أربيل – (رياليست عربي): المناطق الكردستانية التي شهدت الصراع المستمر بين الدولة التركية وشعب كردستان (المعروفة جغرافیا بجنوب شرق الأناضول) قد عانت وتستمر في معاناتها من أضرار اقتصادية وتنموية كبيرة بسبب سنوات من الصراع المسلح، التهميش، والسياسات الحكومية التي كانت تركز أساسًا على الحلول الأمنية بدلاً من التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فيما يلي نظرة عامة عن هذه المناطق استنادًا إلى المؤشرات المتوفرة:
حجم المناطق الكردية المتضررة
تغطي المناطق الكردية التي شهدت الحرب والصراع المستمر في شمال كردستان، والمعروفة لدى السلطات التركية بأنها شرق وجنوب شرق تركيا، مدنًا مثل ديار بكر، شرناق، هكاري، وان، ماردين، وباتمان. تبلغ مساحة هذه المناطق أكثر من 150,000 كيلومتر مربع، أي حوالي 19% من مساحة تركيا. يعيش في هذه المناطق حوالي 15-20 مليون نسمة، ما يقارب 18-20% من سكان تركيا. وقد تضررت هذه المناطق بشدة من الصراع، حيث تم تدمير العديد من القرى والبلدات بشكل كامل. على سبيل المثال، نزح أكثر من 400,000 شخص خلال التسعينات نتيجة العمليات العسكرية.
التفاوت التنموي في المناطق الكردية مقارنة ببقية تركيا
تواجه المناطق الكردية تحديات تنموية كبيرة مقارنة ببقية البلاد، حيث تسجل معدلات فقر وبطالة أعلى، ومستويات تعليمية أقل. وفقًا لتقارير معهد الإحصاء التركي لعام 2023، بلغ معدل الفقر على مستوى تركيا 13.9%، لكن في المناطق الكردية يتراوح المعدل بين 20% و30%. كما أن البطالة في هذه المناطق تصل إلى 20-30% مقارنة بـ10% في المتوسط على مستوى البلاد. بالإضافة إلى ذلك، تظل معدلات الأمية مرتفعة، وتقل نسبة الالتحاق بالمدارس، خاصةً بين الفتيات.
تأثير الصراع على الاقتصاد التركي
تُقدّر تكلفة الصراع الكردي-التركي بنحو 450 مليار دولار على مدار العقود الماضية، وذلك نتيجة للنفقات العسكرية الهائلة، تعويضات النزوح، والخسائر الاقتصادية المتعددة. أسهم عدم الاستقرار الأمني الناجم عن الصراع في تردد المستثمرين سواء المحليين أو الأجانب في ضخ الأموال داخل البلاد، مما أضعف الاقتصاد المحلي وأدى إلى تراجع النمو في المناطق المتأثرة. علاوة على ذلك، كانت السياحة أحد القطاعات الأكثر تأثرًا، حيث تراجعت الإيرادات السياحية بشكل كبير بسبب عزوف السياح عن زيارة المناطق التي تشهد اشتباكات وصراعات مستمرة.الصراع مع حزب العمال الكردستاني (PKK) استلزم إنفاقًا ضخمًا على المعدات العسكرية، بما في ذلك الطائرات المسيّرة، المدفعية الثقيلة، والمركبات المدرعة، فضلًا عن تكاليف العمليات الأمنية التي امتدت إلى دول الجوار مثل العراق وسوريا. هذه النفقات العسكرية المستمرة أثرت بشكل مباشر على الميزانية الحكومية، مما قلل من القدرة على استثمار الأموال في مشاريع تنموية أساسية في مناطق أخرى. كما أن النزوح الجماعي لمئات الآلاف من الأكراد بسبب العمليات العسكرية أدى إلى تحميل الدولة التركية تكاليف إضافية لتوفير الإيواء، الرعاية الصحية، والتعليم للنازحين، مما زاد من العبء على الاقتصاد الوطني.
أثر التنمية الضعيفة على السلام
الحرمان الاقتصادي والاجتماعي في شمال كردستان يعمّق الشعور بالظلم والتهميش لدى المجتمع الكردي، ويعزز الإحساس بالانفصال عن الدولة. إن نقص التنمية، سواء في البنية التحتية أو في مجالات التعليم والصحة، يعوق فرص النمو ويزيد من التوترات الاجتماعية. من خلال تحسين هذه الجوانب الأساسية، وزيادة الاستثمارات في المناطق المتضررة، يمكن أن تُبنى الثقة بين الدولة والمجتمع الكردي. تعزز هذه الخطوات من عملية المصالحة، وتساهم في بناء السلام المستدام من خلال ضمان العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، مما يؤدي إلى استقرار المنطقة واندماجها في الدولة بشكل أفضل.
خاص وكالة رياليست – كاوە نادر قادر – كاتب سياسي – كردستان