باريس – (رياليست عربي): ترددت كثيراً في كتابة هذا المقال، فمنذ بداية اندلاع الضربات والغارات، والاجتياح العسكري للفلسطينيين من سكان قطاع غزة والضفة الغربية منذ يوم السابع من أكتوبر من العام الفائت، ومشاهدة القتلى والضحايا والمصابين والآلاف من النازحين الذين أصبحوا بين ليلة وضحاها مشردين ونازحين من ساكني المخيمات بلا مأوى تحميهم من هذا الهلاك، على مرأى ومسمع العالم كله بلا استثناء، وفي مشهد غريب، أصابني، كما أظن أنه أصاب الملايين غيري بحالة من الإحباط وعدم الثقة والشك في كثير من الأشياء التي تحيط بنا في هذه الحقبة، هي من أسوأ فترات التاريخ الإنساني الحديث.
الكل واقف مكتوف الأيدي، مشلول أمام هذا الدمار الهائل، والأمور تزداد لحظة بلحظة من سيء إلى أسوأ، ومن دمار إلى دمار، والكل يتساءل متى النهاية لهذا الوضع الدموي المأساوي؟ وهل هناك نهاية؟
أم أن الصراع سيزداد ويتسع؟ ليصل إلى سيناريوهات أخرى لا نعلمها؟
هناك اشتباكات ومناوشات من الحوثيين في اليمن، والحشد الشعبي في العراق وسوريا، وحزب الله في لبنان (أذرع إيرانية) وعدنا إلى مسلسل الاغتيالات والتصفية المسلحة، ووعود بالرد والانتقام، أي مزيد من القتل والضحايا، وتدور المنطقة في دائرة من الصراع المسلح لا نهاية له، وهو دليل على بدء تفعيل نشاط الخونة، وهو السلاح السحري الذي انتصرت به إسرائيل في حروبها السابقة ضد مصر والعرب عند طريق تجنيد الخونة والعملاء، فبدونهم لم يكن لها وجود أو دولة، واسألوا التاريخ حول كيف سقطت بغداد، وكيف سقطت عكا والمدن الإسلامية في الشام والأندلس، وسألوا عن العلقمي وزير المعتصم، وعن والي عكا في فيلم صلاح الدين، العبقري يوسف شاهين.
لماذا جنوب أفريقيا؟
تقدمت حكومة جنوب إفريقيا بدعوى إلى محكمة العدل الدولية ضد الكيان الصهيوني بتهمة التطهير العرقي قبل الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، وهي خطوة نقف وننحني أمامها وتقديم كل الشكر والتحية إلى دولة جنوب أفريقيا والتي تبعد عشرات من آلاف الكيلومترات عن غزة والأراضي الفلسطينية، ولكن هناك كثير من الناس يسألون لماذا قامت جنوب أفريقيا بهذه الخطوة وليس الدول العربية أو الإسلامية؟ الإجابة لديكم السادة القراء الكرام.
هل هو صراع أمريكي إيراني؟
هل الغزو العسكري الشرس لقطاع غزة، وامتداده إلى مناطق أخرى في سوريا والعراق والبحر الأحمر، بل وإلى انفجارات في داخل إيران، والتي ينتظر امتدادها إلى مناطق أخرى من دول المنطقة إذا استمرت الحرب هكذا لمدة أطول وازدادت وتصاعدت وتيرة ووحشية الحرب، وذلك في ضوء التصريحات التي تصدر بخصوص تهجير سكان قطاع غزة، أو إدارته، أو إعادة احتلاله، أو السيطرة علي ممر فيلادلفيا، وهو الخط الفاصل بين مصر وقطاع غزة والبالغ طوله ما يقرب من 14 كيلو متر، فهل هو صراع فلسطيني إسرائيلي؟ أم أنه صراع أمريكي إيراني، بوكالة إسرائيلية، ضد الأذرع الإيرانية المسلحة في اليمن وسوريا والعراق؟ للقضاء عليها أو الإحباط من قدراتها تماماً، ثم تأتي الخطوة التالية والهدف الأساسي وهو القضاء على النظام الإيراني المعادي لأمريكا والكيان الصهيوني، وبتحقق هذا السيناريو سوف يصبح من السهل الانتقال إلى الهدف الاستراتيجي، والمستهدف لأمريكا وحلفائها بالسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، ودحر النفوذ الروسي والقضاء عليه تماماً في هذه المنطقة التي تتمتع بقدرات هائلة واعدة، وتمتلك تخمة في الأموال والثروات، في أزمة مالية واقتصادية عالمية طاحنة، تعاني منها الدول الغنية قبل الفقيرة، وبعد فشل السياسة الأمريكية الصهيونية في إشعال صراع مسلح بين إيران ودول الخليج، أو بين السنة والشيعة، والذي استمر لسنوات طويلة ومنذ أزمة الرهائن الأمريكيين واحتلال السفارة الأمريكية في طهران عام 1979، وأيضاً في ظل التقارب الإيراني السعودي التي شهدت تقدم وتحسن ملحوظ خلال العامين الماضيين.
آل دحدوح.. قصة وطن
ظهر بالأمس وائل على شاشات التلفاز ممسكاً بيد ابنه حمزة، ينعيه بعد أن لقي حتفه بضربة صاروخية هو وأحد زملائه الآخرين، رابط الجأش حزيناً متألماً، كبقية أهالي الشهداء والضحايا والمصابين،
هذا المشهد جعل الكثير وأنا منهم نذرف الدموع، وهي التي نملكها، فليس لدينا ما نفعله أو نقوم به، سوى الحزن والمواساة والدعاء ..
فلم يعد وائل دحدوح صحفي فقد كثير من أفراد أسرته، بل أصبح قصة لوطن تم سرقته، والآن يجري محوه من التاريخ، وسط صمت عالمي رهيب أشبه بالتواطؤ والمؤامرة، ولكن صمود وائل الدحدوح
أمام كل هذه المصائب، فهو يجسد قصة وطنه فلسطين، يعطينا الأمل بالنصر القريب، وقريب جداً، وهناك من يقول أي نصر في ظل هذا الدمار المستمر والمتواصل منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وعدم التكافؤ بين طرفي الصراع؟ أقول لهم، إن كافة انتصارات المسلمين كانت وهم أقل عدداً وعدة وعتاد، قال تعالى “وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله”، وقال أيضاً، “ولقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم”.. إن نصر الله قريب.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر – باريس.