قالت الولايات المتحدة إن تهيئة بيئة مواتية لإجراء الانتخابات في العراق في وقت لاحق هذا العام يشمل مواجهة الفصائل المسلحة المدعومة من إيران وأنشطة إيران لزعزعة الاستقرار في البلاد، والعناصر المتبقية من تنظيم “داعش”، وقال ريتشارد ميلز القائم بأعمال سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في اجتماع لمجلس الأمن بشأن العراق: إن أحد أبرز العوائق أمام تهيئة بيئة مواتية لإجراء انتخابات سلمية وشاملة وتمتاز بالمصداقية “هو وجود فصائل مسلحة ومتطرفين ومخربين”، طبقاً لوكالة “رويترز” للأنباء.
وأضاف ميلز “تضعف هذه الفصائل ثقة الناس في الحكومة وفي الانتخابات التي تًجرى في أكتوبر/تشرين الأول 2021. إنهم يقتلون المواطنين العراقيين ويحرمون العراق من المساعدات الاقتصادية والاستثمارات الأجنبية التي هو في أمس الحاجة إليها”.
استثمار الهجوم الصاروخي
سارعت الولايات المتحدة الأمريكية مباشرةً بعد الهجوم الصاروخي على مطار أربيل المدني، في كردستان العراق، إلى تضخيم هذا الملف بشكل كبير، على الرغم من أن عشرات الهجمات الصاروخية طالت مقر السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد، لكن لم تحظَ بهذا الاهتمام كما هجمات الأمس، الأمر الذي يدفع إلى عدة تساؤلات، منها، ما هو الهدف المباشر للاهتمام الأمريكي بهذا الاستهداف؟ وهل هو مقدمة للبقاء في العراق؟
لقد ساوت واشنطن بين الفصائل المسلحة المتواجدة في العراق وتنظيم داعش، وقالت إن كلاهما مخربين ومتطرفين، هؤلاء الفصائل لم يكن لهم وجود ما قبل العام 2003، إذ أن الولايات المتحدة شريكة بطريقة أو بأخرى في صناعتهم، حتى الوجود الإيراني الذي زاد وتغلغل وحقق توازن كبير مع العراق عقب مرحلة الحروب الأخيرة والتي كان آخرها حرب الثماني سنوات، فمصلحة طهران اليوم أن تحمي حدودها من خلال الإطباق على العراق، فكيف تريد أمريكا أن تضع يدها بيد الإيراني في الملف النووي، وتريد قطعها في ملفات أخرى؟!
إن الساحة الداخلية العراقية اليوم تعيش أسوأ أيامها، فالوجود الرسمي الأمريكي داخل العراق يذكر رقم 2400 جندي على الأقل دون التطرق للمسؤولين أو الدبلوماسيين أو حتى القوات الخاصة التي تتبع شركات أمنية مثل بلاك ووتر وغيرها، بينما الوجود الإيراني الرسمي لا أرقام حوله، لكن بحسب المعلومات أن قسم كبير من العراق موالٍ لها أكثر من العراق نفسه، ولديها القدرة على استخدامهم كما تشاء ووقت تشاء وأينما تريد، وبالتالي إن واشنطن تنافس إيران على العراق، فلا تستطيع تغيير الواقع الموجود، وإخراج طهران من المعادلة، لذلك ستلجأ للخطة البديلة، والتي قد تكون أن تطلب العراق نفسها خروج إيران من أراضيها وذلك عبر حل كل الأحزاب التي لديها حواضن شعبية مسلحة، وحل الحشد الشعبي، والبدء بسحب السلاح المتفلت بيد الكثير من الشعب العراقي، وهذا نظرياً، أما في مرحلة التطبيق، فسيتعين على بغداد، المطالبة بالمساعدة من الولايات المتحدة، لتنفيذ هذا الأمر، وهنا ستتأجج الفوضى والحرب الدموية بين أبناء الشعب العراقي، حتى يحين موعد التدخل الأمريكي لتهيئة الأجواء لصالحها.
ماذا عن الانتخابات؟
لقد تحدث ميلز عن الانتخابات العراقية المزمع إجرائها في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل من العام الجاري، أي بعد 7 أشهر من الآن، وهذا هو التمهيد الأول لبقاء القوات الأمريكية في العراق، فلا تتوفر الإرادة الأمريكية الحقيقية لتنفيذ هذا الأمر، كما لا تتواجد النية للخروج، ليكون سبب البقاء تطهير العراق من المخربين والمتطرفين، كما ذكر ميلز والذي يقصد أنهم الفصائل المسلحة الموالية لإيران، ليعيدنا إلى الفرضيات أعلاه ذاتها، لكن كيف تأكدت واشنطن من أن من نفذ الهجوم الصاروخي هو فصيل موالي لإيران؟ في حين ذكر البيت الأبيض أن إدارة الرئيس جو بايدن ما زالت تعمل على تحديد المسؤول عن هجوم صاروخي على القوات التي تقودها الولايات المتحدة في شمال العراق، وقالت جين ساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض في مؤتمر صحفي “ما زلنا نعمل من خلال التعاون مع شركائنا العراقيين لتحديد المسؤولية عن هذا الهجوم”، مشيرة إلى أن الإدارة “غاضبة” من هذا الهجوم.
هذا يعني أن منفذ الهجمات غير معروف حتى الآن، لكن الذرائع جاهزة حتى من قبل الهجوم، وبالتالي أحرج هذا الهجوم حكومة بغداد المركزية، خاصة وأن الولايات المتحدة شددت على مسألة الانتهاء من تنظيم داعش، ما يعني أن تهديده لا يزال قائماً، وهذا سيجعل مدة تواجد قوات التحالف الدولي أطول من المتوقع وبطلب عراقي لا بطلب أمريكي، لأن العراق كلما زادت الفوضى فيه، كلما تقرب أكثر من الولايات المتحدة، ليكون تثبيت البقاء الأمريكي في الأراضي العراقية، لغاية واحدة فقط وهي إخراج إيران من الأراضي العراقية، وبين هذا التناحر الذي لن ينتهي، وحده الشعب العراقي سيكون ضحية التجاذبات والمصالح الدولية على أرضه، فلا أمريكا تريد الخروج ولا إيران تريد الخروج، لتكون مدة الـ 7 أشهر حتى موعد الانتخابات مدة تحديد الأهداف وتنفيذها طبقاً للخطط الموضوعة سواء أمريكياً أو إيرانياً، لكن من الآن، يتوقع فشل هذه الانتخابات قبل أن تبدأ لأن تحضيرات إفشالها أوفر حظاً من حظوظ النجاح، وغداً لناظره قريب.
أخيراً، إن المشهد العراقي عاد إلى مربع التعقيدات ما بعد العام 2003، والتي هي الانقسام الكبير وكثرة الولاءات للقوى الخارجية وفي مقدمتها إيران والولايات المتحدة، فخروجهما من المشهد هو من سيحقق الاستقرار والأمن، لكن ذلك غير ممكن ولن تتوفر بوجودهما أية ظروف مواتية لإنجاح أي مشروع سياسي أو اقتصادي في الداخل العراقي، ليبقى العراق قابعاً تحت سلطة أجنبية، تتحكم فيه كما تريد، فالسيادة التي يتحدث عنها بادين ليست موجودة ولن تكون ما دام العراق الأرض الخصبة لتصفية حسابات كل من واشنطن وطهران.
فريق عمل “رياليست”.