أضحي مجلس الامن و لأول مرة في تاريخ المجلس العتيد منذ بدء جلساته في عام 1946 ، حلبة لنزال المتنازعين الإفريقيين الكبيرين مصر وإثيوبيا، والنزاع الوطيس، شهد ملحمة ماراثونية من المفاوضات السياسية والمشاورات الفنية، إثر اندلاع ذلك النزاع في أبريل عام 2011، بعد الإعلان الانفرادي الإثيوبي ببناء أضخم سدود إفريقيا علي الأنهار الدولية في إفريقيا .
لا غناء عن التعرض لمفهوم النزاع الدولي في أروقة الهيئات الدولية، ومنها بالطبع مجلس الأمن لمنظمة الأمم المتحدة، فضلا عن ماهية ووظيفة مجلس الأمن ،الجهاز التنفيذي السياسي الأمني لمنظمة الامم المتحدة قبل التعرض لآمال طرفي النزاع، فضلا عن المآل المحسومة فقط وفقا لإرادة مجلس الأمن وليس إراداتي طرفي النزاع .
النزاع الدولي :
باختصار غير مخل يعني النزاع الدولي : ” النزاع الذي ينشأ بين دولتين أو بوجه عام بين شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي ، ويتضمن مطالبات أو ادعاءات من قبل أحد الاطراف بخصوص مسألة أو موضوع محدد ، وأن تتقابل هذه المطالب أو تلك الادعاءات بالرفض من الطرف الآخر المدعي عليه بهذه الادعاءات .
لاريب أن ميثاق منظمة الأمم المتحدة حين ذكر “الموقف ” الذي يهدد السلم الدولي ،كانت إشارته في معرض العطف علي ” النزاع ” في نص المادة 34 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة ولكن أغشي الميثاق عليهما سترا من الغموض والإبهام، وترك طالقة التنقيب والتمييز بين المصطلحين للفقهاء والقضاء الدولي ، حتي يكشفا كل ستر، ويسبرا كل غور لحق بالمصطلحين المهيمنين علي كتابات الفقهاء والشراح القانونيين .
لمًح ميثاق الامم المتحدة إلي إشارة عابرة غي مفسرة لمفهوم الموقف الذي يهدد السلم و الامن الدوليين ، بأنه مرحلة سابقة علي وجود النزاع حين نصت المادة 34 من الميثاق علي : ” لمجلس الامن أن يفحص أي نزاع أو موقف يؤدي إلي احتكاك دولي ” ، ونشير في هذا الصدد أن كل نزاع يتضمن يقينا موقف، ولكن ليس كل موقف يؤدي حتما إلي نزاع .
ويُفهم النزاع الدولي على أنه علاقة التفاعل المصلحي بين الدول التي تتميز بصراعها على أساس المصالح المتعارضة ،أو الأحكام ،كالآراء والنظرات والتقويمات وما شابه ذلك. كما يُقصد به عدم اتفاق حول مسألة قانونية أو واقعية، فهو تناقض أو تعارض للآراء القانونية أو المصالح بين الأطراف، أو هو الخلاف الذى يثور بين دولتين أو أكثر إما بسبب الرغبة فى التوسع، وإما بسبب ظهور موارد معدنية أو نفطية، كما يتمثل في الخلاف الذى يحدث بين الدول المتجاورة بشأن الحدود المشتركة بينها.
جلي أن إذا كانت الدول تملك حق الاختيار بين الوسائل السلمية لحل منازعاتها؛ فإنها تضطر أحياناً إلى اللجوء إلى التحكيم أو القضاء للخروج من المأزق الذى يحول دون حل دبلوماسي للنزاع، وكما يدل قضاء محكمة العدل الدولية، فإن المحكمة لا ترفض النظر فى النزاع المركب لمجرد أن فيه عناصر سياسية.
وعلي هدي ما سبق يرى بعض فقهاء القانون الدولي أن التطبيق العملي يميز بين مجموعتين من المنازعات الدولية هما: المنازعات القانونية، والمنازعات السياسية.
أولاً: المنازعات القانونية :
عرَّف قاموس القانون الدولي العام النزاع ذو الطابع القانوني بأنه: “الذى يختلف فيه الأطراف حول تطبيق أو تفسير قانون قائم”. ويُقصد بهذا النزاع الصراع الذى يكون فيه طرفان على خلاف بينهما حول تطبيق الأوضاع القائمة أو تفسير أحكامها، ويمكن حلها بالاستناد إلى القواعد القانونية المعروفة، وصالحة لأن تنظر فيها محكمة العدل الدولية، كما تُعرف بأنها نزاعات بين الدول يكون من الممكن حلها وفقاً للقانون الدولي.
عرفت اتفاقية لوكارنو 1925 المنازعات القانونية بأنها “هي تلك التي يكون موضوعها حقاً يتنازع عليه الطرفان، وهذه تعرض للفصل فيها بحكم قضائي، إما على هيئة تحكيم أو على محكمة العدل الدائمة”. يُفهم من هذا، أن للنزاعات الدولية ذات الطابع القانوني هى التى يكون فيها الطرفان على خلاف “بسبب مسألة قانونية أو حادث معين، أو بسبب تعارض وجهات نظرهما القانونية ومصالحهما”.
عرَّفت محكمة العدل الدولية، النزاع القانوني بأنه “الخلاف بين دولتين على النحو المشار إليه فى تعريف المحكمة الدائمة للعدل الدولى”، وأضافت بأنه “لا ينبغى أن يتم الاستناد فيه إلى معيار شخصى، بل إلى معيار موضوعى. وعلى ذلك فإن الخلاف الذى يولِّد النزاع يجب أن يكون واضحاً فى مواقف أطرافه على نحو لا يدع مجالاً للشك فى وجوده”.
ثانياً: المنازعات السياسية :
عرَّف قاموس القانون الدولى العام النزاع ذو الطابع السياسى بأنه: “النزاع الذى يطالب فيه الأطراف بتغيير حالة واقعية أو قانونية قائمة، أو المطالبة بتغيير النظام القانونى القائم استناداً إلى الملاءمة السياسية”. كما يُقصد بهذا النزاع خلافات تمس مصالح الدولة وتتصل بسلامتها وسياستها، أو هى الخلاف الناشئ عن طلب أحد الطرفين تعديل الأوضاع القائمة، كما تُعرف بأنها الخلافات التى يُطلب فيها تعديل القانون.
ويُفهم النزاع الدولى ذو الطابع السياسى على أنه يتعلق بمصلحة حيوية، وتمثيله لنزاع غير صالح لأن تنظر فيه محكمة العدل الدولية، حيث تلعب فيه الإعتبارات السياسية دوراً مهماً كالمصالح الوطنية الحيوية، والمصالح الاقتصادية. كما يتميز النزاع السياسى أيضاً بأنه ينطوى على إدعاءات متناقضة صادرة عن طرفى النزاع، ويدور حول مصالح معينة للأطراف لا يمكن وصفها بالقانونية.
كما عرَّفتها اتفاقيات لوكارنو 1925 بأنها “تلك المنازعات التى لا تقبل الحل عن طريق حكم قضائى”. ويتمتع مجلس الأمن بمكانة متميزة بين أجهزة الأمم المتحدة، نظراً لاضطلاعه بالوظيفة الأساسية التى من أجلها أُنشأت المنظمة الدولية، وهى المحافظة على السلم والأمن الدوليين. ويمارس المجلس اختصاصاته من خلال ما يصدره من توصيات وقرارات إعمالاً لأحكام الفصلين السادس والسابع من الميثاق. وبالتالى؛ فإن أى نزاع من شأنه أن يعرض السلم والأمن الدوليين للخطر؛ فإنه يُعد نزاعاً سياسياً، ويختص بنظره مجلس الأمن.
وإذا كانت الفقرة الأولى من المادة (33) من ميثاق الأمم المتحدة قد عددت وسائل التسوية السلمية للمنازعات الدولية؛ فإنها تركت لأطراف النزاع الحرية الكاملة فى اختيار وسيلة التسوية التى تروق لهم. أى أن القانون الدولى المعاصر لا يفرض على الدول الأطراف اختيار وسيلة التسوية السلمية للمنازعة فى إعلان مانيلا الذى أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى الخامس من نوفمبر 1982. ولا يفقد الأطراف فى نزاع ما حريتهم فى اختيار وسيلة التسوية السلمية إلا إذا اتفقوا مقدماً – من خلال اتفاقية دولية – على اختيار وسيلة بعينها لتسوية ما عساه أن ينشأ بينهم من نزاع.
سلطات مجلس الأمن وفقا للفصل السادس من ميثاق منظمة الأمم المتحدة
بالنظر إلي أن الملابسات التي تعتري الإحاطة المصرية لمجلس الأمن بتاريخ الأول من مايو عام2020 ،ومقابلها الإثيوبي بتاريخ الخامس عشر من مايو، فان الفصل السادس من ميثاق المنظمة الموسوم ” حل النزاعات حلا سلميا ” هو الفصل الأجدر بدراسته وتطبيقه علي النزاع المصري-الإثيوبي، حيث يتصل نطاق اختصاصات مجلس الامن بمقتضي الفصل السادي من ميثاق المنظمة بالنزاعات التي – في معظم الأحوال – تعرض علي مجلس الأمن للحصول علي توصية بشأنها بطلب من جميع الفرقاء المعنيين .
قبل أن نشرع في تناول المواد المختلفة للفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة ، نؤكد علي حقيقة قانونية وهي أن المقررات المختلفة ومهما اختلفت تسمياتها و التي تصدر عن مجلس الامن في شأن التسوية السلمة لتسوية النزاعات الدولية ، اتفق معظم الفقهاء علي الطبيعة الإلزامية الأدبية مقارنة بتلك التي تصدر عن المجلس تأسيسا علي الفصل السابع من ميثاق المنظمة .
الوسائل السلمية لتسوية النزاعات الواردة في المادة 33
يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجؤوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها.
ويدعو مجلس الأمن أطراف النزاع إلى أن يسووا ما بينهم من النزاع بتلك الطرق إذا رأى ضرورة ذلك. لا جرم أن الأطراف بإرادتهم الحرة يملكون تسوية هذا النوع أو ذاك من النزاعات المختلفة بواسطة الطرائق الدبلوماسية أو القضائية الواردة في نص المادة المشارة ، ولكن قيدت الدول الأطراف الثلاثة إرادتها و باختيارها بأن تلجأ لوسائل دبلوماسية حصرية و لا تسطيع بالطبع اللجوء للوسائل القضائية مثل محكمة العدل الدولية، أو التحكيم الدولي إلا بإبرام اتفاق ينص علي ذلك .وهنا بالرغم من الطبيعة القانونية التي تكتسي النزاع الحاصل ، فليس ما يمنع من طرق أبواب مجلس الأمن غير المؤصدة وعلي مدار الساعة لأجل تدخل المجلس لتسوية النزاع وفق صلاحياته المدونة في ذلك الفصل .
لاريب أن مناط إعمال مجلس الأمن صلاحيته وفق الفقرة الأولي مقيد بشرط جوهري لازم ، وهو أن النزاع يفترض استمراره ان يعرض السلم و الامن الدوليين للخطر ، وهنا فالهيئة الحصرية التي تقيس و تزن الأمر، هي مجلس الامن إعمالا لنص المادة 39من ميثاق المنظمة . تكشف ممارسات مجلس الامن في هذا الصدد أن المجلس قلما لجأ لنص الفقرة المشار إليها عند دعوته أطراف النزاع إلي معالجة نزاع من شأن استمراره أن يجعل السلم و الامن الدوليين في خطر.
أطلقت الفقرة الثانية من المادة 33 من الميثاق العنان لمجلس الأمن إلي أن يدعو الأطراف لالتماس حل هذا النزاع بأي وسيلة من تلك الوسائل و لو لم ينعقد اتفاق الأطراف النزاع علي عرضه عليه ، أو علي الأقل إخطاره به، وهو ما لاح جليا في النزاع المصري – الإثيوبي ، فرغما عن سبق عرض النزاع بشكل انفرادي من جانب مصر علي الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة ، و بالرغم من إدراك مجلس الأمن لتطورات النزاع ،لكن لم يلجأ المجلس لتطبيق نص الفقرة الثانية المشار إليها .
تكشف ممارسات مجلس الامن في هذا الصدد، أن المجلس قلما لجأ لنص الفقرة المشار غليها عند دعوته أطراف النزاع إلي معالجة نزاع من شأن استمراره أن يجعل السلم و الامن الدوليين في خطر. جلي أن دور المجلس بمقتضي المادة 33 يقتصر دوره علي مجرد دعوة أطراف النزاع لحل منازعاتهم بالوسائل السلمية ، ويملك ثمة سلطة في توجيه الأطراف للتوسل بوسيلة سلمية معينة لتسوية ذلك النزاع تطبيقا علي النزاع المصري الإثيوبي يستطيع المجلس أن يباشر صلاحيته في توصية الأطراف ، وله أيضا ن يمتنع عن القيام بذلك الدور .
المادة 34
“لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعا لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي”. بديهي ووفقا للتفسير الموضوعي لسلطات مجلس الامن بشكل عام ونص المادة 34 بشكل خاص ، يحوز المجلس سلطة عامة في إجراء التحقيق من تلقاء نفسه، أو بتشكيل لجنة تخضع لتوجيهاته في أي نزاع أو موقف يري المجلس أنه بحاجة غلي ذلك ، وهنا فالمجلس حر في اختيار الصيغة المناسبة للموقف الذي يتصدى له ، فقد يري المجلس ان الفحص يتمحور و يقتصر فقط علي مجرد الاستعلام من أطراف النزاع و حتي دون رضي الأطراف المعنية .
نشير أيضا أن الدور الاهم الذي يضطلع به المجلس إعمالا لنص المادة 34 هو التأكد من ما إذا كان الخطر قد تحول فعلا إلي تهديد حقيق للسلم أو أخل به أو أدي إلي عمل من أعمال العدوان ، ويتطلب ذلك اتخاذ المجلس لإجراءات و تدابير ردعية تطبيقا للفصل السابع من الميثاق ، وهنا نرجع البصر كرتين لاستلهام نص المادة 39 من الميثاق التي تحصر و تقصر التكييف لمجلس الامن و ليس طرف أو أطراف النزاع .
المادة 35
تنص الفقرة الأولي من المادة 35 علي ، “لكل عضو من “الأمم المتحدة” أن ينبه مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى أي نزاع أو موقف من النوع المشار إليه في المادة الرابعة والثلاثين”. تنص المادة الثانية من ذات المادة علي ، “لكل دولة ليست عضواً في “الأمم المتحدة” أن تنبه مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى أي نزاع تكون طرفا فيه إذا كانت تقبل مقدماً في خصوص هذا النزاع التزامات الحل السلمي المنصوص عليها في هذا الميثاق”.
تنص الفقرة الثالثة من المادة المشارة علي ، “تجرى أحكام المادتين 11 و12 على الطريقة التي تعالج بها الجمعية العامة المسائل التي تنبه إليها وفقا لهذه المادة”. خولت الفقرة الثالثة من المادة 35 في فقرتها الأولي لكل عضو من أعضاء الأمم المتحدة أن ينبه المجلس بشأن أي نزاع أو موقف سواء كان طرفا فيه أو لم يكن حق إخطار المجلس ، و الغاية من ذلك تجنب المماطلة من جانب الدول أطراف النزاع، وهنا فلفت نظر المجلس لا يختلف عن عرض الأمر علي المجلس، فالباعث الرئيس من تنبيه المجلس تهيئته للمجلس كي ينظر في النزاع أو الموقف و يصدر فيه توصياته. إن ماجري العمل عليه في ممارسات مجلس الأمن عدم التمييز في اختصاصاته بين ما إذا كانت المسألة قد عرضت عليه طبقا للمادة 35(1) أو طبقا للمادة 37(1).
المادة 36
تخول المادة مجلس الامن في أي مرحلة من مراحل النزاع الموصوف في المادة 33 أو شبيه به، أن يتدخل ويوصي بما يراه مناسبا من الإجراءات وطرق التسوية بصريح عبارة الفقرة الأولي من المادة 36 ، والمجلس ليس ملزما بالانتظار لفشل الأطراف في التوصل لحل النزاع حتي يشرع في العمل بنص المادة 36 .
بالرغم مما سبق فقد قام المجلس بالتدخل في نزاعات أو مواقف ليس من شأن استمرارها تهديد السلم و الأمن الدوليين ، وحادثة اختطاف الألماني أيخمان من الأرجنتين بواسطة الاستخبارات الإسرائيلية خير مثال يضرب في هذا الصدد . اما الفقرة الثانية من ذات المادة فلا تعدو قيدا علي المجلس فعبارة ” يأخذ في الحسبان نتائج ما توصل إليه الأطراف من خلال ما اتخذوه من اجراءات ” لا يمكن اعتباره التزام علي المجلس بأن يبذل جهدا أو يحقق نتيجة محددة ، وهنا المجلس حرا طلقا في قراره بالتدخل و التعامل مع النزاع .
لمجلس الأمن في أية مرحلة من مراحل نزاع من النوع المشار إليه في المادة 33 أو موقف شبيه به أن يوصي بما يراه ملائماً من الإجراءات وطرق التسوية. تجدر الإشارة إلي ان مجلس الأمن – وفق بعض الفقهاء – لديه السلطة بأن يوصي بتسوية قد تتضمن اهدار لحقوق طرف أو آخر من أطراف النزاع يتمتع بها طبقا للقانون الدولي ، اذ اعتبر المجلس أن مثل هذه التسوية عادلة أو مناسبة أو ملائمة ، بيد أن البعض الآخر من الفقهاء يرون أن نص عبارة ” ملائما ” الواردة في الفقرة الأولي من المادة 36 مرتبطة بنص القانون الدولي و أن واضعي الميثاق لم يروا فارقا كبيرا بين القانون و العدالة .
على مجلس الأمن وهو يقدم توصياته وفقا لهذه المادة أن يراعي أيضاً أن المنازعات القانونية يجب على أطراف النزاع – بصفة عامة – أن يعرضوها على محكمة العدل الدولية وفقاً لأحكام النظام الأساسي لهذه المحكمة.
إن الصياغة الواضحة لنص الفقرة الأخيرة من المادة 36 ، التي لا يعوزها أي تفسير من المجتهدين ، لا تلزم المجلس بإحالة النزاع القانوني للمحكمة ، وكان نفر الكثر من الشراح مهدوا لها المسار المتاح لمصر أنه ” يوم الزينة ” ، و بالرغم أن عبارة ” وفقا لأحكام النظام الأساسي للمحكمة ” تمثل نذير شؤم للمصريين كونهم يدركون أن إثيوبيا “لو” كانت تقر بصلاحية المحكمة في الفصل في أي نزاع محتمل متعلق بتفسير أو تنفيذ اتفاقي اعلان المبادئ لسد النهضة لكانت ضمنت أي من محكمة العدل الدولية أو كليهما في المادة العاشرة من هذه الاتفاقية و المعنية بتسوية النزعات .
سبق للمجلس في شأن النزاع البريطاني المصري عام 1947 حول صلاحية المعاهدة المصرية البريطانية عام 1936 رفض إحالة النزاع الي المحكمة بالرغم من أن الطبيعة القانونية للنزاع كانت غالبة بل و سائدة. نخلص مما سلف بيانه بخصوص المادة 36 ، أن المجلس حين يوصي أطراف النزاع بما يراه ملائما من الإجراءات وطرق التسوية ، فانه يوصي بما ينبغي أن يظل دائما في اطار الوسائل السلمية دون أن يتعدي المجلس حدود المادة 36و الفصل السادس برمته باتخاذ اجراءات قمعية من أي نوع ، فالأخيرة ليست من المقاصد التي ابتغاها الفصل السادس ذاته .
سيلاحظ القارئ أن الدور الذي أنيط لمجلس الامن في شأن تسوية النزاعات بموجب الفصل السادس هو دور لا يرقي لوصفه بالدور الإيجابي في تسوية تلك النزاعات ، فجعل الفصل السادس الأصل في حل النزاعات للدول ذات السيادة أي أطراف النزاع انفسهم .
المادة 37
تنص الفقرة الاولي من المادة 37 علي : “إذا أخفقت الدول التي يقوم بينها نزاع من النوع المشار إليه في المادة 33 في حله بالوسائل المبينة في تلك المادة وجب عليها أن تعرضه على مجلس الأمن”.
أيضا تنص الفقرة الثانية من ذات المادة علي : ” إذا رأى مجلس الأمن أن استمرار هذا النزاع من شأنه في الواقع، أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي قرر ما إذا كان يقوم بعمل وفقاً للمادة 36 أو يوصي بما يراه ملائماً من شروط حل النزاع”.
تعد المادة 37 مكملة للمادة 33 ، ويستقي من نص المادة 37 أن الدول أطراف النزاع لا تستطيع أن تعرض الأمر علي المجلس إلا اذا نفذت أولا ما عليها من التزامات طبقا للمادة 33 ، حيث رسمت المادة الطريق للدول التي فشلت في حل نزاعها طبقا للمادة 33 عندما لا تكون الوسائل التي توسلت بها غير ناجعة لوصول لحل نهائي ، ويجب أيضا أن يكون من شأن استمرار النزاع تعريض السلم و الأمن الدوليين للخطر ، وبالرغم مما سلف فليس للمجلس وفق المادة 37 التصدي تلقائيا ex efficio ، حتي و لو أمكن أن يكون الإخطار من طرف واحد من أطراف النزاع .
بالرغم مما سلف بيانه في تحليل نص المادة 37 من الميثاق فقد سبق لإندونيسيا في عام 1946 أن نبهت مجلس الأمن للحالة في أوكرانيا ، ولم تكن طرفا في النزاع وفق صريح المادة 35 من ميثاق المنظمة ، فتمكن المجلس في عام 1949 بإصدار توصياته بشأن شروط الحل النهائي للنزاع عندما طلب من الاطراف التعاون مع لجنة الأمم المتحدة للمساعي الحميدة .
المادة 38
تنص المادة 38 علي :”لمجلس الأمن – إذا طلب إليه جميع المتنازعين ذلك – أن يقدم إليهم توصياته بقصد حل النزاع حلاً سلمياً، وذلك بدون إخلال بأحكام المواد من 33 إلى 37″.
يلعب مجلس الامن وفق نص المادة 38 دورا شبه تحكيمي عن طريق المساعي المخول له القيام بها كالوساطة و التوفيق بين المتنازعين وذلك في الأحوال التي لا يشكل فيها النزاع خطرا علي السلم، مستندا في ذلك علي وجود اتفاق خاص بين طرفي النزاع بشأن عرض النزاع عليه و القبول بالخضوع بما يراه ملائما من توصيات لحل النزاع ، وهنا نؤكد علي أن كافة التوصيات التي يصدرها مجلس الامن تأسيسا علي الفصل السادس محبل دراستنا لا تحوز الإلزامية الإنفاذية مقارنة بالقرارات التي يتخذها مجلس الأمن تأسيسا علي الفصل السابع من ميثاق منظمة الأمم المتحدة .
الآمال المصرية
تطمح مصر – دولة المصب لنهر النيل – من خلال تنبيهها لمجلس الامن لمنظمة الأمم المتحدة في الأول من مايو 2020 بالتطورات الخطيرة في مسيرة المفاوضات الماراثونية مع إثيوبيا تحديدًا ، استثارة اهتمام و قلق المجتمع الدولي بشكل عام ، و الإدارة الأمريكية بشكل خاص، بحسبانها المراقب الشريك مع البنك الدولي للإنشاء و التعمير، وبالنظر أيضا للجهود المهمة التي بذلتها الإدارة الأمريكية، في المساعدة ، و التسريع لطرح الاتفاق الفني النهائي الشامل و المعني بكل المسائل الفنية لتشغيل و لإدارة سد النهضة .
تأتي هذه الإحاطة أيضا بعد أن كانت مصر قد دولت نزاعها مع إثيوبيا أمام الجمعية العامة للمنظمة بواسطة الرئيس عبد الفتاح السيسي في الدورة الأخيرة للجمعية في سبتمبر عام 2019 ، ولكن لم تجد هذه الخطوة فتيلا في جذب اهتمام الجماعة الدولية للنظ بعين الاعتبار القلق المصري الكبير للتداعيات المختلفة للبناء و التشغيل الانفراديين للسد من جانب إثيوبيا .
الآمال الإثيوبية
الإحاطة المصرية لمجلس الأمن بالتطورات ، استتبعها الرد الرسمي الإثيوبي ، وذلك لإبراء ساحتها و تجلية الحقائق و الوقائع التي تراها إثيوبيا متفقة مع مبادئ القانون الدولي ، كما جاء في المذكرة الإثيوبية ذات العشرين صفحة ، و التي طالبت مجلس الامن أن يعممها علي الأعضاء، و يدونها وثيقة رسمية من وثائق المجلس تعبر عن الموقف الإثيوبي الرسمي بخصوص الأزمة المتفاقمة لكن المبتدأ و المنتهي للاستراتيجية الإثيوبية التي ما فتئت تتواتر و تتجاسر علي ترديدها ، أن بناء السد و تشغليه هو مسألة سيادية مطلقة لإثيوبيا ، ولن تتزعزع قيد أنملة عن تحقيق أكبر حلم للأجيال القائمةو القابلة الإثيوبية في بناء ذلك السد .
المآل
تأتي الإحاطة المصرية و الرد الإثيوبي لمجلس الأمن عليها ، في ضوء سلطة مجلس الأمن المكفولة له بموجب الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة لتسوية النزاعات بالوسائل السلمية غير القسرية علي أطراف النزاع . بالرغم من الدفوع المختلفة لأطراف النزاع ، و في الصدارة منها الدفوع القانونية التي تقدمها أطراف النزاع للمجلس، فالمجلس لا يرتهن أو يتقيد بالتوصيف و التسبيب المقدمين إليه رسميا من أطراف النزاع و للمجلس مطلق الحرية في أن يفحص ،أولا يفحص ما قدم إليه من أطراف النزاع ، وله أيضا أن يدرج أو لا يدرج ما قدره بأن النزاع المعروض علي المجلس من شأن استمراره أن يهدد السلم و الامن الدوليين ، و بالرغم من أن المجلس يتقيد بنصوص مواد الميثاق في كيفية تناوله لإحالات أو تنبيهات الدول ، لكنه في نهاية المطاف ، له المقياس الحكري و المتغير من حالة لحالة أخري دون أن تقيده في ذلك مبادئ القانون الدولي أو إرادات و آمال أطراف النزاع .
محال تناول أي قضية وطنية أو إقليمية أو دولية ، في ظل جائحة الجائحات الوبائية “كورونا ” ، دون الأخذ في الاعتبار التداعيات الخطيرة التي خلفتها الجائحة علي منظومة العمل الأممي ، و التي تجلت وتوجت بإخفاق مجلس الأمن في تبني قرار حاسم يتناول تأطير الجهود الدولية لمجابهة الجائحة الخطيرة.
ختامًا ، سيكشف قابل الأيام جدوي التحرك المصري الأخير ، وفي ضوء الرفض الحاسم السوداني للمطلب الإثيوبي المفاجئ بعقد اتفاق ” جزئي ” مع السودان فقط يتناول فقط قواعد الملء الأول لسد النهضة، وهو الرفض الذي ربما يعضد الموقف المصري الذي صار علي المحك .
البروفيسور أيمن سلامة ” أستاذ القانون الدولي العام – مصر، خاص لمركز خبراء “رياليست” الروسي.