وافق الليبيون المشاركون في عملية سلام ترعاها الأمم المتحدة على آلية لاختيار حكومة جديدة مؤقتة للإشراف على الفترة السابقة للانتخابات المقررة هذا العام، أملاً في تفادي فشلها بسبب التنافس بين الفصائل، يأتي ذلك في أعقاب مفاوضات دامت لأسابيع بعدما وضع حوار سياسي استضافته تونس في نوفمبر/ تشرين الثاني وشارك فيه 75 ليبياً اختارتهم بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، خارطة طريق صوب الانتخابات لكنه أخفق في الاتفاق على كيفية تشكيل حكومة مؤقتة، طبقاً لوكالة “رويترز” للأنباء.
واقترحت لجنة أصغر من أعضاء الحوار السياسي كانت قد اجتمعت في جنيف الأسبوع الماضي آلية اختيار حكومة انتقالية، وصوتت الهيئة بأكملها على الأمر، ويعني ذلك أن المجموعة ستعمل قريباً على ترشيح واختيار حكومة موحدة للإعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 24 ديسمبر/ كانون الأول، وهي عملية تخيم عليها احتمالات الخلافات المريرة، طبقاً لذات المصدر.
ماذا ينتظر ليبيا؟ وهل فعلاً أنجزت الأمم المتحدة دورها المطلوب؟ وهل سيتم التوافق على الأسماء المقترحة من جانب القيادتين الغربية والشرقية؟
هدوء ما قبل العاصفة
بالشكل العام إن الاتفاق وبعد عشر سنوات من الخلافات والاقتتال الدموي، الذي جعل من الأراضي الليبية مسرحاً لجميع القوى الخارجية لأن تطبق عليها وعلى ثرواتها، من خلال الإسهام في التهدئة ظاهرياً، وتأجيج الصراع في الخفاء، إذ أن ورقة الأمم المتحدة للتعيينات الحكومية تبدو جاهزة منذ بدء ملتقى تونس للحوار السياسي الوطني حول ليبيا ، هذا الهدوء الحذر ليس أكثر من هدوء ما قبل العاصفة، التي ستشتعل في أية لحظة، على خلفية الزج بالتيارات الإسلامية ضمن قائمة الأسماء المرشحة للانتخابات القادمة في ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
هذا الأمر من شأنه أنه سيؤجج الصراع لا أن ينهي الخلاف القائم، بالتالي إن الشكل المرسوم لخارطة الطريق التي تقول الأمم المتحدة إنها باتت جاهزة وأن الفريقين ذللوا كل الصعوبات القائمة، ما هو إلا هدنة أو على الأقل استراحة محارب لأن الصراع سيتجدد إن لم يكن اليوم، فغداً لناظره قريب.
بناء مصدّع
إن الأمم المتحدة نفذت دورها كما هي الأجندة المتبعة تفصيلياً، وجاء المبعوث الأممي الجديد يان كوبيش لينفذ المرحلة القادمة بكامل تفاصيلها، وبالتالي، يمكن القول أن المنظمة أدت المطلوب منها، لا بل ألزمت الفريقين على القبول والإذعان للمطالب الغربية، لكن كل هذا الأداء كان مرتبطاً بإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، ليبقى السؤال المهم اليوم، هل ستواصل الإدارة الجديدة الخطوات ذاتها؟
دبلوماسياً، تحاول الأمم المتحدة اليوم إبراز نفسها بعدما فقدت زخمها كمنظمة تُعنى بفض النزاعات وتقريب وجهات النظر، وتصب كامل جهودها على الواقع الليبي، لكنها لم تُراعِ عامل أن القيادة الشرقية لا يمكن أن تمرر أي توافق خارج إرادتها خاصة لجهة الأسماء المقترحة، ومن الآن إلى ديسمبر/ كانون الأول المقبل، لا يمكن تأكيد أن نسف هذه الجهود غير قائم، إذ أن احتمالات تخريب الجهود قائمة ومرجحة لأن تأخذ منحىً أكثر زخماً وقوة مما تعتقد الأمم المتحدة، خاصة وأن أطراف دولية كثيرة تتقاذف الاهتمامات انطلاقاَ من الدولة شمال أفريقية، كما حصل مع حلف شمال الأطلسي – الناتو وروسيا حول مسالة قوات “فاغنر” مؤخراً.
لماذا الإصرار الغربي على التيارات الإسلامية؟
من المعروف أن تيارات الإسلام السياسي في غالبيتها هي صنيعة غربية، إذا ما استثنينا منها التيارات ذات الطابع الإرهابي، المتلطية خلف الدين، ما يعني أن الصانع هو الداعم وهذا أمر منطقي، فالغرب يستطيع تحويلهم إلى أدوات تنفيذية لأي مخطط غربي، ويستطيع تحويلهم إلى شخصيات سياسية فاعلة يشركونها في الحكم ليكون التحكم بها أمراً يسيراً، لضمان عدم الانقلاب عليه وبالتالي ينشط هذا النوع بين أجسام حكومة الوفاق ذات الشرعية الممنوحة لها على المستوى الدولي، وتتحالف معها قوى دولية أحزابها الحاكمة ذات صبغة “إسلامية” وتحديداً “الإخوان المسلمين”، وبالتالي، كان لهذا التحالف الآثار المدمرة على الواقع الليبي وعلى كافة المستويات.
هذا الأمر لا يمكن لمن رهن نفسه لحماية الشعب الليبي أن يقبل به وبالتحديد القيادة الشرقية لأن التوافق وإنهاء الخلافات سيفتح الطريق أمام القوى الأجنبية للوصول إلى سرت والجفرة، والإطباق عليهما يعني خسارة المنطقة الشرقية لصالح الغرب، فيجب كل الحذر لأن الغرب، لم يحمل يوماً أجندة أنهت أية نزاعات وعراق 2003 وما بعد خير دليل على التدخل الغربي.
أخيراً، إن الجميع يأمل في أن تنتهي الأزمة الليبية بما فيه الخير لصالح شعبها، لكن وعلى خلفية الأدوار الغربية، لم يعد لأحد ثقة بأية قرارات وتوافقات حتى ولو كانت برضى الطرفين المتقاتلين، فالأخبار المتواترة لا تتحدث عن توافق تام أو نهائي، حتى أن الأمم المتحدة نفسها متخوفة من إمكانية نسف الجهود المستقبلية لهذه العملية، فإن لم يجلس الطرفان مع طاولة حوار واحدة لا يمكن حسم هذا الملف لصالح ليبيا لا حاضراً ولا مستقبلاً.
فريق عمل “رياليست”.