لا يبدو أن المجتمع الدولي ولا المنظمات الأممية ، جادة في حل الإشكالية الليبية، طالما تساوي بين الأطراف، وتحاول أن تجعل الطرف الذي يملك كل التأييد من الشعب الليبي، موازيا للطرف الذي تدعمه دول، وشخصيات من خارج ليبيا.
عدم وقوف المجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، ضد التيارات الداعمة للإسلام السياسي، وكذلك الشخصيات القيادية المنتمية لجماعات ارهابية، يظل العامل الأساسي في تنامي العقبات أمام أي حل يقدم من داخل ليبيا أو خارجها.
وبكل تأكيد لا يُمكن أن يصدق عاقل، بأن الدول الكُبرى، وكذلك المنظمات الأممية، لا تدرك بأن جانب المليشيات والتيارات الإسلامية، وشخصيات قيادية في جماعة الإخوان، وكذلك حكومة الوفاق ، هم من يقفون ضد أي حل سلمي يسعى لاستقرار البلاد.
يكفي أن نتأمل تصريحات رئيس البعثة الأممية في ليبيا السابق، غسان سلامة، والتي تشير إلى إدراك البعثة الأممية ، وكذلك المجتمع الدولي لتفاصيل الحالة الليبية، ومع هذا لم تقدم عملا فاعلا لحلحلة هذه المشاكل، حتى ولو بتصريحات في حينها، تُلقي فيها اللوم على الجهات المعرقلة.
تصريحات سلامة في أكثر من مرة بعد خروجه من رئاسة البعثة الأممية تبين عدم جدية الأمم المتحدة في ايجاد حل حاسم في ليبيا، فبحسب سلامة إن عدم وجود مؤسسة شرعية داخل ليبيا وغياب قانون انتخابي، دفع الأمم المتحدة، إلى محاولة إيجاد بديل عن الانتخابات، التي يصعب تنظيمها حاليًا، وذلك عبر السعي إلى توحيد الحكومة، وتعويض الوجوه السياسية الموجودة بأشخاص يمثلون كافة فئات المجتمع.
وأوضح سلامة أيضا بأن أعضاء مجلسي “النواب والدولة” لا يريدون الانتخابات، لأنها تعني نهايتهم، مشيرًا إلى أن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، هو أيضا لا يريد الانتخابات، معتبرًا أن الطبقة السياسية في ليبيا فاسدة جدًا.
ومع هذا لم يكلف سلامة نفسه، بإصدار أي بيان يدين هذه الجهات والأشخاص الذين ذكرهم حين كان على رأس البعثة، مع العلم بأن قوله لا توجد جهة شرعية، هو قول منافي للحقيقة، فالبرلمان الليبي أنتخب في عام 2014 في كل أنحاء ليبيا، وأنتج هذا البرلمان حكومة منبثقة عنه، ومع هذا تدخلت الدول الكبرى، والمنظمات الدولية، واستحدثوا حكومة جديدة في عام 2015 لم ينتخبها أي ليبي، ولم يعرف أي ليبي ، كيف جاءت، ومن أختارها، وهي بالطبع حكومة الوفاق، التي يقول عنها المجتمع الدولي ، حكومة شرعية.
هذه الحكومة “الوفاق” لم تكتسب أي شرعية منذ خروجها خلاف كل الوسائل القانونية والدستورية، وحتى النقاط التي وضعت لإعتمادها من قبل اتفاق الصخيرات الذي استحدثت من رحمه، لم يتم اعتمادها وفقها، فهي أي هذه الحكومة، لم تُعتمد من مجلس النواب، ولم تمارس أعمالها وتصدر قوانينها، وفق شرط اجتماع المجلس الرئاسي لها، بكافة أعضائه التسعة، كما أن مدتها وفق اتفاق الصخيرات، سنة واحدة، لا يمكن تجديد مدتها، إلا لسنة واحدة أخرى، ومع هذا لا تزال موجودة في المشهد منذ عام 2015.
بينما تجاهل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، والحقوقية والانسانية، مسألة هامة جداً، وهي تجاهل مجلس النواب، المنتخب من قبل الشعب استناداً إلى الوثيقة الدستورية المؤقتة، ولا يزال عمله شرعيا حتى الآن ، بحكم أن الوثيقة الدستورية المؤقتة وتحديدا مادتها 18، تقر بأن تستمر صلاحيات البرلمان، حتى يتم إجراء انتخابات برلمانية جديدة.
وأمام العالم الذي لم يتحرك، تسعى حكومة الوفاق إلى تعزيز تواجد جماعة الإخوان المسلمين في مختلف المجالات، رغم الرفض الكامل من الشعب الليبي لتواجد هذه الجماعة، وصدور قرار من البرلمان الليبي بتصنيفها جماعة ارهابية. ولا نظن بأن العالم لا يدرك أن حكومة الوفاق تستعين بالميليشيات المسلحة الليبية والمتكونة في أغلبها، من ذوي السوابق والمجرمين وكذلك بالمرتزقة الذين جلبتهم تركيا إلى البلاد، وحتى مع خروج الجيش من مناطق الغرب الليبي، لا تزال عمليات القتل والاختطاف والاغتصاب، تحدث بشكل شبه يومي في أغلب مدن الغرب، ومع هذا لم نسمع أي ادانة، أو تدخل، من أي مؤسسة أممية أو دولية، لمعاقبة المسئولين عنها.
لذلك يمكننا القول، بأن التدخلات الخارجية في الشأن الليبي، هي من تزيد تعقيد المشكلة، وإخراج الحالة السياسية تدريجياً من أيدي الليبيين، وكرست هذه التدخلات الفوضى الأمنية بواسطة الدول الخارجية “اقليمية ودولية” حيث وضعت هذه الدول، أياديها على الكثير من مفاصل الدولة، عبر أطراف ليبية تتسابق لكسب مودة الخارج والإستقواء ببعض القوى مثل “تركيا”.
لذلك يجب على المجتمع الدولي، والمنظمات الأممية ، الكف عن ممارسة هذه السياسات الغير منطقية، والغير مجدية، وأن يؤمن بأن المشكلة في ليبيا “أمنية” وليست سياسية، إذا أراد حدوث أي تطور لصالح الليبيين، ولصالح ايجاد دولة صحيحة بمؤسساتها العسكرية والأمنية ، التي سيكون بمقدورها، حفظ الأمن الخاص بالمواطنين،ة وحماية أي مؤسسات تشريعية أو تنفيذية، يكون اختيارها نابع من رغبة الليبيين.
أما ترك المشهد ضبابياً كما هو الحال الآن في ليبيا ، وترك مؤسسات منهارة وهلامية كحكومة الوفاق ومجلس الدولة ووزرات تؤسس وتشرعن لوجود المليشيات تحت رعايتها، وربما ستتبنى الأجسام التشريعية أو التنفيذية التي ستأتي لاحقا عبر أي اتفاق هذا الأسلوب، فهو يعني أن كيان الدولة الواحدة سينهار، وربما سيتلاشى نهائيا.
ولايمكن تفسير هذا الوضع، إلا إنه نتيجة لرغبة وغايات المتداخلين في الشأن الليبي، بكل توجهاتهم، والتي تسعى جميعها الى تقسيم ليبيا ، فما يحدث الآن من تنازع الحكومات، والمجالس التشريعية، وخلافات المتحاورين التي تكاثرت بسبب تدخلات الأمم المتحدة ، والدول الكبرى.
خاص وكالة “رياليست” – عبد العزيز الرواف – كاتب وصحفي ليبي.