باريس – (رياليست عربي): بعد نجاح دولة قطر في تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم في العام الماضي 2022، والذي شهد معدل إنفاق مالي قياسي فاق الـ 200مليار دولار أمريكي، نشاهد اليوم تزايد وتصاعد حمى الاستثمار الرياضي بشكل مطرد، يضرب الساحة الرياضية العالمية، تقوده دول غنية لمنافسة الغرب بشدة في هذا القطاع، بل أصبحت مصدر تهديد وإزعاج الدول الكبرى العريقة في هذا المجال مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا.
وتعد الاستثمارات الرياضية في الوطن العربي بمثابة «الكنز» الذي لا يقدر بثمن رغم المعاناة والمشاكل وعدم استغلال الثروات العربية، ويساهم القطاع الرياضي العربي بطريقة مباشرة وغير مباشرة في الناتج القومي المحلي، وتصل إلى أكثر من 32 مليار دولار سنوياً في الناتج المحلي الإجمالي للوطن العربي، من أصل 700 مليار دولار هي إجمالي حجم الاستثمارات العالمية.
بداية القصة
كانت البداية في عام 1997 حين قام الملياردير المصري محمد الفايد بشراء نادي فولهام بمبلغ 7.5 مليون دولار أمريكي، والذي قام ببيعه بمبلغ 185 مليون دولار أمريكي لرجل الأعمال الباكستاني شهيد خان، وذلك في عام 2013.
حيث شهدت الأعوام الـ 15 الماضية، تنافساً عربياً غير مسبوق على الاستثمار في أندية كرة القدم الأوروبية، مع دخول صناديق سيادية حكومية في هذا السباق.
وبعد التحول الكامل لأندية أوروبا إلى الاحتراف، وزيادة الإيرادات من حقوق الرعاية، والبث التلفزيوني، باتت فرق كرة القدم اسثماراً مغرياً لرجال الأعمال حول العالم، ما دفع بعديد الأثرياء من الولايات المتحدة، ودول آسيا وأوروبا، إلى التوجه نحو هذا المجال.
وخلال السنوات الماضية دخل مستثمرون من دول خليجية وعربية مقربون من حكوماتهم (رجال أعمال أو شيوخ وأمراء)، بشكل لافت في الاستثمار الرياضي، إما عبر صناديق سيادية، أو بشكل فردي.
أبرز الأندية التي يمتلكها عرب:
نيوكاسل يونايتد يمتلكه صندوق الاستثمار السعودي.
شيفيلد يونايتد، عبد الله بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود.
ليرس البلجيكي و إيرجوتليس اليوناني رجل الأعمال المصري ماجد سامي.
ألميريا الإسباني تركي آل الشيخ.
أستون فيلا المصري ناصف ساويرس.
ملجا عبد الله آل ثاني.
هال سيتي المصري عاصم علام.
باريس سان جيرمان القطري ناصر الخليفي.
مانشستر سيتي منصور بن زايد آل نهيان.
فوائد وعوائد الاستثمار الرياضي
ورغم أن الاستثمارات الرياضية يُنظر أحياناً على أنها وسيلة لتنويع مصادر دخل دول كثيرة في سعيها إلى تعزيز مصادر الإيرادات غير التقليدية، فمن المؤكد أن تلك الدول “لا تشتري فرقاً رياضية لكسب المال”، حيث تشير الإحصاءات أن “عائداتها المالية ليست دائماً أرباحاً.
ولكن الاستثمارات الرياضية “أداة قوة ناعمة” للدول الغنية، حيث يتم استخدامها لـ “تعزيز الصور العالمية لكثير من الدول، وتطوير علاقاتها مع الدول، وكسب قلوب ومشاعر الشعوب الأخرى.
” الدبلوماسية الشعبية “
أما المساهمة الاقتصادية الأبرز للاستثمارات الرياضية فتتمثل في “زيادة مكاسب أخري مثل السياحة والترويج للعلامات التجارية”، خاصة وأن أرقام السياحة ارتفعت بجميع تلك الدول الغنية في السنوات الأخيرة، ومن المؤكد أن الاستحواذ على أفضل فرق كرة القدم في العالم ساعد في تحقق ذلك.
و أن “العلامات التجارية على قمصان الفرق الرياضية والملاعب يمكنها أن تساعد الشركات المملوكة لتلك الدول، على زيادة إيراداتها”، ومثال ذلك الخطوط الجوية القطرية وطيران الإمارات.
وفي السياق، جاء استكشاف عدد من الدول الغنية لما يمكن أن تمثله “الرياضات الإلكترونية” من تأثير في تعزيز قوتها الناعمة، وبدأت بالاستثمار في الرياضة عبر الإنترنت.
فعلى سبيل المثال، اشترت مجموعة Savvy Gaming Group في السعودية شركتين أوروبيتين لتنظيم الألعاب الإلكترونية مقابل 1.5 مليار دولار في يناير/كانون الثاني الماضي، فيما نقلت تقارير غربية عن أحد الأمراء السعوديين أن المملكة ستساهم بمبلغ 21.3 مليار دولار، أو1% من إجمالي الناتج المحلي السنوي للمملكة في استثمارات الرياضات الإلكترونية بحلول عام 2030.
وإزاء ذلك، تتنافس دول الخليج على تحقيق انتصارات عبر الاستحواذ على شركات الألعاب وتنظيم بطولات إلكترونية.
لذا: “الاستثمار في الرياضة يمثل استراتيجية مبتكرة استخدمتها دول كثيرة لتعزيز قوتها الناعمة” إقليمياً ودولياً.
تتعاظم طموحات الدول الخليجية الاستثمارية بقدر تعاظم فوائض النفط، وتسعى لاقتناص الفرص الاستثمارية المميزة في أرجاء العالم، رغبة في تنويع موارد الدخل واستعداداً لمرحلة ما بعد النفط، مدعومين بالانتعاش الراهن لاقتصاداتهم التي تسير في مسار معاكس لمعظم اقتصادات الدول الكبرى التي تعاني من أزمات اقتصادية ضاغطة، وبالطبع فإن الاستثمار في لعبة الأضواء الكبرى يُشكّل إغراءً لا يُضاهى؛ فهي اللعبة الشعبية الأولى في العالم، والجنون بها في تعاظم من جيل لجيل.
المخاطر والتهديدات
إن عوائد وأرباح الاستثمار الرياضي في الغرب يقوم في الأساس على المراهنات، وهو أمر غير مسموح به في معظم البلاد العربية، لذا على المستثمرين إيجاد ادوات مبتكرة والتفكير خارج الصندوق لتعظيم موارد وعوائد تلك الاستثمارات، وخاصة البنية التحتية الرياضية، والاستفادة من التجربة الأوروبية في الاستفادة من إفريقيا في هذا القطاع الذي حققت أوروبا منه عوائد هائلة.
الغرب لن يترك الأمور تسير على ذلك النحو بعد أن هددت الأموال العربية صناعة كرة القدم الأوروبية بشراء أهم وأفضل لاعبي العالم، لذا يلزم الانتباه والحرص من تعديل قواعد الاستثمار لتضييق الخناق على المستثمرين العرب للاستفادة وتحقيق نجاحات في هذا القطاع، خاصة بعد ارتفاع أصوات بعض المسؤولين في الأندية الأوروبية تندد وتشتكي من انتقال اللاعبين من أوروبا في اتجاه الدول العربية.
المفاهيم الرياضية السليمة، تقوم على أن الرياضة تنافس شريف، بعيداً عن التعصب الأعمى، فالرياضة وسيلة لتقارب الشعوب، وليس لبث روح الكراهية، لذا، يلزم الانتباه جيداً والحذر من المنافسة الرياضية تنقلب الي تنافر وكراهية، وليس تقارب وتفاهم.
الاستثمار الرياضي ليس فقط صناعة، ولكن هو أيضاً تراكم خبرات وتجارب وعلم، لذا: يجب الاخذ بالأساليب والعلمية في هذا القطاع، مالياً وإدارياً ودعاية وترويج، لتكن سياسة دولة، ومجموعة من السياسات والحزمة قوانين ولوائح يمهد المناخ الجاذب لتلك الصناعة، بعيداً عن المجاملات والمحسوبية.
الاستثمار الرياضي، لا يقتصر فقط على كرة القدم، فهناك أنواع أخرى يمكن الاستثمار فيها وتحقيق نجاحات جيدة، سواء ألعاب جماعية أو فردية، ولكن المطلوب هو الاستمرار والنفس الطويل والاستفادة من الخبرات والتجارب الذاتية ومن الأخرين، ومثال على ذلك: حاولت بعض الدول في تنظيم بطولات تنس ولم تنجح في منافسة البطولات الكبرى الأخرى “الجرائد سلام” رغم ضخامة جوائزها المالية الضخمة، ولكن عدم وجود قاعدة شعبية كبيرة في تلك الدول لعدم وجود أبطال ذو شهرة عالمية، وهو الأمر الذي يساعد على توسيع القاعدة الشعبية لها، وبالتالي تحقيق العائد المنظور وغير المنظور من تلك الاستثمارات.
لذا يلزم: المراجعة، والتقييم لأحداث التطوير، وضرورة استحداث مراصد ومؤشرات خاصة بالاستثمار الرياضي، يأخذ في الحسبان معيار التقارب والتسامح والتعاون بين أفراد الوطن والدول، خاصة مع تصاعد الاحتقان والعنف “الكراهية” بين مشجعي الفرق سواء على النطاق المحلي، أو الإقليمي أ و الدولي (وما أكثر الأمثلة على ذلك)، وهو الأمر الذي يهدد الأمن والسلم الداخلي لبعض الدول، وأيضاً بين الدول وبعضها، وهو المرفوض تماماً من الجميع.
كرة القدم أفيون الشعوب
كارل ماركوس مؤسس الفكر الماركسي قال بأن “الدين أفيون الشعوب” … فهل ، أصبحت اليوم رياضة كرة القدم بحق هي “أفيون الشعوب”، وهي المخدر الفعال لتغيب وإلهاء الشعوب عن أوضاعهم وظروفهم: السياسية والاقتصادية والاجتماعية، سواء في المجتمعات الغنية أو الفقيرة، المتقدمة والمتخلفة سواء، وبقليل من التفكير : زمن المباراة حوالي ساعتين، يسبقها نصف ساعة على الأقل تقديم لها، ثم نفس الزمن للتعليق والتحليل الفني لها عقب النهاية، ليصبح الإجمالي حوالي 3 ساعات للمباراة الواحدة، فإذا شاهد المشجع مباراتين، كان الزمن أهم 6 ساعات، فضلاً عن المناقشات والتعليقات والمشاحنات!
فهل، نحن نثبت ونبرهن حقاً أن الكرة الأرضية كروية!!!… ومن أجل العمل والإنتاج والتقدم، هل يمكن تقليل زمن عمر مباراة كرة القدم ليصبح 60 أو 50 دقيقة على شوطين، لتوفير واقتصاد بعض الوقت للعمل والإنتاج … مجرد رأي.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر.