منطقة آسيا الوسطى تتكون من: أوزبكستان، تركمانستان، كازاخستان، طاجيكستان و قرغيزستان، وهي دول لا تطل على أي من البحار المفتوحة لكن موقعها الجغرافي يجعلها ذات أهمية كبرى للدول العظمى في العالم. و ترجع الأهمية الإستراتيجية لهذه المنطقة إلى أنها منطقة تتاخم أفغانستان الغير مستقرة و إيران العدو الحالي للولايات المتحدة، بالإضافة أنها تتوسط أربع قوى نووية (الصين، الهند، باكستان و روسيا)، أما إقتصاديا فهذه المنطقة غنية بالنفط و الغاز و المواد الأولية. وتشكل من جهة أخرى ملتقى طرق برية وتمديدات انابيب الغاز والنفط من بحر قزوين باتجاه الصين او منها باتجاه البحر الاسود وتركيا والبحر المتوسط.
ترغب بكين في ضم بلدان آسيا الوسطى في إطار مشروع “حزام واحد – طريق واحد”، لتصبح المشتري الرئيسي لموارد الطاقة في آسيا الوسطى والمستثمر الأكبر في هذه الدول. أما روسيا فتريد زيادة نفوذها في هذه المنطقة عن طريق زيادة عدد قواعدها العسكرية فيها و عن طريق تعزيز و تطوير عمل الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي. و من أجل قطع الطريق على النفوذ الإقتصادي الصيني و النفوذ العسكري-السياسي الروسي في هذه المنطقة تشارك الولايات المتحدة في تطوير ميناء ” أناكليا” الجورجي الذي يقع على البحر الأسود ليكون المنفذ الوحيد لدول آسيا الوسطى على هذا البحر. فتشترك شركتي “كونتي جروب” (نيو جيرسي) و “إس إس إيه مارين” (سياتل) ، في بناء الميناء ، وستدار أناكليا بواسطة مشغل الموانئ الأمريكي الكبير “إس إس إيه مارين” (سياتل). ميناء “أناكليا” سيكون أول ميناء حاويات للمياه العميقة في منطقة شرق البسفور، وسوف يستوعب بضائع بقيمة كبيرة. ستصل طاقته الإجمالية إلى 100 مليون طن. ترى الولايات المتحدة في تطوير هذا الميناء إحياء لمشروع ممر آسيا-القوقاز-أوروبا أو “تراسيكا”.تم إنشاء برنامج TRACECA في عام 1993 على أساس إعلان بروكسل بمشاركة أذربيجان وأرمينيا وجورجيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان. و هذا الممر كان مصمم لكي لا تمر البضائع من خلال أراضي الإتحاد الروسي. و لكن هذا المشروع بالرغم من وجود الهياكل الإداراية و اللوجستية له و حتى توجد بعض المشاريع التي نفذت، إلا أنه فشل حتى الآن بسبب التأخير في المعابر الحدودية وتقلبات التعريفات الجمركية والافتقار العام إلى القدرة التنافسية للطريق.
هناك أيضا تنافس روسي أوكراني على السيطرة على الممرات التي تخترق منطقة آسيا الوسطى. ففي يناير 2016 ، حاولت أوكرانيا اختبار مسار خاص بها عبر البحر الأسود ، وداخل القوقاز ، وبحر قزوين ، وكازاخستان ثم الصين ، لكن القطار الأوكراني وصل إلى حدود جمهورية الصين الشعبية في 15 يومًا بدلاً من 11 يومًا ، وكانت تكلفة نقل حاوية واحدة 5500 دولار. فيما عرضت شركات لوجستية روسية رسومًا لتوصيل الحاويات الكبيرة من الصين وموانئ جنوب شرق آسيا بسعر أقل مرتين و بفترة تسليم مماثلة.
يأتي التنافس الروسي الأوكراني لمحاولة التأثير على خط السكة الحديدية باكو – تبليسي – قارص الذي يمر عبر أذربيجان وجورجيا وتركيا الذي أفتتح في 2017. و هذا الخط أتاح تبادل البضائع بين الصين وأوروبا باسبوعين فقط ، سابقاً نفس الرحلة كانت تستغرق 45 يوما. الولايات المتحدة لا يمكنها التنافس الجاد مع الصين إقتصاديا في هذه المنطقة، لكن سيكون على الولايات المتحدة طلب الإشتراك في المشاريع الإستثمارية من جانب الدول التي تستضيف هذه المشاريع. مثل جورجيا و أوكرانيا. فبإمكان الولايات المتحدة أن تستخدم البنية التحتية لمشروع طريق واحد-حزام واحد لخدمة مصالحها في المنطقة.
التأثير الأميركي على مصالح و نفوذ روسيا في هذه المنطقة سيكون من خلال محاولة إحياء و تطوير مشروع “تراسيكا”. الذي يؤمن تفادي عبور البضائع من خلال الأراضي الروسية. و الولايات المتحدة تعلم أسباب فشل هذا المشروع الذي حاول الإتحاد الأوروبي إتمامه و ستعمل على تفاديها. فهذه هي الفرصة الوحيدة للولايات المتحدة التواجد في هذه المنطقة إقتصاديا. لذلك فالتواجد الأميركي في أفغانستان مهم و إستراتيجي لضمان وجود نفوذ أميركي على طريق الحرير في هذه المنطقة، لذلك سيكون التواجد العسكري الأميركي في أفغانستان حتمي.
أما روسيا فتعمل بشكل جدي على تطوير و توطيد العلاقات الروسية مع دول آسيا الوسطى. فتجمع روسيا بدول آسيا الوسطى الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي و منظمة الأمن الجماعي. مما سيساعدها على الوصول لأهدافها في هذه المنطقة، في حالة إستمرار الجدية الروسية في هذا الخصوص. أما الصين، فتعلم أنها لن تستطيع وحدها إتمام كافة المشاريع الخاصة بطريق الحرير، لذلك لن تعارض مشاركة الولايات المتحدة في الدخول في المشاريع الإستثمارية الخاصة بهذا المشروع. و الولايات المتحدة تعلم ذلك. لذلك إختارت ميناء “أناكليا” لأنه سيمثل المنفذ المهم و الوحيدة لممر نقل آسيا- القوقاز-أوروبا بالنسخة الأمريكية. و هذا الميناء دي فاكتو سيسيطر على هذا الممر.