دمشق – (رياليست عربي): سوريا تلك الأرض التي شهدت عبر التاريخ حضارات متعاقبة، تجد نفسها اليوم في خضم صراع معقد متشابك الأطراف، صراع أثقل كاهلها بأزمات إنسانية وسياسية واقتصادية غير مسبوقة، منذ أكثر من عقد، تتصارع قوى داخلية وخارجية على أرضها، تاركة وراءها دمارًا هائلًا ومعاناة لا تنتهي، الوضع الراهن يفرض علينا التساؤل: إلى أين تتجه سوريا؟ هل تحمل الأيام القادمة حلولًا تُنهي هذا النزيف، أم أننا أمام فصل جديد من فصول المأساة؟، إن أهمية هذا السؤال تنبع من عدة جوانب، أولًا يتعلق الأمر بمصير ملايين السوريين الذين يعيشون في ظروف قاسية سواء داخل البلاد أو في مخيمات اللجوء، ثانيًا للأزمة السورية تداعيات إقليمية ودولية خطيرة تهدد الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم ثالثًا يمثل مستقبل سوريا اختبارًا لمبادئ العدالة وحقوق الإنسان وقدرة المجتمع الدولي على حل النزاعات بالطرق السلمية.
تهدف هذه المقالة إلى استكشاف الوضع الراهن في سوريا، وتحليل السيناريوهات المحتملة لمستقبلها، وتسليط الضوء على التحديات الرئيسية التي تواجهها. سنحاول تقديم رؤية شاملة ومتوازنة، تأخذ بعين الاعتبار مختلف وجهات النظر، وتسعى إلى فهم أعمق لجذور الأزمة وأبعادها.
التحديات:
إن أهم التحديات التي تواجه أحمد الشرع تتمثل في تحقيق الاستقرار السياسي، وتوحيد البلاد التي مزقتها الحرب، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، كما يواجه الشرع أيضًا تحديات اقتصادية وإنسانية هائلة، حيث يعاني ملايين السوريين من الفقر والتشرد، أما ما يتعلق في الحوار السياسي والمصالحة تسعى القيادة الجديدة إلى فتح قنوات حوار مع مختلف الأطراف السورية، بما في ذلك فصائل المعارضة والمجتمع المدني، تهدف هذه الجهود إلى تحقيق مصالحة وطنية شاملة، وإنهاء الصراع المسلح، وبناء مستقبل مشترك لجميع السوريين ومع ذلك تواجه هذه الجهود عقبات كبيرة، بسبب التباينات العميقة في المواقف والأهداف بين الأطراف السورية، بالإضافة أن وجود قوى متطرفة كهيئة تحرير الشام يزيد من صعوبة الوصول إلى حل سياسي، كما أن القيادة الجديدة تواجه تحديات كبيرة في بناء الثقة مع السوريين الذين عانوا من سنوات طويلة من الحرب والعنف، لهذا يجب على القيادة الجديدة أن تثبت التزامها بالشفافية والمساءلة وأن تعمل على بناء مؤسسات ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، واعتقدجازما أن وجود هيئة تحرير الشام كقوى فاعلة في المشهد السوري يزيد من تعقيد المشهد السياسي ويجعل من الصعب تحقيق حل سياسي شامل.
أما بالنسبة للعلاقات الخارجية وإعادة الإعمار نلاحظ بذل الحكومة الجديدة جهودًا لتحسين العلاقات مع الدول العربية والدولية، بهدف الحصول على الدعم السياسي والاقتصادي، تركز هذه الجهود على التعاون في مجالات إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، ومكافحة الإرهاب، وحل أزمة اللاجئين، وبالرغم من ذلك لا تزال سوريا تعاني من عزلة دولية وخصوصا من الدول الغربية.
تتبنى هيئة تحرير الشام خطابًا يجمع بين البراغماتية والتأكيد على الهوية الإسلامية، وتسعى إلى تقديم نفسها كقوة فاعلة في مواجهة النظام السوري، وتحاول الهيئة تقديم نفسها كحامية للسكان المحليين في المناطق التي تسيطر عليها، وتسعى إلى تحسين صورتها أمام المجتمع الدولي، وبالرغم من ذلك لا تزال تعتبر هيئة إرهابية من قبل الكثير من الدول، إن وجود الهيئة يشكل تحديًا كبيرًا أمام القيادة الجديدة بسبب أيديولوجيتها المتطرفة وهذا يسبب في تعقيد العلاقات بين القيادة الجديدة والدول الكبرى، وهذا يشكل عائقًا أمام تحقيق حل سياسي شامل في سوريا.
يتعاظم دور القوى الخارجية يومًا بعد يوم بسبب تزايد نفوذ هيئة تحرير الشام وعلى الرغم من رغبة الكثير من الدول العربية والإقليمية والدولية في المحافظة على مصالحها الإستراتيجية وتحقيق الاستقرار في سوريا إلا أنها مازالت تتعامل بحذر شديد مع القيادة السورية الجديدة والسبب نفوذ هيئة تحرير الشام داخل القيادة السورية بالإضافة إلى توغل تنظيم الإخوان المسلمين في الدوائر المؤثرة للدولة السورية كالقصر الجمهوري ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية، ومن الملاحظ أن هناك تباين في مواقف الدول تجاه هيئة تحرير الشام، حيث تعتبرها بعض الدول منظمة إرهابية، بينما تتعامل معها دول أخرى كطرف فاعل في المعادلة السورية،
إن استمرار الوجود العسكري الأجنبي في سوريا يعقد الوضع الأمني ويزيد من التوترات الإقليمية والدولية ويعيق جهود الحل السياسي، ولهذا تسعى الحكومة الجديدة إلى تقليص الوجود العسكري الأجنبي ولكن ذلك يتطلب جهودًا دبلوماسية معقدة، ومما لأشك فيه أن هذه التحولات ستؤثر على مستقبل سوريا وتحدد مسار الأحداث في المنطقة.
في ظل الظروف الأمنية والسياسية التي تعصف في البلاد تزداد الأوضاع الإنسانية بالتردي ولا تزال أَزْمَة اللاجئين السوريين واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يعيش ملايين السوريين في مخيمات اللجوء في دول الجوار، مثل تركيا ولبنان والأردن، يعاني اللاجئون من ظروف معيشية قاسية، ونقص في الخدمات الأساسية، مثل الغذاء والمأوى والرعاية الصحية والتعليم، ناهيك عن الظروف المعيشية والأمنية لا تزال غير مواتية، بسبب استمرار الصراعات المسلحة، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، ونقص الخدمات الأساسية، كما يعاني الاقتصاد السوري من تدهور كبير بسبب الحرب والعقوبات الاقتصادية مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة والتضخم والفقر، وتواجه الحكومة الجديدة تحديات هائلة في إعادة بناء البنية التحتية المدمرة وتوفير الخدمات الأساسية للسكان وتحسين الظروف المعيشية، إن الوضع الاقتصادي الحالي في سوريا نتيجة العقوبات الدولية يجعل من الصعب على المواطنين الحصول على الاحتياجات الأساسية، أما بما يتعلق في إعادة الإعمارتحتاج سوريا إلى دعم دولي كبير لإعادة إعمار ما دمرته الحرب وأيضا العقوبات الدولية تعيق هذه الجهود، واستمرار وجود قوى مسلحة في مناطق من سوريا يعيق عملية إعادة الأعمار، يجب ألا ننسى التحديات الاجتماعية وأهمها الانقسام الطائفي الذي يقف سدا منيعا أمام المصالحات الوطنية، ولعل الفقر والبطالة واليأسالذي يعاني منه الشباب السوري هو أهم التحديات التي تواجه الدولة السورية، ناهيك عن تدمير العلاقات الاجتماعية وتفكك المجتمع وعمق الجروح النفسية نتيجة الحرب وهذا يتطلب الكثير من الجهود لترميم النفوس التي دمرتها الحرب.
السيناريوهات:
في ظل هذه الظروف التي تمر بها سوريا يمكن أن يكون هناك سيناريوهات محتملة لمستقبل سوريا سأوجزها بما يلي:
أولا- سيناريو الاستقرار النسبي:
1- وصف السيناريو:
يتصور هذا السيناريو تحقيق درجة معينة من الاستقرار في سوريا، ولكن ليس استقرارًا كاملاً. قد يشمل ذلك وقفًا جزئيًا لإطلاق النار، أو اتفاقات محلية بين الأطراف المتنازعة، قد تظل بعض المناطق تشهد صراعات متقطعة، وتستمر التوترات الإقليمية في التأثير على الوضع في سوريا، قد يشهد هذا السيناريو أيضًا بعض التقدم في إعادة الإعمار، ولكن بوتيرة بطيئة وغير متساوية، وقد يشهد هذا السيناريو أيضاً بعض التحسين في علاقات القيادة الجديدة مع بعض الدول العربية.
2– كيفية التحقق:
يمكن أن يتحقق هذا السيناريو من خلال اتفاقات مؤقتة بين الأطراف المتنازعة، بوساطة دولية أو إقليمية، قد يتم فرض واقع جديد من قبل القوى المهيمنة على الأرض، مثل روسيا أو تركيا، مما يؤدي إلى تهدئة مؤقتة للوضع، قد يتم أيضاً تحقيق بعض التقدم عن طريق فتح قنوات حوار بين القيادة الجديدة وبعض أطياف المعارضة السورية.
3– التحديات والعقبات:
أ- استمرار الانقسامات السياسية والطائفية
ب- صعوبة تحقيق مصالحة وطنية شاملة
ت- تداخلات القوى الخارجية
ث- بقاء خطر الجماعات المتطرفة
ج- الوضع الاقتصادي المتردي
ح- وجود هيئة تحرير الشام
ثانيا- سيناريو الانزلاق نحو مزيد من الفوضى:
- وصف السيناريو:
يتصور هذا السيناريو تدهورًا كارثيًا للأوضاع في سوريا حيث تتصاعد الصراعات المسلحة، وتتوسع الجماعات المتطرفة في نفوذها وتنهار الخدمات الأساسية وتتفاقم الأزمة الإنسانية، وقد يشهد هذا السيناريو تقسيمًا فعليًا لسوريا إلى مناطق نفوذ متنازع عليها مع استمرار القتال بين الأطراف المتنازعة، وقد يؤدي هذا السيناريو أيضًا إلى موجات نزوح ولجوء جديدة وتدهور كامل للأوضاع الاقتصادية والإنسانية.
- النتائج المحتملة:
أ- تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ متنازع عليها
ب- موجات نزوح ولجوء جديدة:
ت- توسع رقعة الإرهاب في المنطقة
ث- تدهور كامل للأوضاع الاقتصادية والإنسانية
ج- عوامل مساعدة على هذا السيناريو:
– استمرار التدخلات الخارجية التي تغذي الصراع.
– فشل المجتمع الدولي في التوصل إلى حل سياسي.
– تفاقم الانقسامات الطائفية والإثنية.
– استمرار وجود هيئة تحرير الشام كقوى مسيطرة.
ثالثا- سيناريو التقسيم أو الفدرالية:
1- وصف السيناريو:
يتصور هذا السيناريو تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ مستقلة أو شبه مستقلة، أو تبني نظام فدرالي يمنح الأقاليم صلاحيات واسعة، قد يشمل التقسيم تقسيمًا جغرافيًا على أساس طائفي أو عرقي، أو تقسيمًا على أساس مناطق نفوذ القوى المتنازعة، وقد يشمل النظام الفدرالي منح الأقاليم صلاحيات واسعة في إدارة شؤونها الداخلية، مع بقاء الحكومة المركزية مسؤولة عن الشؤون الخارجية والدفاع.
2– كيفية التحقق:
يمكن أن يتحقق هذا السيناريو في حال فشل الجهود السياسية والدبلوماسية للتوصل إلى حل للأزمة السورية، واستمرار الصراعات المسلحة، وقد يتم فرض واقع جديد من قبل القوى المسيطرة على الأرض، مثل القوى الأجنبية أو الجماعات المسلحة المحلية، أيضا قد يكون بسبب وجود قوى خارجية تسعى إلى ذلك.
- الآثار المحتملة:
أ- تفتيت الوحدة الوطنية السورية
ب- تأجيج النزاعات الطائفية والإثنية
ت- زعزعة الاستقرار الإقليمي
ث- صعوبات اقتصادية جمة لكل منطقة على حدا
ج- نقاط إضافية:
يعتبر سيناريو التقسيم أو الفدرالية من السيناريوهات الأكثر خطورة على سوريا والمنطقة، يتطلب تجنب هذا السيناريو جهودًا دولية وإقليمية مكثفة للتوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة السورية، يجب الأخذ في عين الاعتبار أن غالبية الشعب السوري يرفض فكرة التقسيم.
رابعا- سيناريو الحل السياسي:
1– وصف السيناريو:
يتصور هذا السيناريو التوصل إلى حل سياسي شامل ومستدام للأزمة السورية يرضي جميع الأطراف السورية ويضمن وحدة البلاد واستقرارها، وقد يتضمن خارطة طريق لتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، وقد يشمل هذا الحل أيضًا دورًا فاعلاً للمجتمع الدولي في دعم جهود السلام والاستقرار في سوريا.
2– كيفية التحقق:
يمكن أن يتحقق هذا السيناريو من خلال مفاوضات جدية بين مكونات الشعب السوري السياسية، بوساطة دولية أو إقليمية، وقد يتطلب ذلك تنازلات من جميع الأطراف المتنازعة، وإرادة سياسية حقيقية للتوصل إلى حل للأزمة، أيضاً يجب أن يكون هناك ضغط دولي حقيقي على جميع الأطراف للوصول إلى حل سياسي.
- الشروط اللازمة:
– وقف إطلاق النار بشكل دائم
– تشكيل حكومة انتقالية تمثل جميع الأطراف
– إجراء انتخابات حرة ونزيهة
– إعادة بناء مؤسسات الدولة
– تحقيق مصالحة وطنية شاملة
– خروج جميع القوات الأجنبية من الأراضي السورية
يواجه كل هذه السيناريوهات تحديات هائلة على رأسها تحديات إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية وتحديات تحقيق المصالحة الوطنية ومعالجة الانقسامات الطائفية وتحديات التعامل مع الوجود العسكري الأجنبي وتأثيره على السيادة السوريةولعل أخطرالتحديات هو تحدي مواجهة الجماعات الإرهابية، ناهيك عن تحدي أزمة اللاجئين وتدهور الأوضاع الإنسانية وتحديات الحكم الرشيد إذ تواجه سوريا تحديات كبيرة في بناء مؤسسات ديمقراطية، وتحقيق الحكم الرشيد ومكافحة الفساد، لهذا يجب وضع خطط واضحة لبناء دولة القانون في سوريا وتحقيق العدالة الانتقالية.
الخاتمة:
إن مستقبل سوريا لا يزال غامضًا، ولكنه يعتمد بشكل كبير على قدرة السوريين على تجاوز الانقسامات وتوحيد الجهود لتحقيق حل سياسي شامل ومستدام، يجب أن يكون هذا الحل مبنيًا على مبادئ العدالة والمساواة، وأن يضمن مشاركة جميع مكونات المجتمع السوري في بناء مستقبل البلاد، إن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية كبيرة في دعم جهود السلام والاستقرار في سوريا، يجب أن يعمل على تسهيل الحوار بين الأطراف السورية، وتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة، ودعم جهود إعادة الإعمار والتنمية كما يجب أن يمارس الضغط على جميع الأطراف المعنية لإنهاء الصراعات المسلحة، والالتزام بالقانون الدولي الإنساني، واحترام حقوق الإنسان إن تحقيق السلام والاستقرار في سوريا ليس مجرد مصلحة سورية، بل هو مصلحة إقليمية ودولية، إن استمرار الصراع في سوريا يهدد الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم ويزيد من خطر التطرف والإرهاب، لذلك يجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته وأن يعمل بشكل جاد ومستمر لدعم جهود السلام والاستقرار في سوريان وعلينا جميعًا أن نتذكر دائمًا أن الشعب السوري يستحق مستقبلًا أفضل، مستقبلًا يسوده الأمان والسلام والعدالة والازدهار.
خاص وكالة رياليست – خالد المطلق – كاتب وباحث في الشؤون العسكرية والأمنية والإرهاب، عقيد ركن سابق في الجيش السوري، ماجستير في العلوم العسكرية، كتب في العديد من مراكز الدراسات والمواقع الالكترونية والصحف العربية، له كتاب “الإرهاب في مملكة الرعب”.