بدأت مظاهرات حاشدة في لبنان منذ الـ 17 من أكتوبر/ تشرين الأول 2019، إحتجاجاً على ارتفاع التكلفة المعيشية، والفساد في النظام السياسي، ولم تكن للمظاهرات أي طابع طائفي، فلقد خلت الهتافات الشعبية من السمات الطائفية والدينية، في حين أن السبب الرئيسي والمباشر لاندلاع هذه الاحتجاجات، هو نية الحكومة بفرض ضرائب على خدمة تطبيق الواتساب.
إذ يبدو أن هذه الاحتجاجات تستهدف كامل الحكومة اللبنانية، حيث تعاني لبنان من أزمة اقتصادية صعبة، لعل أبرزها، الديون الضخمة البالغ حجمها 100 مليار دولار، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية على حزب الله ومؤسساته من قبل الإدارة الأمريكية، حيث تم إغلاق البنك اللبناني “جمال ترست بنك” مؤخرا بسبب امتلاكه لعلاقات مالية مع حزب الله، الأمر الذي ساهم بازدياد انهيار الاقتصاد اللبناني، وولّد احتجاجات شملت كل لبنان بسبب هذا الوضع.
انقلاب شعبي وحكومي ضد حزب الله
بدأ السياسيون والمسؤولون اللبنانيون، في توجيه أصابع الاتهام إلى حزب الله، وأعلنوا مسؤولية الحزب عن الأزمة الاقتصادية التي تحدث في البلاد، وقالوا إن نشاط حزب الله المتزايد في خدمة المصالح الإيرانية، سبب مباشر في تورّط لبنان والذهاب به إلى الهاوية. و المثير للاهتمام في الاحتجاجات اللبنانية هو أن المتظاهرين لأول مرة، هتفوا ضد حزب الله وحركة أمل التي لها ممثلون في الحكومة والبرلمان حيث يعتقد الشعب أنهم جزء من الفساد. لقد اختفت الحاضنة الشعبية لحزب الله، حيث منذ تأسيسه كسب حزب الله تأييد الجماهير بسبب الحرب ضد إسرائيل ولكن الحزب فقد شعبيته بسبب التدخل المباشر في سوريا.
يحاول الأمين العام لحزب الله ردع المحتجين من خلال تحذيرهم أن الاحتجاجات المستمرة ستؤدي إلى حرب أهلية في البلاد، من هنا، حزب الله وحركة أمل يشعران بالقلق من المواجهة المباشرة مع المتظاهرين، حيث دعا زعيم حزب الله حسن نصر الله مؤيديه، للابتعاد عن المربعات والساحات التي يتواجد فيها المتظاهرون.
إن مأزق حزب الله في لبنان هو مأزق النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، فحزب الله وقوته في لبنان كان لسنوات عديدة قصة نجاح لتصدير “الثورة الخمينية” خارج حدود إيران، حيث تعتبر الانتفاضة في لبنان هي ضربة لمكانة الجنرال قاسم سليماني، الذي تفاخر في أول مقابلة أجراها مؤخراً، مع قناة “العالم” الإيرانية بأن لبنان هو أنجح مثال على تصدير الثورة الخمينية، لكن كل ذلك يبدو أنه تغير، إن سيطرة حزب الله على مؤسسات الدولة والحكومة والرئيس باتت الآن في خطر بسبب غضب الشارع اللبناني.
أخيراً، من المستحيل استبعاد احتمال حدوث مواجهة عنيفة واسعة النطاق بين مؤيدي حزب الله والمتظاهرين، في ظل رغبة حسن نصر الله إنهاء هذه الاحتجاجات ويعتمد الأمر على التعليمات التي سيتلقاها من إيران، في مثل هذا السيناريو، من المفترض أن يحمي الجيش اللبناني المتظاهرين بسبب مطالبهم العادلة، لكن ما رأيناه هو عكس ذلك حيث رفضت وزيرة الداخلية ريا الحسن مطالب المتظاهرين بتفريق الاشتباكات بينهم وبين مؤيدي حزب الله.
يبقى السؤال المطروح؟ هل يتحول الربيع اللبناني إلى حرب أهلية بدعم إيراني أم أن الشعب اللبناني اكتسب الذكاء والمناعة السياسة وهو مدرك أن الحرب الأهلية سوف تكون مدمرة خصوصا أن جارتها سوريا ليست لديها القدرة في التدخل لإيقاف الحرب الأهلية كما فعلت سابقا فهي مشغولة بجراحها وحربها الأهلية.
والسؤال الأهم؟ هل حزب الله سوف يدعم الشارع اللبناني أم أنه سوف يستمر بتنفيذ الحلم الإيراني حلم ولاية الفقيه على حساب لبنان وشعبها، أم نشهد رفض شيعيا لبنانيا كما حدث من قبل شيعة العراق للتواجد الإيراني.
ماكس كيفورك- صحفي و محلل سياسي، خاص لوكالة “رياليست” الروسية