في عام 1967، اضطر عشرات الآلاف من الفلسطينيين للنزوح من منازلهم في الضفة الغربية، بما في ذلك طولكرم وقلقيلية بعدما احتلت إسرائيل الأرض. كانت الفرصة سانحة حينها أمام الكيان الصهيوني للتوسع في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وهو ما اعتبره مراقبون دوليون انتهاكًا لاتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر بموجبها نقل السكان إلى أرض محتلة جراء صراع مسلح.
لكن إسرائيل لم تلق بالاً لتلك الانتقادات، ودعمتها في ذلك الولايات المتحدةحين غيرت موقفها في عام 2019 وأكدت على أن المستوطنات الإسرائيلية لا تتعارض مع القانون الدولي.
وفي محاولة إسرائيلية جديدة لتثبيت دعائم وتوسيع نطاق وجودها، كان من المتوقع أن يكون الأول من يوليو/تموز الماضي، الموعد الذي حددته الأحزاب الإسرائيلية لنفسها كي تبدأ بإجراءات ضم الضفة الغربية، لكن ذلك لم يحدث بعد اجتماعات ومناقشات عديدة. الأمر الذي يطرح التساؤل حول ما إذا كان تأجيل الضم هو خطة من نتنياهو في سبيل ترتيب أوراقه، أم أنه إخفاقًا ينذر بفشل الخطة قبل الإعلان عنها بصورة تفصيلية؟
قلق أمريكي وانقسام المنظمات اليهودية الداعمة في الولايات المتحدة
في مطلع عام2020، منحت خطة السلام الأمريكية الضوء الأخضر لإسرائيل لإضافة أراضي الضفة الغربية إلى خريطتها تمهيدًا لحل الدولتين، الذي ستحصل فلسطين بموجبه على 70% من أراضي الضفة الغربية، بينما ستضم إسرائيل بقية الأراضي إليها.
غير أنه بعد الاجتماع الأخير الذي عقده بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، مع المبعوث الأمريكي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، آفي بيركوفيتش، وسفير واشنطن لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، يوم الثلاثاء الموافق 30 من يونيو/حزيران الماضي، تغير الأمر كثيرًا بشكل تسبب في تأجيل خطة الضم.
فالفريق الأمريكي غير مرتاح لتلك الخطوة المثيرة للجدل في ذلك التوقيت بالتحديد خاصة في ظل تفشي فيروس كورونا واقتراب موعد الانتخابات الأمريكية.
علاوة على ذلك، فإن المنظمات اليهودية الداعمة لإسرائيل، وذات التأثير على دوائر صنع السياسة الأمريكية، هي بذاتها تشهد انقسامًا وصدامًا عنيفًا. فمنذ الإعلان عن خطة ضم الضفة الغربية لإسرائيل، لم تتوقف المناقشات داخل أروقة الكونغرس ودوائر صنع القرار في البيت الأبيض بشأن الموقف الأمريكي من خطة الضم التي تفضي عمليًا إلى حل الدولتين.
فبينما صدر عن إيباك بيانات عديدة تهاجم فيها محاولات المشرعين الديموقراطيين المتكررة لمنع تنفيذ خطة الضم الإسرائيلية، فإن منظمة جي ستريت ردت على تلك البيانات بالتأكيد على كون عملية الضم تتجاوز ما نصت عليه الاتفاقيات السابقة وأن خطوة الضم هذه تعرض أمن إسرائيل للخطر. كما رأت المنظمة على أن القانون الأمريكي يمنع إسرائيل فعليًا من استخدام المساعدات العسكرية الأمريكية لضم الأراضي الفلسطينية.
مواقف متأرجحة داخل الحكومة
وفقًا لصحفية هاآرتس الإسرائيلية، فإن المجلس الوزراي الدبلوماسي لم يكن قد ناقش خطة ضم أراضي الضفة بعد،كما أن البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في الخارج لم تمتلك سياسة واضحة بشأن الخطة. علاوة على ذلك، فإن وزارة العدل الإسرائيلية لم تشارك في الجلسات التحضيرية لمجلس الأمن القومي بشأن الخطة، ولم تعد أية تجهيزات للعواقب القانونية التي قد تترتب على إعلان ضم أراضي الضفة
وربما أراد نتنياهو التعجيل بالخطة بغية إلهاء الشارع الإسرائيلي عن قضايا بعيدة عن القضايا الساخنة على الساحة كملفات فساده وملف كورونا والوضع الاقتصادي السيئ داخل إسرائيل. وهو ما لم يقبله غانتس على الإطلاق، فوفقًا لاتفاق الائتلاف، فإن بيني غانتس، الذي يمثل يمين الوسط في السياسة الإسرائيلية ووزير الدفاع الإسرائيلي كذلك، والذي من المقرر أن يتناوب في منصب رئيس الوزراء لمدةتتعدى العام بقليل، كان لديه بعض التحفظات على خطة الضم الإسرائيلية.
فبينما يدعم غانتس صفقة القرن الأمريكية التي تنطوي بطبيعة الحال على الضم، إلا أن قبوله ذلك مرهون بشرط أن تكتسب الفكرة دعمًا أكبر مما تحظى به حاليًا. فغانتس في تلك الفترة يخشى ردود الأفعال الأوروبية وتهديداتها بفرض عقوبات على إسرائيل، إذا اتخذت خطوة فعلية تجاه تنفيذ الخطة. وهو ما أكد عليه غانتس في لقاء له مع واي نت حين قال:
“أعتقد أن خطة ترامب هي الإطار السياسي والأمني الصحيح الذي سيتمالترويج له في دولة إسرائيل، لكنه من الواجب القيام بذلك على نحو صحيح بما يجلب أكبر عدد ممكن من الشركاء في تلك المناقشة من دول المنطقة، وبدعم دولي”.
احتدام الفيروس التاجي في إسرائيل
بالرغم من الإشادة التي حظت بها الحكومة الإسرائيلية في الأيام الأولى من انتشار الفيروس، والثناء على الإجراءات التي اتخذها نتنياهو وحكومته في سبيل محاصرة الفيروس، إلا أن الفيروس التاجي عاود الانتشار في الأسابيع الأخيرة مع تخفيف إسرائيل القيود وفتح أماكن العمل والمدارس. الأمر الذي يعتبره غانتس سببًا كافيًا لتأجيل خطة الضم وإعطاء الأولوية للتعامل مع الفيروس أولاً.
ففي يوم الثلاثاء الموافق 30من يونيو/حزيران، أكدت وزارة الصحة الإسرائيلية ارتفاع عدد حالات الإصابة بالفيروس إلى 700 حالة جديدة، تم تسجيلها في 24ساعة فقط، وهو ثاني أعلى معدل تم تسجيله في يوم واحد منذ بدايةالوباء.
ردود الأفعال الدولية
قوبلت خطة الضم الإسرائيلية باستراتيجية مضادة من قبل فلسطين قائمة على التصعيد والمواجهة وتعظيم الضغط الدولي والإقليمي. وقد نجحت جهود الدبلوماسية الفلسطينية فعليًا في دعوة مسؤولين أجانب لحضور مسيرة برعاية في فتح في أريحا ضد خطة الضم، إذ استجاب للدعوة أكثر من أربعين دبلوماسيًا ومسؤولاً أجنبيًا للدعوة لحضور المسيرة، ألقى خلالها البعض خطابات قوية حذروا فيها من مخاطر خطة الضم.
فضلاً عن ردود الفعل الأوروبية المنددة بخطة الضم، وإعلان رئيس الحكومة البريطانية-المعروف بدعمه وتأييده لإسرائيل- عن رفضه لتلك الخطة. ففي خطاب لرئيس الوزراء البريطاني «بوريس جونسون»، أكد على أمله الشديد بألا يتم الضم، وفي حال وقوعه لن تعترف المملكة المتحدة بأي تغييرات على حدود عام 1967، باستثناء المتفق عليه بين الطرفين.
علاوة على الرفض الفرنسي الشديد للخطة، فقد شدد وزير الخارجية الفرنسي «جان إيف لودريان» أمام البرلمان الفرنسي على أنه من غير الممكن أن يكون قرار الضم دون توقيع عقوبات، وأن فرنسا تدرس خيارات مختلفة على المستوى الوطني وبالتنسيق مع شركائها الأوروبيين الرئيسيين. فقد جاء الموقف الأوروبي إجمالاً، انطلاقًا من إيمان عميق بأن خطة الضم تتناقض مع قرارات الشرعية الدولية وتحبط عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط كليًا، وقد تفتح مجددًا الباب أمام عمليات الاقتتال بين الطرفين.
بيد أن الموقف الأوروبي لم يكن وحده المناهض للخطة، بل رفضته كذلك بعض الدول العربية وحذرت مما ستسفر عنه تلك الخطوة من اضطرابات كارثية في الشرق الأوسط. الأمر الذي أكد عليه يوسف العتيبة، سفير الإمارات العربية لدى الأمم المتحدة، بأن الضم سيسفر عنه تدمير العلاقات التي يسعى نتنياهو لتوطيدها مع العالم العربي.
إجمالاً، لم يحصل بنيامين نتنياهو على الضوء الأخطر الأمريكي الذي يسمح له بالمضي قدمًا في تنفيذ خطته التي كان من المزمع الإعلان عنها تفصيليًا في الأول من يوليو/تموز الجاري. ذلك القلق الأمريكي إلى جانب ما أثارته الخطة من غضبًا عربيًا ودوليًا عارمًا وكذلك حالة الانقسام الداخلي، قد لا يعني بشكل جازم استسلام نتنياهو عن تنفيذ خطته بقدر ما قد يكون قرار التأجيل هو بمثابة هدنة لترتيب الأوراق واختيار الوقت المناسب الذي ستتخذ فيه إسرائيل القرار بأقل خسائر ممكنة.
سهير الشربيني- باحثة في العلوم السياسية، متخصصة في الشأن الإسرائيلي، خاص “رياليست” الروسية.