة التحرير الوطني تحكم نيكاراجوا حتى الآن، كما لم تظل صفقة إيران – كونترا طي الكتمان لفترة طويلة، فسرعان ما أُزيح النقاب عنها محدثةً ضجة كُبرى في كل من إيران وأمريكا كما سنرى خلال السطور القادمة.
إفشاء الصفقة في أمريكا
بدأت قضية إيران – كونترا تتداول في الإعلام الأمريكي في أواخر عام 1986، ففي 5 أكتوبر أسقط الجيش النيكاراجوي طائرة شحن أمريكية كانت تنقل السلاح إلى متمردي الكونترا فوق الأراضي النيكاراجوية، مما أدى إلى مقتل 3 أفراد من طاقمها، بينما أسر الجيش عضو الطاقم الرابع “يوجين هاسينفوس” Eugene Hasenfus. وفي 22 من نوفمبر عثر محققون يعملون لحساب وزارة العدل في مكتب المقدم “أوليفر نورث” نائب مستشار الأمن القومي على مذكرة حررها في أبريل يقترح فيها تحويل أموال بيع السلاح إلى إيران إلى الكونترا. وفي 25 نوفمبر أفشى وزير العدل “إدوين ميس” Edwin Meese خلال مؤتمر صحفي الصلة بين بيع السلاح إلى إيران وتمويل الكونترا، مما دفع الرئيس ريجان إلى إقالة مستشار الأمن القومي جون بويندكستر ونائبه نورث.

وبناءً على هذه الفضيحة، شكل الرئيس ريجان في 7 يناير 1987 لجنة تقصي حقائق برئاسة السيناتور السابق عن ولاية تكساس في مجلس الشيوخ “جون تاور” John Tower، وعضوية كل من السيناتور السابق عن ولاية مَين في مجلس الشيوخ “إدموند ماسكي” Edmund Muskie، ومستشار الأمن القومي آنذاك “برنت سكوكروفت ” Brent Scowcroft. وقد عُرفت هذه اللجنة باسم “تاور” نسبة إلى رئيسها جون تاور.
تولت لجنة تاور التحقيق في ملابسات إبرام صفقة إيران – كونترا، ودور مجلس الأمن القومي الأمريكي فيها، وقضية انتهاك حظر بيع السلاح إلى إيران وقانون بولاند القاضي بوقف دعم الكونترا، وكشف الأشخاص المتورطين في هذه الصفقة. وفي 26 فبراير خلصت اللجنة إلى أن الرئيس ريجان لم يكن على علم بأنشطة مجلس الأمن القومي، وحملت مستشاري الرئيس مسؤولية خلق أجواء فوضوية أدت إلى وقوع فضيحة إيران – كونترا.


وفي 18 نوفمبر أفادت لجان التحقيق الأمريكية بأن الرئيس ريجان قد تقاعس عن أداء واجبه الدستوري تجاه تنفيذ القوانين، وحملته المسؤولية الكاملة في فضيحة إيران – كونترا. وفي 11 مارس 1988 اعترف مستشار البيت الأبيض روبرت ماكفارلين أمام القضاء بأنه أخفى عن الكونجرس معلومات حول جهود الإدارة الأمريكية لمساعدة متمردي الكونترا، وحوكم بالسجن لمدة عامين مع إيقاف التنفيذ وأداء 200 ساعة من الخدمة الاجتماعية. وفي 16 مارس جرمت لجنة محلفين فدرالية مستشار الأمن القومي جون بويندكستر ونائبه أوليفر نورث وتاجر السلاح الأمريكي إيراني الأصل ألبرت حكيم بالاحتيال على الحكومة الأمريكية لمد الكونترا بالأموال، لكن لم يُسجن أحد منهم، وانتهى سير المحاكمات بعقد تسويات قضائية.

إفشاء الصفقة في إيران
بدأت الحُجب تتكشف عن صفقة إيران – كونترا في إيران في منتصف عام 1986 عندما أرسل تاجر السلاح الإيراني “منوتشهر قرباني فر” في يوليو نسخةً من مراسلاته مع محسن کانجرلو مستشار الأمني القومي لرئيس الوزراء حول الصفقة إلى بيت حسين منتظري، حيث تولى توصيل هذه النسخة “فتح الله أوميد نجف آبادي”، وكان أحد المقربين من منتظري، ويعمل في مكتبه. وقد هدف قرباني فر من ذلك اطلاع حسين منتظري ومهدي هاشمي على الصفقة، بسبب رغبة الأمريكيين والإيرانيين في تنحية قرباني فر منها، لأن الطرفين كان يساورهما الشك فيه ولا يثقان به. ولما استفسر منتظري عن أمر تلك الصفقة من هاشمي رفسنجاني وأحمد الخميني أنكراها.
والأرجح في قضية الإطاحة بهاشمي ومنتظري باعتقادي الشخصي، أن المسؤولين الإيرانيين المتورطين في صفقة إيران – كونترا وعلى رأسهم هاشمي رفسنجاني وأحمد الخميني قد أرادوا التخلص من الطرفين بعد إفشاء سر الصفقة لهما، وكانت البداية مع هاشمي باعتباره صيدًا سهلًا يمكن الإيقاع به، وسيجر معه منتظري الصيد الأصعب المُتبوَّأ ثاني أكبر منصب ديني في إيران بعد الخميني. وبالفعل لم يمض سوى 3 أشهر على واقعة قرباني فر حتى أُلقي القبض على هاشمي في 12 أكتوبر كما أسلفتُ القول في قضية إدارة “وكر الفساد”، كما أُعيد فتح التحقيقات في قضية اغتيال شمس آبادي إلى جانب قضايا اغتيالات أخرى قبل الثورة الإيرانية وبعدها.
ووفقًا لما يذكره منتظري في مذكراته، أن هاشمي عقب القبض عليه أرسل مراسلات قرباني فر عن طريق أحد أصدقائه إلى مجلة “الشراع” اللُبنانية، حيث نشرت المجلة في عددها الصادر في 3 نوفمبر 1986 تفاصيل صفقة إيران – كونترا، وذكرت أنها حصلت على هذه المراسلات من مهدي هاشمي رئيس وحدة الحركات التحريرية وشقيق صهر حسين منتظري نائب المرشد الإيراني، وأن هاشمي قد حصل عليها بدوره من نجف آبادي.
وفي ديسمبر 2017 ذكر رئيس تحرير مجلة الشراع “حسن صبرا” في لقاء له مع الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن تفاصيل صفقة إيران – كونترا قد حصل عليها عن طريق أحد الأشخاص المقربين من مهدي هاشمي. كما ذكر الرئيس الإيراني الأسبق “أبو الحسن بني صدر” في عدد من اللقاءات الصحفية أن شخصًا في مكتب منتظري قد أخبره بأمر هذه الصفقة. وجميعها تصريحات تُشير إلى أن نجف آبادي هو المسؤول عن تسريب مراسلات الصفقة، لكنه في حقيقة الأمر قد وقع ضحية قرباني فر الذي حمَّلَهُ رسالةً أودت بحياته، وحياة مَن سلمها له، فمثلما أُعدم هاشمي، لقي نجف آبادي المصير نفسه في 4 نوفمبر 1988.

أثار إفشاء صفقة إيران – كونترا موجة اعتراض حادة بين المسؤولين الإيرانيين خاصة أن النظام كان ولا يزال يرفع شعار “الموت لأمريكا”، وكان على رأس المعارضين للصفقة حسين منتظري، كما أرسل رئيس الوزراء مير حسين موسوي رسالةً إلى الخميني يعرب فيها عن استيائه من عدم اطلاعه على الصفقة، هذا بالإضافة إلى قيام 8 نواب في البرلمان الإيراني بتقديم طلب إحاطة إلى وزير الخارجية “علي أكبر ولايتي” يطالبونه بتوضيح مجريات هذه الصفقة والأشخاص المشاركين فيها سواء من داخل الحكومة أو خارجها.
والملفت للنظر في هذا الأمر أن الخميني لم يهتم أو ينزعج من إفشاء هذه الصفقة، أو يعقب عليها، أو يُحمَّل أحد في الحكومة مسؤوليتها، أو حتى ينكر معرفته بها مثلما فعل الرئيس الأمريكي ريجان، لكنه احتدَّ على طلب الإحاطة الذي قدمه النواب، مما يؤكد أن الخميني كان على علم بأمر الصفقة، وأعطى الضوء الأخضر لإبرامها مع الجانب الأمريكي، حيث قال محتدمًا على النواب المتقدمين بطلب الإحاطة: “لماذا علينا أن نبرر القضايا الأمريكية حينما يهتز العالم من تجاهل إيران للبيت الأبيض؟، لماذا علينا أن نكون إلى هذا الحد متفرنجين ومشيطنين؟، لم أتوقع مطلقًا من بعض نواب البرلمان الكفاءة، لكنني لم أتوقع مطلقًا من ذوي الخبرة أن يصيحوا في وجه مسؤولينا، بينما عليهم أن يصيحوا في وجه أمريكا.. ماذا حدث؟، ماذا فعلتم؟، لماذا تقعون تحت تأثير الإعلام الأجنبي أو تحت تأثير أهوائكم؟، في مثل هذه القضية المهمة عليكم أن تتلاحموا، وتثبتوا للعالم أننا مترابطون، وهذه وحدتنا، لماذا تبغون الفُرقة؟، لماذا لهجتكم في طلب الإحاطة الذي قدمتموه في البرلمان أكثر حدة من لهجة إسرائيل وأمريكا؟، ماذا حدث حتى غدوتم على هذا النحو؟… لا تحطموا قلوب مسؤولينا، لا تتحولوا إلى متشددين ومتطرفين، لا تحدثوا انقسامًا، إن هذا يخالف الإسلام والدين والعدل، لا تجترحوا هذه الأفعال”.
إن صفقة “إيران – كونترا” هي الفضيحة الأكبر في تاريخ العلاقات السرية بين إيران وأمريكا، كما تظهر ضمن وثائقها أسماء مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى شاركوا في عقدها كالرئيسين السابقين هاشمي رفسنجاني وحسن روحاني، كما أنها حدثت في فترة تولى المرشد الحالي علي خامنئي منصب رئيس الجمهورية، هذا فضلًا عن موافقة الخميني على إبرامها ضمنيًا، مما يؤكد أن الإستراتيجية الإيرانية القائمة على معاداة الغرب منذ اندلاع الثورة هي غطاء يخفي تحته مصالح متبادلة تظهر وتخبو تبع مجريات الأحداث وتطوراتها لدى الجانبين. أما عن مهدي هاشمي وحسين منتظري فكلاهما ضحيتا نظام لا يقبل الخلاف أو الصدام معه، ولا يسمح لأحد بالخروج عن الإطار المحدد له، فالجميع في فلك النظام الإيراني ممثلون يلعبون أدوارًا مخولةً لهم كعرائس الماريونيت يحرك خيوطها سيدها الأوحد من وراء الستار، فترقص طربًا لو دُعِيت وتتلوى عذابًا لو أُمِرت.

خاص وكالة رياليست – د. محمد سيف الدين – دكتوراه في الأدب الشعبي الفارسي، وخبير في التاريخ والأدب الإيراني – مصر.