جاءت الكثير من خطابات رؤساء الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة، على تسمية دول بعينها ممن لا يتفقون وسياسات دول أخرى، من بينهم الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حاكم دولة قطر الذي طالب بدوره عدم التدخل في شؤون ليبيا الداخلية، إضافة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أراد هو الآخر الحفاظ على أمن ليبيا، في حين أن أغلب الأسلحة التي تملكها حكومة الوفاق الوطني الليبية بحسب مصادر تؤكد أن مصدرها تركيا، فأثناء كلمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مطالبا فيها الحفاظ على أمن ليبيا، تم الإعلان عن إسقاط طائرة مسيرة تركية الصنع من قبل الجيش الوطني الليبي، بحسب وكالات أنباء. يضاف إلى ذلك، خطاب فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الذي سمّى دولا بعينها وهي الإمارات العربية وفرنسا ومصر، وندد بتدخلها في شؤون بلاده طبقا لوكالة فرانس 24. فالساحة الليبية أصبحت مسرحاً للتنافس التركي-المصري و القطري-الإماراتي و الفرنسي-الإيطالي و الأمريكي-الروسي.
تصفية حسابات
يبدو أن منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة أصبحت منبرا لتصفية الحسابات، إلى جانب عقد إجتماعات مخصصة لبحث الأزمات الملحة وعلى رأسها الأزمة الليبية، بطلب كل من فرنسا وإيطاليا، فكلمة السراج وتسمية دولا بعينها تأتي في سياق إتهام الإمارات وإعلامها بدعمها لقوات المشير حفتر، فضلا عن تسويق الإتهامات إلى مصر، بالإضافة لذلك، يبرز إحتدام التنافس الفرنسي – الإيطالي الذي يشير إلى أن الغلبة فيه لإيطاليا على حساب فرنسا التي بدأت تميل على ما يبدو إلى دعم خليفة حفتر. من جانبٍ آخر ولثالث مرة في سياق إستمرار الحملة ضد تنظيم داعش، أعلنت القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا “أفريكوم”، شنها غارة جوية أسفرت عن مقتل عدد من الجهاديين، في جنوب العاصمة الليبية طرابلس، بالتنسيق مع حكومة الوفاق، ليقتصر الدور الأمريكي في هذا الإتجاه في الوقت الحالي.
من هنا، إن تناقض التصريحات التي أدلى بها كل من الرئيس التركي أردوغان، ورئيس حكومة الوفاق السراج، يؤكد ان الأزمة الليبية تنقسم إلى معسكرين أساسيين، وعمق الخلاف دولي – إقليمي بعيدا أكثر من أن يكون بين الليبيين أنفسهم، فبعد المعلومات التي تؤكد أن ميناء مصراته أصبح مركزا أساسيا لتهريب الأسلحة التركية إلى المرتزقة من مخلفات داعش والقاعدة والنصرة التي تقاتل في ليبيا، فإن ذكر دولا معينة والتغاضي عن دول أخرى تدعم الميليشيات وتمدهم بالمال والسلاح وتهدد إستقرار المنطقة، يؤكد على أن هناك إزدواجية في المعايير وولاءات طبقا للمصالح المشتركة فيما بينهم.
وكما أشرنا في تقرير سابق، عن الحوالات المصرفية بين طرابلس وإسطنبول لشخصيات هامة لشراء صفقات أسلحة، كل ذلك من شأنه أن يطيل أمد الأزمة، لكن من ناحية أخرى، يبدو أن هناك مساعٍ دولية جديدة ستوضح المرحلة الجديدة طبقا لما سيتمخض عن مؤتمر برلين في نوفمبر/ تشرين الأول القادم، 2019، خاصة بين فرنسا وإيطاليا وألمانيا، فيما يقتصر دور الولايات المتحدة على شن غارات جوية ضمن مساعي تفكيك الجماعات الإرهابية دون تحديد موقف مؤكد من جانبها حول الأزمة الليبية، أما الإتحاد الروسي فهو يسعى إلى إيجاد توافقات بين الجانبين وعلى أكثر من صعيد، فيمتلك الكرملين علاقات مع الطرفين الليبيين و مع الدول الفاعلة الأخرى في هذا الملف، على رأسها مصر، إيطاليا و الإمارات العربية المتحدة. و من خلال هذه العلاقات تحتاج موسكو أن تهدأ الأوضاع الميدانية في ليبيا من أجل توجيه كافة الجهود لمحاربة الجماعات الإرهابية. و من أجل حل سياسي شامل يكون بداية لطريق عودة توحيد الأراضي الليبية.