باريس – (رياليست عربي): منذ مساء الثلاثاء الماضي الموافق 27 من شهر يونيو، والاحتجاجات والعنف يجتاج ضواحي العاصمة باريس، وكذلك عدة مدن كبرى أخرى، مارسيليا وليون، وذلك عقب مقتل شاب يبلغ 17 عاماً بعد إطلاق النار علية من قبل شرطي، عقب عدم امتثال القتيل لتعليمات الشرطي، ومحاولة الفرار من الشرطة.
وقد قطع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارة عمل بالعاصمة البلجيكية بروكسل والعودة على عجل عقب تفاقم الأوضاع وتصاعد حدة الاحتجاجات والمظاهرات وأعمال العنف ضد الشرطة و الممتلكات العامة والخاصة ووسائل المواصلات، والتي حققت خسائر كبيرة حتى الان، ومما اضطر الحكومة الاستعانة بأكثر من 45 ألف من رجال الأمن، ومئات العربات المدرعة والمصفحات.
تساؤلات وعلامات استفهام كثيرة حول تلك الأحداث الفردية التي تؤدي إلى تطورات وأوضاع لم تكن في الحسبان وغير متوقعة تماماً.
هل المشكلة هي مقتل شاب مراهق في مقتبل العمر؟
هل يحق الشرطي قانونياً إطلاق النار لعدم الامتثال للتعليمات؟
أم هي بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يعاني منها الشباب وسكان المناطق الأقل حظا من العاصمة باريس والمدن الكبرى، وفقدان هؤلاء الشباب الأمل في المستقبل؟
هل هي نتاج ضغط العمل والمهام الأمنية الثقيلة التي يقوم بها رجال الشرطة؟ والذي نراهم في كل الأماكن والمحافل والتجمعات، حتى أنها وصلت إلى المناسبات الخاصة؟
هل لو حدث العكس، وأن رجل الشرطة هو الذي قتل من قبل هذا الشاب؟ هل كانت ستقع تلك المظاهرات والاحتجاجات الدموية، كما نشاهد اليوم؟
هل هي أزمة شرطية؟ أم أنها سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وسياسات استقبال المهاجرين والنازحين التي أخلت بالتركيبة الاجتماعية للدولة واصبحت مشكلة إقليمية ودولية؟ وتساؤلات أخرى كثيرة.
دعونا نتفق أن تلك التصرفات بين الشرطة والمواطنين تحدث بشكل متكرر في كل بلاد العالم، حدثت، وتحدث وسوف تحدث.
ولكن السؤال الأهم، هل الخلل والعيب في القانون؟ أم أنه سوء فهم واستخدام للقانون؟ أم هو مزاجية تطبيق القانون (تطبيق القانون على فئة، دون فئات أخرى)؟ أم هو ان القوانين توضع وتسن لصالح فئة دون باقي فئات المجتمع، أو على حساب فئات أخرى؟
والإجابة على هذا التساؤلات يحتاج الي متسع من الوقت، ولكن، بفرض أن هناك عيب في القانون!
ولكن المؤكد أن الخلل والعيب هو في سوء تطبيق واستخدام القانون، أن القانون مواد مكتوبة على الورق، ولكي تصبح حقيقة على أرض الواقع، عند التطبيق والتنفيذ.
وببساطة فإن المسؤول عن تطبيق القانون هم بشر، والخطأ البشري وارد ويحتمل في زمان ومكان، هذا بخلاف أن معاني ومفاهيم القانون، أحياناً تكون مرنة و مطاطة (وما أكثر من ترزية القوانين)، وأيضاً هناك آخرين يستخدمون معاني أخرى مثل روح القانون، مغزى، وهدف القانون، واللوائح التنفيذية والتفسيرية، وغيرها من المعاني القانونية، نتركها لأهل القانون الكرام، وإنما هذا يؤكد أنه طالما سارت الأمور دون تغير فسوف تبقى النتائج كما هي، بالمنطق والعقل، وأيضاً بالتاريخ، هذه الأحداث وقعت في دول كثيرة ونتج عنها أحداث جسام، بل وقامت ثورات وتغيرات وكانت باهظة التكاليف .
لذا، اقترح:
أولاً، أن تقوم الأجهزة الشرطية، وخاصة في أيام الأزمات الاقتصادية والانفلات الأخلاقي والسياسي والاجتماعي الذي تمر به مناطق كثيرة حول العالم، التقليل والأبعاد عن الاحتكاك المباشر مع المواطنين، والتوسع في استخدام التكنولوجيا والتقنيات الحديثة مثل كاميرات المراقبة والتتبع، لتقليل الاعتماد على العنصر البشري بقدر كبير، والحكمة تقول” إن الحرائق تأتي من مستصغر الشرر”.
ثانياً، ضرورة تناول بعض مواد القانون (خاصة التي تتعلق بالسلوك والطريق العام وحقوق وواجبات العلاقة بين رجل الشرطة: ممثل الدولة والمواطن).
ثالثاً، العناية الكافية في انتقاء واختيار عنصر الشرطة نفسياً وسلوكياً من بداية الاستقطاب وأثناء الخدمة بشكل مستمر ومتواصل.
رابعاً، تقليل مهام والمسؤوليات المنوط لجهاز الشرطة القيام بها، فهم بشر لهم ظروفهم وأحوالهم النفسية والاجتماعية والأسرية والشخصية، فالحمل والضغط الزائد يؤدي إلى نتائج غير مرجوه.
جهاز إنذار مبكر
أيها المسؤول: سياسي أو اقتصادي أو في أي موقع كان أو زمان، ليس بالأمن وحده يستتب الأمن، وليس بالأمن والقوة المفرطة، وحده تحيا الشعوب، وتستقر الأمم، هناك أمور أخرى كثيرة، إذ لم تدرها مبكراً، وقبل أن تقع، فلا تلوموا إلا أنفسكم، و بنبرة يوسف وهبي المسرحية ” “أفق سيدي الدوق”، فللأسف من يدفع تكاليف خطياكم هم الفقراء والمساكين والمهمشين، إن الشعوب تأن من غطرسة وغرور واستعلاء والاستهتار بمقدرات وأحوال المواطنين، فالحكم والقيادة مسئولية عضال، يهرب منها العقلاء والحكماء “أفيقوا يرحمكم الله”.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر – فرنسا.