على حافة الانهيار.. كيف تقاوم أفغانستان الأزمات الأمنية والاقتصادية؟
موسكو – (رياليست عربي): شهدت أفغانستان عاماً مليئاً بالأحداث المضطربة في 2024، حيث برزت التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية كعوامل رئيسية ستؤثر على مستقبل البلاد في 2025. وعلى الرغم من جهود المجتمع الدولي والدبلوماسية الإقليمية، فإن الوضع على الأرض يظل معقداً، يعكس إرثاً من الصراعات الداخلية والخارجية المستمرة منذ عقود.
الأمن في أفغانستان.. صراع مستمر مع الإرهاب
مثَّل تنظيم “داعش-خراسان” أبرز تهديد أمني في البلاد خلال العام الماضي، حيث نفذ ما لا يقل عن 19 هجوماً إرهابياً استهدف المدنيين، بمن فيهم أفراد من الطائفة الهزارية والشيعية، وأتباع الصوفية، إلى جانب مسؤولين في طالبان والأجانب، ومن بين هذه الهجمات، كان اغتيال خليل الرحمن حقاني، أحد كبار قادة طالبان، والذي ألقى الضوء على قدرة التنظيم على استهداف الرموز المؤثرة في الحكم.
ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، ارتفعت مستويات انعدام الأمن، حيث تم تسجيل 8650 حادثة أمنية بين نوفمبر 2023 ونوفمبر 2024، وأسفرت هذه الحوادث عن مقتل 156 مدنياً وإصابة 426 آخرين، مع نسب العديد من هذه الهجمات إلى تنظيم “داعش-خراسان”، مما يعكس عجز حركة طالبان عن كبح جماح التنظيمات المتطرفة.
التوترات الإقليمية.. تعقيد العلاقات بين باكستان وأفغانستان
ازدادت التوترات بين باكستان وأفغانستان، حيث شنت باكستان غارات جوية على الأراضي الأفغانية رداً على الهجمات التي نفذتها حركة طالبان الباكستانية، بدورها ردت طالبان الأفغانية بشن هجمات على مواقع باكستانية، ما أدى إلى تصعيد الموقف العسكري بين الجانبين، وعلى الرغم من إعلان حركة طالبان عن رغبتها في خفض التصعيد مع نهاية العام (2024)، فإن الرد الباكستاني أشار إلى نية اتخاذ إجراءات انتقامية مدروسة.
بالنسبة للتحديات الداخلية لطالبان، والتي تشير إلى انقسامات وسن قرارات مثيرة للجدل، تواجه حركة طالبان تحديات داخلية معقدة، أبرزها الانقسامات بين قادتها حول السياسات المحلية والدولية، وقد أثارت القيود المفروضة على حقوق المرأة وتعليم الفتيات انتقادات واسعة، ليس فقط من المجتمع الدولي، ولكن أيضاً من داخل الحركة نفسها، كما أن القيادة الجديدة برئاسة سراج الدين حقاني أصبحت تُعتبر أكثر اعتدالاً مقارنة بالتيارات الأخرى في الحركة، مما يعكس الانقسامات العميقة داخل القيادة.
الاعتراف الدولي بحركة طالبان.. جهود متعثرة
رغم الجهود الدبلوماسية المتواصلة في الاتحاد الروسي وإيران وقطر، فشلت حركة طالبان في تأمين الاعتراف الدولي بحكومتها كسلطة شرعية، وشهد اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في ديسمبر 2024 خلافات حادة بين الأعضاء الدائمين حول كيفية التعامل مع طالبان، ومع ذلك، اتخذت كل من روسيا والصين خطوات نحو تطبيع العلاقات مع الحركة، ففي ديسمبر 2024، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قانوناً يمهد لإزالة حركة طالبان من قائمة المنظمات الإرهابية. كما قبلت الصين أوراق اعتماد ممثل طالبان، مما قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ خطوات مشابهة.
الأزمة الاقتصادية والإنسانية.. واقع مأساوي
منذ سيطرة حركة طالبان على السلطة في 2021، يعاني الاقتصاد الأفغاني من انكماش حاد بنسبة الثلث تقريباً، مما أدى إلى تفاقم البطالة والفقر، وتعتمد البلاد بشكل كبير على المساعدات الدولية، حيث يحتاج نحو 28 مليون شخص إلى المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، وتشير التقديرات إلى أن 14.8 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينما يعاني النظام الصحي والبنية التحتية من ضعف حاد.
ورغم التقارير الأخيرة التي تشير إلى بوادر تعافي اقتصادي، فإن العزلة المالية الدولية وتراجع تمويل التنمية يعيقان أي تقدم ملموس، كما أن الاعتماد السابق على زراعة الخشخاش قد تراجع بسبب القيود المفروضة على زراعته، مما أدى إلى فقدان مصدر دخل رئيسي لآلاف الأسر.
أما بالنسبة للكوارث الطبيعية وتحديات المناخ، تعاني أفغانستان من عامها الخامس على التوالي من الجفاف، بالإضافة إلى تأثير الزلازل والفيضانات والانهيارات الأرضية، التي تفاقم الاحتياجات الإنسانية، وتشير التوقعات إلى أن تكرار ظاهرة النينا في 2025 قد يزيد من حدة الجفاف ويؤدي إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل، مما سيرفع أسعار الغذاء ويزيد الصعوبات الاقتصادية.
كما أن الإفراط في استخراج المياه وسوء إدارة الموارد المائية أدى إلى أزمة حادة في المياه، تؤثر على الزراعة وتوفير المياه النظيفة للملايين، بالإضافة إلى ذلك، يُتوقع أن تثير قناة ري قوش تيبا، التي ستحول ما يصل إلى 20% من تدفق نهر أمو داريا، خلافات إقليمية مع دول مثل تركمانستان وأوزبكستان.
مشاريع إقليمية وتطلعات مستقبلية
تشكل المشاريع الإقليمية، مثل مشروع السكك الحديدية عبر أفغانستان وخط أنابيب الغاز الطبيعي بين تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند، فرصة لتعزيز الاستقرار والتنمية، ولكن نجاح هذه المشاريع يتطلب تحسين العلاقات بين أفغانستان وجيرانها، خاصة باكستان، وحل النزاعات الحدودية ومشكلات اللاجئين.
من هنا، إن التحديات التي تواجه أفغانستان في 2025 تشمل مزيجاً من القضايا الأمنية والاقتصادية والإنسانية، بالإضافة إلى الديناميكيات السياسية الإقليمية، وفي ظل غياب استراتيجية دولية واضحة للتعامل مع الوضع، ستظل البلاد تواجه مستقبلًا غامضاً، ومع ذلك، يبقى الأمل معقودًا على تحقيق تقدم دبلوماسي داخلي وإقليمي قد يفتح الباب نحو الاستقرار والتنمية.