شهدت الساحة السورية هذا الأسبوع العديد من التطورات على الصعيدين السياسي والعسكري “الميداني”، وبتفعيل مركز تبادل المعلومات الرباعي الذي يضم العراق وسوريا وروسيا وإيران في محاربة تنظيم داعش، إضافةً إلى إطلاق عملية “الصحراء البيضاء” العسكرية وسط البلاد.
تخطيط واضح
إستهدفت عربة مفخخة، نقطة مراقبة تركية في منطقة تل الزهور بريف إدلب شمال غرب سوريا، على الطريق الدولي “إم -4″، الأمر الذي أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أتراك وإصابة العشرات من المقاتلين الأتراك والتنظيمات الإرهابية المسلحة المنضوية تحت إمرة الجيش التركي، في حادثٍ هو الأول من نوعه، بعد أن كانت الإستهدافات من نصيب الدوريات الروسية والتي أدت إلى جرح ثلاثة مقاتلين روس.
إن هذا التفجير بعربة مفخخة من حيث الشكل هو ذاته أسلوب الإنغماسيين الإرهابيين، لكنه من حيص المضمون لا يمكن له أن يكون تصرفاً منفرداً من قبل الفصائل الإرهابية الموالية للقوات التركية، وذلك لجُملةٍ من الأسباب، أولها، إن منطقة الشمال السوري، منطقة يتواجد فيها الكثير من نقاط المراقبة التركية في مناطق خفض التصعيد المشمولة بإتفاق موسكو الأخير، وتنشط الإستخبارات التركية بشكل واسع هناك.
ثانياً، طلبت موسكو من أنقرة تأمين الطريق الدولي “إم -4″، وعلقت دورياتها جراء الإستهدافات المتكررة، وكانت تركيا قد سيّرت دورياتها بدون شريكتها روسيا، دون حدوث أية حوادث معها، الأمر الثالث، إستبدلت تركيا فصيل حراس الدين بتنظيم جبهة النصرة، وأصبح دوره مراقبة أية خروقات من قبل الإرهابيين.
أخيراً، يأتي هذا الإستهداف بنقطة مراقبة تركية، لرأب الصدع مع موسكو، ولموازنة الأوضاع فيما بينهم، فعلى الرغم من نسب التفجير لحراس الدين، إلا أن الأيادي التركية حاضرة فيه، ولا ضير من التضحية ببعض الجنود إذا كان ذلك سيعيد التنسيق الروسي – التركي إلى أوجه السابق.
عملية الصحراء البيضاء
كثرت في الآونة الأخيرة إستهدافات مواقع الجيش السوري في بادية حمص وبادية دير الزور شرق ووسط سوريا، إضافة إلى القبض من قبل القوات السورية على خلايا من تنظيم داعش كانت قد تسللت من قاعدة التنف الواقعة تحت سيطرة القوات الأمريكية عند المثلث الحدودي السوري – الأردني – العراقي، بغية تجميع معلومات عن المواقع السورية والروسية والإيرانية بحسب إعتراف تلك الخلية. فضلاً عن إطلاق سراح الكثير منهم بعد العفو الذي أقرته “الإدارة الذاتية” الكردية الموالية للولايات المتحدة الأمريكية.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، إن هذه الإستهدافات طالت آبار الغاز السورية التي تعتمد عليها الدولة السورية في تشغيل المحطات الكهربائية في عموم البلاد، إذ أن الواضح هو منهجية هذه الإستهدافات وإلحاق أكبر ضرر ممكن سواء في البنى التحتية أو على صعيد الأرواح من الجنود المرابطين في مواقعهم.
هذا الأمر وبالتنسيق مع الدولة الروسية دفع إلى إطلاق عملية “الصحراء البيضاء” العسكرية في البادية السورية، الأمر الذي اعتبرته بعض الأوساط أنه رداً على مقتل الجنرال الروسي “غلادكيخ” مؤخراً في المنطقة.
وجديد هذه العملية أنها مستمرة حتى تطهير المنطقة من كل أشكال الإرهاب فيها، وتجدر الإشارة إلى أنها أسفرت حتى 24 أغسطس/ آب الجاري “2020” عن تصفية 327 مسلحاً وتدمير 134 ملجأ و17 نقطة مراقبة و7 مخازن عتاد و5 مخازن تحت الأرض للأسلحة والذخيرة.
ماذا يعني دخول قوات سعودية إلى سوريا؟
يقول الخبر إن 20 جندياً سعودياً دخلوا الأراضي السورية برفقة رتل أمريكي قادمين من العراق، عبر معبر الوليد غير الشرعي، وبرفقة الجنود ضابط سعودي يدعى “سعيد الجعيفي”، ونزلوا في قاعدة الشدادي الأمريكية بريف الحسكة، شمال شرق سوريا.
ولا يخفى على أحد اليوم ما تشهده جبهة الشرق السوري من توترات ومظاهرات وتنسيق عشائري عالي المستوى، لطرد القوى الأجنبية وقسد، حيث أنه بقانون وعرف العشائر، تعود كل عشيرة كـ “طي، البكارة، العكيدات، وغيرهم”، إلى صلات قرابة مع قبائل وعشائر العراق ونجد والحجاز، وبعد أن فشلت واشنطن في المفاوضات الأخيرة مع زعماء العشائر السورية المصرين على إنسحاب قسد من مناطقهم، وبد إستهداف قيادات من قسد، وتأكيد العشائر السورية على الثوابت الوطنية والوقوف إلى جانب الجيش السوري، كل هذه العوامل أحد أهم الأسباب لدخول السعوديين للمنطقة على أمل تغيير هذا الواقع من خلال شراء الذمم، رغم فشله من الجانب الأمريكي.
يضاف إلى ذلك، إعادة إحياء ما إسمه “الناتو العربي”، في حال حدوث أية مواجهات مستقبلية، تكون الولايات المتحدة قد ضمنت عدم المواجهة المباشرة والزج بالقوات الأخرى الحليفة لها، لكن الترجيحات تميل أكثر بإتجاه إتخاذ واشنطن السعودية في دور الوساطة لتهدئة العشائر السورية الغاضبة، الأمر الذي سيفشل حتماً نتيجة كم الوعي الذي لدى سكان الجزيرة السورية ونتيجة لما لمسوه طيلة عشر سنوات من الممارسات التي حاربتهم في لقمة عيشهم وقتلهم ودمار مدنهم وإعلاء الأقلية الكردية ووعدها بالإنفصال في أراضٍ ليست من حقهم.
كيف إنتهت مفاوضات مناقشة الدستور في جنيف؟
بدأت إجتماعات اللجنة الدستورية المصغرة لمناقشة الدستور السوري، الأسبوع الماضي في جنيف، وجرى تعليقها بعد إكتشاف أربع حالات مصابة بفيروس “كورونا”، من أعضاء الوفد دون تحديد ما إذا كان من الوفد السوري الرسمي أو المعارض، ثم أعيد إستئناف الجلسات بعد أن أكدت السلطات الصحية السويسرية إمكانية استئنافها إثر إجراء فحوصات متقدمة للأعضاء الأربعة أثبتت عدم إمكانية نقلهم للعدوى.
لا يزال النقاش في هذا الأمر حول الثوابت الوطنية السورية، التي يبدو أن المعارضة لا تقبل بها لأنها مخالفة للأجندات الغربية الموالية لها، وكان النقاش في هذه المفاوضات حول الهوية الوطنية التي وبحسب تصريحات بعض أعضاء الوفد الحكومي السوري أن الجميع متفق نظرياً، لكن لم يتم صياغة أي شيء مكتوب، وهذا يعني إن لم توجد صياغة مكتوبة للبنود المطروحة وكأنه رفض مبطن، وبالتالي إستمرار النقاشات والإجتماعات دون التوصل إلى شيء، حتى يقبل الوفد المعارض بتلك البنود “الثوابت الوطنية” لأنه من المستحيل أن تتنازل الدولة السورية عن ثوابتها.
إلا أن الوفد المعارض أراد مناقشة مقدمة الدستور، وهذا الموضوع لم يكن مطروحاً على أجندة أعمال الوفد السوري الرسمي، وبقي الأمر معلقاً حتى تم الإعلان عن نهاية هذه الجولة من المفاوضات دون أن تسفر عن أي تقدم، ودون وضع موعد جديد للجولة اللاحقة.
من هنا، إن الأوضاع في سوريا تقترب من الإنفراج، إلا أن هناك الكثير من العقبات التي يضعها جميع المنخرطين بالملف السوري، من تركيا إلى الولايات المتحدة والمعارضة السورية، ومع التشكيلة الوزارية الجديدة في سوريا، يترقب الشارع السوري أن يكون هناك أملاً في أن تحمل معها حلول تنهي بعضاً من المعاناة التي تعصف بالسوريين، وبموازاة ذلك تواصل القوات السورية تأدية مهامها، بالتعاون والتنسيق مع الحلفاء وفي مقدمتهم روسيا، التي تحاول قطع التمدد الإرهابي الذي تنشره واشنطن، فيما لن يكون هناك فرص مع تركيا، التي أخلت بكامل تعهداتها مع الدولة الروسية.
فريق عمل “رياليست”.