الرياض – (رياليست عربي): استقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي يزور المملكة وسط مساع لتعزيز التعاون بين بكين والدول العربية، على مختلف الأصعدة.
خطوة صينية نحو المنطقة ولكن تلك المرة من خلال بوابة الخليج العربي، حيثشهدت العلاقات السعودية-الصينية خلال السنوات الأخيرة تطوراً غير مسبوق، شمل التعاون في المجالات الثقافية والعسكرية والاقتصادية والسياسية.
كما أظهرت كل مِن السعودية والصين رغبات متبادلة في تعزيز العلاقات الثنائية؛ تجلَّت في اعتماد السعودية تدريس اللغة الصينية في بعض المدارس والجامعات الحكوميّة في سابقة عربية فريدة، وصفقات تسلُّح، وفتح بنوك صينية في السعودية، وزيادة مؤشرات التبادُل التجاري بين كلا البلدين؛ نستعرض في هذه الدراسة المحطات التاريخية التي مرَّت بها العلاقات الصينية-السعودية.
العلاقات الثنائية
بالرغم مِن أن البلدين وقَّعا أوّل معاهدة صداقة في 15 نوفمبر 1946 في مدينة جدة بالسعودية فإن البدايات الفعلية للعلاقات الرسمية الكاملة بين الدولتين تأخرت حتى عام 1990، وكانت العلاقات قد توقفت 30 عاماً؛ بَدءاً مِن 1949 حتّى 1979، مع استمرار الاتصالات المحدودة بين البلدين.
لكن منذ بداية التسعينيات حتَّى عام 1998، شهدت العلاقات بين البلدين تطوُّراً ملحوظاً، تلخص في 16 زيارةً واتفاقيات تعاون رفيعة المستوى في مختلف المجالات.
هنا نذكُر أنه في أبريل 1993، فتحت الصين قنصلية في مدينة جدة بالسعودية. وفي أبريل 1998، وافقت الصين على أن تفتح السعودية قنصلية عامة في مدينة هونغ كونغ.
ومنذ نهاية التسعينيات حتى الوقت الحاضر، تسارَعت وتيرة اللقاءات والاجتماعات الثنائية بين البلدين، ففي عام 2004، زار وزير الخارجية الصيني “لي زاو زنج” مدينة جدة في 8 سبتمبر، وتم الاتفاق بين البلدين حينها على تشكيل لجنة سعودية-صينية مشتركة برئاسة وزيري خارجية البلدين، وبَدء حوار سياسي منتظم. وتُوجِّت العلاقات بينهما، بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله إلى الصين في يناير 2006م. وقد وقّع الملك والرئيس الصيني “هو جينتاو” 5 اتفاقيات خاصة بالتعاون العلمي والثقافي والاقتصادي المشترك. كما شملت هذه الاتفاقيات بنودًا خاصة بالتعاون في مجال المعادن والغاز والنفط.
وفي مارس 2017، زار الملك سلمان بن عبد العزيز الصين في زيارة رسمية، ووقَّعت الدولتان حينها اتفاقيات تجاوزت قيمتها 65 مليار دولار، مِن بينها إنشاء مصنع صيني للطائرات العسكرية من دون طيار في السعودية.
وفي فبراير 2019، زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الصين كمحطة ثالثة في جولته التي شملت الهند وباكستان، تم خلالها توقيع العديد من الاتفاقيات، وكانت تلك هي الزيارة الأولى لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إلى الصين عام 2016، وقَّع خلالها اتفاقية مع نائب رئيس الوزراء الصيني لإنشاء لجنة مشتركة سعودية صينية، وتم الاتفاق أيضًا على محضر أعمال الدورة الأولى لهذه اللجنة.
خلال اللقاء بين ولي العهد السعودي ونائب رئيس مجلس الدولة الصيني، تم توقيع 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين الحكومتين السعودية والصينية في مجالات متعددة، مِن أبرزها تخزين الزيوت، والطاقة ومجالات التعدين والتجارة، وكذلك تم توقيع اتفاقية لتنمية “طريق الحرير المعلوماتي”، وكذلك تم توقيع اتفاقية أخرى مع وزارة الإسكان السعودية لإنشاء مدينة جديدة في ضاحية “الأصفر”، كما شملت الاتفاقيات مذكرة تفاهم بين مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية للتعاوُن في المجال العلمي ووزارة العلوم والتكنولوجيا الصينية، بالإضافة إلى مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الموارد المائية.
وفي 26 يناير 2022، بحث الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز نائب وزير الدفاع السعودي، مع وزير دفاع جمهورية الصين الشعبية الفريق أوّل وي فونگ خاه، العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصةً في المجال العسكري والدفاعي وسُبل تطويرها. واستعرض اللقاء القضايا ذات الاهتمام المشترك.

التبادُل التجاري
تسعى السعودية والصين إلى تعميق التعاون الاقتصادي بينهما عبر نقاط الالتقاء بين “رؤية السعودية 2030” ومبادرة “الحزام والطريق” الصينية، التي تُحيي طريق الحرير، حيث تستفيد السعودية من موقعها الاستراتيجي لوصل قارة آسيا بإفريقيا.
وفي ضوء ما سبق، تم تدشين أول مشروعات التعاون السعودي-الصيني في مبادرة “الحزام والطريق” عام 2019، وهو مشروع مصنع شركة “بان آسيا” الصينية للصناعات الأساسية والتحويلية في مدينة جازان جنوب غربي السعودية، وهو باكورة الاستثمار الصيني في هذه المنطقة على وجه التحديد، باستثمار قيمته 1.15 مليار دولار في مرحلته الأولى.
هنا لا بد من ذِكر بعض البيانات الرقميّة التي توضِّح مدى عُمق العلاقات الاقتصاديَّة بين البلدين، والتي تنمو بوتيرةٍ متسارعةٍ للغاية:
– بلغت القيمة الإجمالية للمشاريع المُتعاقد عليها التي أنجزتها الشركات الصينية في المملكة، خلال الفترة ما بين 2014 و2019، نحو 40 مليار دولار، ويمثل هذا المبلغ ضعف القيمة المقابلة للفترة ما بين الأعوام من 2008 و2013.
– قفز التبادل التجاري بين الصين والسعودية من 3 مليارات دولار عام 2000، إلى 67 مليار دولار عام 2020، أي أنه تضاعف أكثر من 22 مرةً خلال عقدين.
– سجّلت التجارة البينية السعودية-الصينية قفزةً كبيرةً خلال عام 2018، إذ ارتفعت بنسبة 32%، لتبلغ نحو 230.3 مليارات ريال مقابل 174.3 مليارات ريال في 2017، لتكون الصين بذلك أهم شريك تجاري للمملكة منذ عام 2018.
– في عام 2021، استحوذت السعودية على 26.3% من التجارة الخارجية للصين مع الدول العربية، والتي بلغت أكثر من 332 مليار دولار خلال العام، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والسعودية نحو 87.3 مليارات دولار بزيادة قدرها 30 في المائة عن عام 2020. كما كانت السعودية أكبر مصدر للنفط إلى الصين خلال 2021، إذ زادت حصة المملكة إلى 17% من إجمالي الواردات الصينية.
يؤكد ما سبق حالة النمو والازدهار التي تشهدها العلاقات الصينية السعودية، لا سيما بعد مضاعفة التبادل التجاري بين البلدين.
النفط
إنَّ ظهور الصين خلال السنوات الأخيرة كقوة صناعية عظمى، واعتبارها ثاني دولة في العالم بعد الولايات المتحدة اقتصاديًّا، شجّع السعودية للدخول في شراكاتٍ قويةٍ مِن شأنها نمو وازدهار الاقتصاد بين البلدين. وتعدُّ المملكة أكبر شريك تجاري للصين في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا، وتعد أيضًا أكبر مزوّد للنفط الخام إلى الصين التي تعدّ أكبر مستورد للنفط السعودي.
الصين هي المقصد الأكبر للاستثمارات الخارجية المباشرة بالنسبة إلى السعوديين، وما تم الاتفاق عليه من تعهدات بين البلدين يعمل على دعم المصالح الجوهرية وتحقيق السلام في المنطقة وحل القضايا الإقليمية، لا سيما أنَّ الصين أصبحت قوةً لها ثقلها العالمي والسياسي ولا يستهان بها.
وبالعودة للخلف، نجد أنَّ صادرات المملكة للصين خلال الثمانينيات كانت ضئيلةً. لكن منذ مُنتصف التسعينيات ازدادت الصادرات السعودية إلى الصين، وذلك بسبب أنّ الصين أصبحت منذ عام 1993 مستورداً صافياً للنفط، والقفزة الكبيرة في الصادرات السعودية إلى الصين حدثت في عام 2000، حينما بلغ معدل نموها السنوي 139%، ووصلت إلى 5.63 مليار ريال سعودي.
ومنذ ذلك العام، تعاظمت قيمة الصادرات السعودية إلى الصين سنة تلو الأخرى. ففي عام 2001، بلغت قيمتها 8.15 مليار ريال سعودي. وفي عام 2008، وصلت قيمتها إلى 116.25 مليار ريال سعودي. وبالتالي، نمت قيمة الصادرات السعودية إلى الصين خلال التسع سنوات الأولى من الألفية بنسبة 963%.
جاء هذا النمو المذهل، بالدرجة الأولى، نتيجة لطلب الصين المتزايد على الطاقة، إثر اتّساع الهوة بين مُستويات استهلاكها النفطي وإجمالي إنتاجها المحلي من الخام.
وهو ما دفعها إلى تعديل محطاتها لتكرير النفط وزيادة طاقتها الإنتاجية، وذلك لاستيعاب كميات متزايدة مِن الخام السعودي الثقيل. وهذا ما حوَّل المملكة إلى المصدر الرئيسي لواردات الصين النفطية، وجعل الأخيرة، في الوقت ذاته، أهم مستوردي الخام السعودي.
في أكتوبر الماضي، أظهرت بيانات مِن الإدارة العامَّة الصينية للجمارك، أن الواردات النفطية من السعودية، التي تعدّ أكبر مورد للصين، بلغت 7.53 مليون طن، أي 1.83 مليون برميل يوميًّا، انخفاضًا من 1.99 مليون برميل يوميًّا في أغسطس، وفي تراجع بنسبة 5.4 بالمئة على أساس سنوي. وأظهرت البيانات أيضًا أنه خلال الشهور التسعة الأولى، احتلّت السعودية المرتبة الأولى بإجمالي إمدادات بلغ 65.84 مليون طن، بانخفاض 1% على أساس سنوي.
وفي نوفمبر الماضي، صدَّرت السعودية إلى الصين ما معدله 1.8 ملايين برميل نفط يوميًّا، متراجعةً عن معدل 2.06 ملايين برميل يوميًّا في نوفمبر 2020، ومع ذلك حافَظت المملكة على تفوّقها على روسيا التي بلغت صادراتها للصين نحو 1.67 مليون برميل يومياً.
التعاون الأمني والعسكري
رغم أنَّ الاتفاقيات الاقتصادية كانت تطغى على العلاقات السعودية-الصينية، فإنّه في عام 1988 شهدت العلاقات مسارًا مختلفًا مع اتفاقٍ على تزويد الرياض بصواريخ مِن نوع “دونج فنج 3” الصينية مُتوسّطة المدى.
استمر التعاوُن العسكري بين البلدين خلال السنوات اللاحقة، حيث شهد عام 2006 زيارة الرئيس الصيني هو جينتاو للرياض، ونتجت عن الزيارة اتفاقيّة تعاوُن أمني بين الحكومتين السعودية والصينية، إضافة إلى التوقيع على عقد أنظمة دفاعيّة.
بمرور السنوات، تعمَّقت العلاقات السعودية-الصينية في المجالات الأمنية والعسكرية، لا سيما في عام 2017، عندما شهد الملك سلمان أثناء زيارته لبكين توقيع اتفاقيات بقيمة 65 مليار دولار بمجالات مختلفة، منها الاتفاق على الشّراكة لتصنيع الطائرات المسيّرة، بعدما وقّع رئيس “مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية” السابق الأمير تركي بن سعود بن محمد، اتفاقية تعاوُن مع رئيس مجلس إدارة شركة “CASA” لي فانبي. وما يدفع السعودية نحو الصين بقوةٍ في المجال العسكري، هو امتلاكها أكبر جيش في العالم، وكذلك ثاني أكبر ميزانيّة عسكريّة في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
بالحديث عن الشراكة العسكرية بين الرياض وبكين، يُمكن القول إنّها تسير على نحو مُتسارع نحو التنسيق والتعاوُن، وذلك بعد أن نشرت “سي إن إن” تقريرًا في 23 ديسمبر 2021، جاء فيه أنَّ السعودية تعمل بنشاطٍ على تصنيع صواريخها الباليستية بمساعدة الصين، وهو تطوُّر يمكن أن تكون له آثار كبيرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، فالتقدّم السعودي في مجال الصواريخ الباليستية يُمكن أن يُغيِّر بشكلٍ كبيرٍ موازين القوة الإقليمية، ويعقّد الجهود الهادفة لتوسيع شروط الاتفاق النووي مع إيران، ليشمل قيودًا على تكنولوجيا الصواريخ الخاصّة بها. فإيران والسعودية عدوان لدودان، ومِن غير المرجّح أن تُوافِق طهران على التوقّف عن صُنع الصواريخ الباليستية إذا بدأت السعودية في تصنيع صواريخها.
العوامل التي أسهمت في تطوُّر العلاقات
أولاً: هناك إرادة سياسية قوية لدى الجانبين لدفع العلاقات نحو مستويات أعلى، وقد برز ذلك جليًّا خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الصيني إلى السعودية.
ثانياً: بالرغم من زيادة المنافسة في أسواق الطاقة العالمية، تبقى منطقة الخليج ذات مكانة استراتيجية بالنسبة إلى الصين، خاصة فيما يتعلق بالنفط، فمِن المتوقع أن تنمو واردات بكين من المنطقة على مدى العقدين المقبلين. الأمر الذي من شأنه تعزيز العلاقات بين البلدين، خاصة في ظل توجّه المملكة لتطوير الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على استهلاك الوقود الأحفوري، وهو ما يمنح الشركات الصينية فرصًا جيدة في قطاعات؛ مثل الطاقة النووية والطاقة الشمسية.
ثالثاً: أسهمت الاستثمارات المشتركة بين الرياض وبكين في تعميق التعاون والعلاقات بينهما، فالسعودية بها 62 شركة صينية مُسجّلة، يعمل بها 22 ألف فرد، منهم نحو 16 ألف صيني، ويجري العمل بالمملكة في أكثر من مائة مشروع صيني-سعودي مشترك باستثمارات تزيد على 7 مليارات دولار أمريكي.
رؤية تحليلية
حول الزيارة يقول محمد سعيد الرز الإعلامي والمحلل السياسي اللبناني في تصريح خاص لوكالة “رياليست“، إن عندما مد الأمير محمد بن سلمان يده مستقبلاً الرئيس الصيني فهو يعي تماماً ما يمثله هذا القائد الآتي من قلب آسيا بل من دولة كبرى جددت شبابها بمشروع طموح اوصلها إلى القمة العالمية بسرعة منقطعة النظير، ولذلك فإن هذا اللقاء سيكون محفوفاً بقدر كبير من الشفافية ودورها المهم في التعاون او التحالف الدوليين.
وقد يقول قائل إن القمة الصينية السعودية العربية سوف تنتج الكثير من الاتفاقات الاقتصادية والتكنولوجية والتجارية، وهذا صحيح، لكنها إلى جانب ذلك، سوف تنطلق من وعي مشترك يرتكز إلى تلاقي بنود عديدة في المبادئ والرؤى المنبثقة عنها.
خاص وكالة رياليست.