لم يشهد الميدان السوري هذه الفترة، الكثير من المتغيرات، بإستثناء صد الجيش السوري لبعض الهجمات، تركزت في الشمال وشمال شرق سوريا.
ما دوافع تركيا لتكرار معركة ادلب مجدداً؟
بعد التدخلات التركية الأخيرة في الصراعات الإقليمية، وآخرها الأزمة الأرمينية – الأذرية، دون تدخل دولي حقيقي وفاعل يوقفها في هذا الشأن، أطل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مهدداً بإطلاق معركة جديدة في الشمال السوري، متهماً الدولة السورية بأنها تعتدي على ادلب، قائلاً إنه لن يتهاون في ذلك، خاصة لجهة دعم التنظيمات الإرهابية المسلحة، دون توضيح ذلك، حول من يقصد، إذ أنه الداعم الأكبر لهم في سوريا، ومن ناحية أخرى، تعهد بالإلتزام بالإتفاق المبرم مع روسيا الإتحادية، لكنه أكد أنه لن يقف متفرجاً في حال تصاعد الوضع، وهنا يقصد القوات الروسية قبل السورية، حيث قامت مؤخراً بإستهدافات مقار كثيرة تعود للتنظيمات الإرهابية المسلحة وخاصة من هيئة تحرير الشام في ادلب وحولها.
إن التلويح التركي هنا، مجرد عنتريات موجهة لأنصاره من الإخوان المسلمين الموجودين في سوريا وتركيا، إضافة إلى أنها رسالة موجهة لرئيس الوزراء التركي السابق أحمد داوود أوغلو، الذي خرج بتصريحات كشفت مخطط تركيا حيال ما تريده من سوريا، معترفاً ان الخطة التي تم وضعها العام 2014 تقضي بضم حلب والرقة إلى الأراضي التركية، لكنها قوبلت برفض الضباط العسكريين الأتراك آنذاك، ليأتي الإنقلاب الفاشل العام 2015، حيث قال داوود أوغلو إن من رفض المخطط من العسكريين، هم أصحاب الإنقلاب والمنضمين إلى تنظيم فتح الله غولن، وبالتالي أراد أردوغان ضحد هذه الرواية وتحريفها من خلال اللعب على الوتر الإنساني، ليستميل أنصاره كما أشرنا، إلى صفه.
لماذا حركت أنقرة الميليشيات التركمانية في الشمال؟
شهدت مناطق عدة في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، إشتباكات وصفت بالعنيفة بين الجيش السوري والميليشيات التركمانية، حيث شنت الأخيرة هجوماً عنيفاً على مواقع القوات السورية، إلى جانب مواقع مجلس الباب العسكري التابع لقوات سوريا الديمقراطية – قسد، وعلى الرغم من قوة وشدة الهجوم الإرهابي من خلال إستخدامهم لأسلحة متوسطة وثقيلة، إلا أن القوات السورية حققت إصابات مباشرة في صفوفهم مما إضطرهم للإنسحاب، فيما بقيت خارطة السيطرة العسكرية هي ذاتها، ما يعني أن هدف هذه الميليشيات كان ضم بعض المواقع إلى سيطرتها لكنها لم تحقق الغاية التي كانت تريدها القوات التركية التي دفعت بهم إلى ذلك.
الجدير بالذكر أن هذه المناطق التي شهدت الإشتباكات هي بحسب الخريطة السورية على مقربة من منبج وعين العرب، اللتين طالبت بهما تركيا في الاجتماع العسكري الأخير مع العسكريين الروس في أنقرة، وتم رفض طلبهم، فإعتقدت تركيا أن لمسلحيها القدرة على السيطرة عليهما بالقوة من خلال دعمهم بأقوى أنواع الأسلحة، ما يعني فشل المسعى التركي في السياسة وفي الطرق العسكرية أيضاً.
إلى ذلك ضاعفت الفوات التركية وجودها العسكري في مناطق سيطرتها فخلال حوالي الأسبوعين وصل إلى مناطق خفض التصعيد في ادلب عشرة أرتال عسكرية قوامها نحو 200 دبابة وآلية عسكرية وشاحنة معدات لوجستية، ومرد ذلك تحدٍّ واضح لروسيا التي طلبت من شريكتها تخفيض عدد قواتها، لتقوم أنقرة بنقيض ذلك الطلب.
هل تعتبر القواعد الروسية في سوريا ضماناً أمنياً؟
كثرت في الآونة الأخيرة الأحاديث حول الدور الروسي في سوريا، لجهة إعتبار البعض أنه يتصرف وفقاً لمصلحته في سوريا، لا لمصلحة الوضع بشكل عام، بعد تأمين قواعد ثابتة له سواء كانت جوية في حميميم في الساحل السوري أو في القامشلي وبالطبع ميناء طرطوس الحيوي، فيما الوقائع تقول إن الدولة الروسية تتبع الطرق الدبلوماسية وتتجنب حل الأوضاع في سوريا بالوسائل العسكرية خاصة وأن حواضن الإرهاب إقتصرت على منطقتين ساخنتين فقط هما إدلب في الشمال، وشرق الفرات في الشرق، فالتفكير الروسي يذهب إلى إمكانية حل هاتين المشكلتين بالطرق السياسية، وفي حال الفشل يكون الحل بالطرق الأخرى.
هذا ما أكده الرئيس السوري بشار الأسد الذي صرح في مقابلة له مع وكالة روسية مؤخراً بالقول: “في سوريا اليوم نتعامل مع الإرهاب الدولي، وتقوم روسيا بمساعدتنا في تحقيق الأمن والاستقرار، ولكن بعد القضاء على الإرهاب هناك دور آخر ستلعبه روسيا على الصعيد الدولي، من خلال حث المجتمع الدولي والدول المختلفة على تطبيق القانون الدولي”، مضيفاً، “إن وجود خلل بين القوى في نظام العلاقات الدولية الحالي، وعلى روسيا إعادة التوازن المفقود، إذ أن التواجد الروسي هو لضمان الأمن وجعل النظام العالمي أكثر عدلاً وتوازناً، بالطبع، إذا تخلى الغرب عن سياسته العدوانية المتمثلة باستخدام قوته العسكرية لخلق مشاكل في العالم، فربما لن تحتاج روسيا أيضاً إلى مثل هذه السياسة، لكن العالم اليوم بحاجة إلى التوازن الذي ذكرته”.
أخيراً، إن المشهد السوري مؤخراً، يعتمد على إنتهاج الدبلوماسية السياسية في التعاطي مع ملفات المناطق الواقعة تحت سيطرة الإرهابيين، فمن الناحية الدولية لم تحقق منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الدولية في تحقيقاتها شيئاً لجهة إيجاد متهمين بالهجوم الكيميائي المزعوم على سراقب والأتارب في ريفي ادلب وحلب، وصرحت سوريا عبر بعثتها الدبلوماسية في الأمم المتحدة بمطالبتها مجدداً بالجولان السوري، ما يضع حجر عثرة في مسألة التطبيع، الأمر الذي قد يؤدي إلى إعتداءات إسرائيلية جديدة، أما فيما يتعلق بالشرق السوري وشماله، تعمد روسيا إلى زيادة الضغط على تركيا عبر مقايضة ملفات دولية ربما في وقتٍ لاحق بالملف السوري، بعد تصاعد الأزمات وخروجها من المنطقة العربية إلى وسط آسيا، ومن هنا إلى نهاية هذا العام عبارة عن وقت لترتيب الملفات التي سيتمخض عنها ولادة واقع جديد قد تتكشف مع بداية العام الجديد.
فريق عمل “رياليست”.