شهدت سوريا تطورات كثيرة في هذا الأسبوع، في مجملها كانت تطورات سلبية إلى حدٍّ ما، فمن جهة التواجد الإرهابي العسكري، بدأت الخلافات تعصف بين الفصائل الإرهابية المسلحة والتفجيرات الانتحارية هي الفيصل، وفشلت الجولة الخامسة من محادثات جنيف لتشكيل الدستور السوري الجديد، بينما لا تزال الدول السورية تعاني نقص الموارد الأساسية التي تشكل عصب الحياة بالنسبة للمواطنين، ولعل الحدث الأبرز كان دخول وفود غربيين بطريقة غير رسمية عبر تركيا.
حراك دموي
شهد الشمال السوري في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل الإرهابية المسلحة التابعة لتركيا في ريفي ادلب وحلب تفجيرات انتحارية يرجح أنها من قبل مجلس الباب العسكري بعدما شهدت مدينة عفرين بريف حلب تفجير مماثل قبل بضعة أيام، وأما التفاصيل الجديدة أن فجر انتحارياً نفسه بسيارة مفخخة عند حاجز تابع لفصيل “فرقة الحمزة” التابع لـ”الجيش الوطني” المعارض المدعوم من تركيا، قرب بلدة بزاعة شرق مدينة الباب في ريف حلب الشمالي، التفجير الذي خلّف قتلى من عناصر الحاجز، حيث جاء هذا التفجير بعد ساعة واحدة فقط من تفجير انتحاري أيضاً بسيارة مفخخة في مدينة إعزاز في ريف حلب.
لم يقتصر الأمر على التفجيرات الانتحارية فقط، فلقد لقي عدداً من عناصر “فرقة الحمزة” مصرعهم جراء قنصهم برصاص قناصين من قبل “مجلس الباب العسكري” الكردي على محور حزوان غرب مدينة الباب بريف حلب.
تأتي هذه التفجيرات على خلفية محاولة السيطرة على مناطق لفصائل أخرى لغاية التزعم عليها، فلقد شهدت هيئة تحرير الشام مؤخراً احتجاجات شعبية عارمة ضد تصرفات عناصرها الذين أقدموا على قتل شبان من “آل غنوم” بإدلب، ما استدعى لتدخل القيادي “أبي ماريا القحطاني” الذي أمر بدفع “دية” 75 ألف دولار ثمناً لأرواح الشبان، لعقد الصلح، الأمر الذي رفضته نساء العشيرة مطالبين بمحاسبة القتلة وإعدامهم، وبالتالي هذه الإشكالات من شأنها أن تسبب تصدعاً في بنية التواجد الإرهابي في الشمال السوري، في ضوء هذه الاستهدافات، إذ يبدو أن تركيا لا تعر اهتماماً لهذه الحوادث، بينما هي تواصل تأمين نقاط مراقبتها الجديدة التي بلغت في محيط جبل الزاوية فقط حوالي 20 نقطة، فضلاً عن إقامتها لما يسمى بـ “الدرع الفولاذية” للفصل بين الجيش السوري، والفصائل الإرهابية الموالية لها في مناطق سيطرتها، واستقدام أكثر من 6000 جندي تركي وكثير من العتاد العسكري وتوزيعهم في مناطق سيطرتها مؤخراً، الأمر الذي يبدو أن هناك مخططات جديدة لعلها ما صدر مؤخراً عن النية التركية القيام بعملية عسكرية واسعة في شمال شرق سوريا إضافة إلى شمال العراق ضد الفصائل الكردية المصنفة لديها جماعات إرهابية.
لا دستور جديد
في جديد الجولة الخامسة من محادثات اللجنة الدستورية في جنيف مؤخراً، إعلان المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون فشل الجولة، والتي قال إنها “مخيبة للآمال”، بحسب تعبيره، دون ذكر توضيحات حول سبب الفشل، لكن التسريبات ذكرت أن وفد المعارضة السورية شهد خلافات شديدة بين أعضائه حتى أن عضواً من اللجنة “علي العوض” أعلن استقالته من اللجنة، قائلاً “إن هذه الاجتماعات مضيعة للوقت”، في حين طالب أعضاء آخرين تدخل الإدارة الأمريكية الجديدة لإنعاش المحادثات.
لكن الواقع الفعلي لهذه المحادثات لا يمكن أن تحدث فيها أي توافقات إذا لم يتم قبول الثوابت الوطنية كنقاط أساسية مثل الهوية السورية، والسيادة السورية ووحدة أراضيها لأنها تعتبر مقدمة لأي دستور يراد إعادة صياغته، إضافة إلى قبول كل المكونات الأخرى مثل الأكراد من ضمن النسيج السوري، الأمر الذي يتجاهله وفد المعارضة في كل مرة، يضاف إلى النقاط الخلافية الأخرى، تجاهل ملف اللاجئين في كل مرة أيضاً، نظراً لأنه يخضع للاستثمار السياسي من قبل الدول الإقليمية والدولية، المسيطرة على جسم المعارضة السورية التي هي بطبيعة الحال لا تريد لهذه الاجتماعات أن تنجح، وطالما المعارضة السوري موالية لقوى خارجية لا يمكن أن تتحقق نتائج مذكورة، حتى وإن بذل بيدرسون كل الجهود، لأن الثوابت من الأساسيات التي لا يمكن المساومة عليها، وبالتالي، أي نجاح يُذكر فسيكون الفضل فيه لروسيا لأنها الراعي الأول لهذا المسار، ولا يمكن أن تسمح الولايات المتحدة بأي نصر يسجل لروسيا حتى وإن كان معنوياً.
في سياقٍ متصل، وجهت سوريا رسالتين رسميتين إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن حول قيام عدد من وفود الدول الغربية بالتسلل بشكل غير شرعي عبر حدود سوريا مع دول الجوار إلى مناطق شمال شرقها دون تنسيق مسبق مع حكومتها أو الحصول على موافقتها أو سمات الدخول اللازمة أصولاً، هذه الدول هي: (لولايات المتحدة وكندا وبلجيكا وفرنسا والسويد والنمسا)، الأمر الذي اعتبرته دمشق (سلوكاً سلوك يبرز عدم احترام هذه الدول للقانون الدولي والميثاق ومبادئ العلاقات الودية بين الدول ويؤدي للإضرار بالأطفال المحتجزين لدى تلك الكيانات وفصلهم عن ذويهم كما كان الحال بالنسبة لبلجيكا التي كانت حكومتها تنكر وجود إرهابيين بلجيكيين في سوريا ثم أعلنت صراحة عن رغبتها باستعادة أطفال إرهابيي داعش البلجيكيين دون أمهاتهم ما يظهر نفاقها وكذبها).
أخيراً، يتطلع العالم اليوم إلى دور الولايات المتحدة الجديد حول سوريا، التحليلات تذكر في غالبيتها أن سوريا ليست أولوية بالنسبة للرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن وإدارته، لكن التصرفات الأمريكية على الأرض تقول عكس ذلك، فلقد أنشأت القوات الأمريكية مؤخراً قاعدة عسكرية جديدة لها في ريف المالكية بالشرق السوري، وهي تعمل على تحريض قوات سوريا الديمقراطية – قسد ضد القوات الروسية الموجودة شرقاً لافتعال قتال معهم، ما يبين أن النوايا الأمريكية لا تزال تتجه نحو التصعيد، ربطاً مع طلب مشرعين أمريكيين بزيادة مفاعيل قانون قيصر ليصبح أكثر صرامة في تشديده على البلاد، وبالتالي، هذا الأمر يعني صفحة جديدة أكثر صعوبة ستتعرض لها البلاد، على الرغم من إعلان روسيا البدء بإعادة الإعمار في المناطق المحررة التي ستشجع على عودة النازحين، ومتابعتها لملف المصالحة في الجنوب السوري الذي حققت فيه نتائج إيجابية حتى الآن.
فريق عمل “رياليست”.