أعلن المبعوث الروسي الخاص إلى أفغانستان زامير كابولوف أن بلاده تتوقع عقد جولة جديدة من المشاورات حول أفغانستان في وقت لاحق من الشهر الجاري مع كل من الصين والولايات المتحدة وباكستان على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وقال كابولوف، للأناضول، إننا “نقدم المساعدة الدبلوماسية”، متعهدًا بإجراء مشاورات مع الجانبين، وكذلك مع الشركاء الإقليميين لإعادة التفاوض. وخلال الاجتماع المرتقب، تأمل روسيا في مساعدة الولايات المتحدة، وحركة “طالبان” في التغلب على هذا المأزق، في أعقاب قيام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بإلغاء المحادثات في “كامب ديفيد” مع “طالبان” والحكومة الأفغانية مؤخراً، التي كانت تبدو في طريقها إلى التوصل لاتفاق.
فشل المفاوضات
بدأت المفاوضات الأمريكية مع طالبان منذ نحو عام بهدف إنسحاب القوات الأمريكية الموجودة في أفغانستان منذ نحو 18 عاما، إلى جانب إلغاء ترامب لخطة سرية تتمثل في التفاوض مع قادة طالبان بشكل مباشر في منتجع كامب ديفيد الرئاسي، على خلفية مقتل جندي أمريكي في أفغانستان، فضلا عن نشر فيديو لتنظيم القاعدة يدعو فيه إلى شن هجمات ضد المصالح الأميركية والأوروبية والإسرائيلية والروسية بحسب مركز سايت الأمريكي.
غداة الإعلان الأمريكي فشل المفاوضات، توعدت حركة طالبان مواصلة القتال ضد القوات الأمريكية، مهددين الولايات المتحدة بانها ستندم على إلغاء المفاوضات، طبقا لما قاله المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد إنه “كان لدينا طريقان لإنهاء احتلال أفغانستان، الأول الجهاد والقتال، والثاني المحادثات والمفاوضات”، فمع وقف الطريق الأول أي المفاوضات، لم يتبقَّ للحركة إلا المواصلة في الطريق الأول أي القتال.
حرب بلا نهاية
أثار إعلان الرئيس ترامب عقد لقاء مع زعماء طالبان قبيل أيام قليلة من ذكرى الحادي عشر من سبتمبر/أيلول سخطا شعبيا واسعا في الولايات المتحدة، خاصة في الدوائر الإعلامية والسياسية، لعل أبرزها إقالة جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق على خلفية رفضه الدخول في مفاوضات مع حركة طالبان الإرهابية، كما أشيع.
فكان من أهم بنود حملة ترامب الانتخابية هو الانسحاب من أفغانستان، معتبرا أنها من أطول الحروب الخارجية للولايات المتحدة، ومع إستلامه للرئاسة أراد تحقيق إنتصار مرسلا المزيد من القوات الأمريكية إلى هناك، ومن ثم يحقق الانسحاب الذي وعد به، إلا أن هذا الأمر لم يكن قرارا منه بل بضغط من مسؤولي الدولة العميقة، فحتى الآن وبعد مضي ثلاث سنوات على إستلامه الحكم وإقترابه من الانتخابات الرئاسية في أواخر العام 2020، لم يفِ ترامب بوعده ولم يحقق إنتصاره المنشود.
ذريعة واهية
إن تذرّع الرئيس الأمريكي حول فشل المفاوضات مع طالبان بسبب مقتل جندي أمريكي، سببا غير صحيح، فالمفاوضات إستمرت عاما كاملا تقريبا، فلقد قتل حوالي 15 جنديا أمريكيا في العام 2019 بهجمات من طالبان، دون أن يؤثر ذلك على مسار المفاوضات التي تبنتها العاصمة القطرية الدوحة، ولعل السبب الأبرز لفشل المفاوضات تمسك طالبان بالإعلان عن المفاوضات وألا تبقى سرية بيد الأمريكيين، وهذا ما رفضته واشنطن، فضلا عن إصرار الرئيس أشرف غني على الانتخابات الرئاسية الأمر الذي رفضته أيضا الإدارة الأمريكية خشية من تجدد الخلافات والإقتتال الطائفي إن جرى في الموعد المقرر له أي في 28 سبتمبر/ أيلول 2019.
المثير في الأمر هنا، هو أن طالبان أصبحت قبلة لراسمي السياسات في موسكو و واشنطن من أجل تنفيذ خططهم الأمنية و الإقتصادية في منطقة آسيا الوسطى.فالإتحاد الروسي يقيم إتصالات قوية مع حركة طالبان منذ فترة ليست قصيرة، و يتواجد بشكل شبه دائم في موسكو ممثلين لهذه الحركة، بالإضافة إلى مساعي موسكو الأخيرة لعقد لقاء حول أفغانستان بين واشنطن، بكين، إسلام آباد و موسكو من أجل الجلوس مرة أخرى على طاولة المفاوضات. و هذه المساعي الروسية تهدف إلى زيادة الضغط على الولايات المتحدة من أجل قبول شروط طالبان في الإنسحاب الأميركي، و أشركت كل من الصين بصفتها دولة ذات إهتمامات جيوإقتصادية متصلة بطريق الحرير في هذه المنطقة. و بذلك نكون أمام إعتراف رسمي من جانب أقوى دولتين في العالم بشرعية هذه الحركة التي إعتبروها على مدى السنوات الماضية حركة إرهابية. فالكرملين يسعى إلى التأثير على سياسات هذه الحركة من خلال تقديم دعم دبلوماسي و مخابراتي لها من أجل العمل سويا في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق الشمالية الأفغانية، و من أجل تشجيع حركة طالبان للتخلص من الوجود الأميركي في أفغانستان، و هذه العلاقات القوية بين طالبان و موسكو هي التي دفعت البيت الأبيض للجلوس على مائدة واحدة مع الحركة التي بدأت بسببها الحرب ضد أفغانستان قبل ما يقرب من عشرون عاماً.