عقد رئيس مجلس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، اجتماعاً للمجلس الوزاري للأمن الوطني، ناقش من خلاله مستجدات الأوضاع الأمنية في البلاد، مؤكداً أن لديهم مهام أساسية تتمثل بحماية الدولة وتحصينها، عبر تقوية وإعادة بناء المؤسسات الدستورية، وفي مقدمتها الجيش العراقي وباقي الأجهزة الأمنية، طبقاً لوكالات أنباء.
الكاظمي، بيّن أن “علاقات العراق الإقليمية والدولية المتميزة تدعم توجه حماية الدولة”، مؤكداً أن “الأسبوع الماضي شهد تواصلاً عراقياً نوعياً مع محيطه والعالم، سواء عبر الزيارتين الرسميتين إلى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية، أو الوفود الدولية المستمرة إلى العراق لتعزيز التعاون والدعم”، وتطرّق الكاظمي إلى الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الامريكية، الذي تعمل عليه فرق فنية منذ فترة، حيث سيتطرق الى ملفات متعددة بين البلدين، منها السياسية والاقتصادية والصحية والثقافية، فضلاً عن التعاون الأمني، كذلك سيتم بحث وجود قوات التحالف الدولي التي استقدمت الى العراق لمحاربة داعش، وكان لها دور مؤثر في هذا المجال.
انحراف البوصلة
يبدو مما ذكره رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، أن هناك نوعاً ما من التطبيع غير المعلن، بحيث تغيرت اللهجة وتغير الطرح كلياً، نعم يشهد العراق اليوم انفتاحاً عربياً – غربياً، وهذا بدا واضحاً من الحراك الأخير وجولات الكاظمي، لكن المعايير اختلفت تماماً، لجهة الإشادة بالعلاقات العراقية – الأمريكية، إلا أن هناك ابتعاد يبدو أنه مدروس لجهة المطالبة بالانسحاب الأمريكي من العراق، والذي لم يتطرق له رئيس الوزراء، ما يعني أن الأمور بدأت تتخذ منحىً مختلفاً، لعل المشاريع الأخيرة التي تم الاتفاق عليها أحد أهم الأسباب لهذا الأمر، خاصة بين بغداد والرياض، والاتفاق على فتح المنفذ الحدودي “عرعر” بين الجانبين، والبدء بتحسين المستوى الاقتصادي للعراق، وهذا لا يتحقق إلا بموافقة أمريكية أو تدخل غير مباشر منها.
هذا السلوك الجديد، سيلقى سُخطاً كبيراً في الداخل العراقي، خاصة من الجهات والأحزاب الموالية لإيران، وقد يؤثر على التنفيذ المستقبلي لتلك الاتفاقيات، هذا الأمر لم يدرك الكاظمي خطورته، خاصة وأن السلاح المحصور بيد الكثير من هؤلاء الموالين لطهران لم يتم سحبه أو إيجاد مخرج حقيقي له، وهنا تكون الحكومة العراقية الحالية تلعب بالنار، لكن المتضرر الأول من ذلك هو الشعب العراقي، المنقسم أصلاً، بين موالٍ للجهات الغربية، وهؤلاء الموالين لإيران، وإذا أراد الكاظمي الانفتاح على الغرب أو العرب، عليه إنهاء الملفات العالقة، لأن شهر مايو/ أيار على الأبواب، وهو موعد الانسحاب الأمريكي، ناهيكم عن الغارة الأمريكية التي استهدفت فصيلاً عراقياً، الذي يُعتبر مسؤولاً من حكومته بصرف النظر عن موالاته لإيران.
تواجد أمني – استشاري
الكاظمي ألمح أن “التطور الكبير في قدرات القوات الأمنية، وتغير شكل التهديد الإرهابي على الأرض، مكّن العراق للانتقال قريباً إلى مرحلة انتفاء الحاجة للوحدات المقاتلة الأجنبية، والاقتصار على الأدوار التدريبية والاستشارية والدعم اللوجستي والتعاون الاستخباري، وذلك لحين وصول العراق إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي بجهود أبنائه وتعاونهم وتكاتفهم”، هذا يعني أن البقاء الأمريكي دائم، وسبق وأن كان لبغداد تجربة مع الشركات الأمنية الأمريكية، وتمركزها على الطرق الدولية، بحجة حماية القواعد الأمريكية والمصالح الأمريكية في العراق، أي أن القوات الأمريكية باقية ولن تخرج ووجودها بصفة أمنية واستشارية هو ذاته، ولن يغير من واقع الأمر شيء.
العراق بلد قوي وفيه خزان بشري كبير، والقوات العراقية هي من حررت البلاد من داعش، ما يعني أنهم يمتلكون من الخبرة الكثير، وليسوا بحاجة إلى استشاريين أو خبراء أمنيين، هذا الوضع يذكرنا بالخبراء الأتراك في ليبيا ودورهم فيها، لكن الحكومة الانتقالية الجديدة طلبت خروج هؤلاء الخبراء لتحقيق وإرساء الأمن وطمأنة الشعب الليبي، وهي الخارجة من حرب لا يُعرف احتمالية تفجرها مجدداً، على عكس الحالة العراقية التي أنهت كل أنواع الحروب، لكنها لم تخرج بعد من الجو المتعلق بالعمليات العسكرية والحروب والوضع القائم، سواء الأمني لوجود تهديد محتمل من تنظيم داعش أم غيره.
المشهد اليوم يوحي بأن حكومة الكاظمي تريد التطبيع الغربي وتريد بقاء الولايات المتحدة، ولا تقوى على المطالبة بخروجهم، حتى ولو كان هذا الأمر على حساب شعبها، ما يعني أن الفصائل المسلحة العراقية ستُبقي على الذريعة هذه لتكون الساحات العراقية معرضة للاهتزاز في أية لحظة.
أخيراً، إن ميل الكاظمي الغربي، لم يعد خافياً، لكن هذه السياسة وإن اتسمت بأنها لصالح تحسين الوضع الاقتصادي العراقي، لكن التبيعة والارتهان للولايات المتحدة لا يزال متحكم في المشهد على الصعيدين الدولي والإقليمي، كذلك التنافس سيزداد بين طهران وواشنطن على الأرض العراقية، إلا الكفة هذه المرة يميل رجحانها لصالح أمريكا، خاصة عقب الانفتاح العراقي –الخليجي، في مسعى واضح لضم العراق لهذا المعسكر ضد إيران.
فريق عمل “رياليست”.