في الخامس عشر يوليو من عام 1975 تاسست لجنة القدس بتوصية من المؤتمر السادس لوزراء خارجية دول منظمة المؤتمر الاسلامي السادس المنعقد في جدة وقرر المؤتمر العاشر المنعقد في فاس بالمغرب اسناد رئاستها الي العاهل المغربي الملك الحسن الثاني ثم تراسها ابنه الملك محمد السادس , وكان اخر اجتماع لها في العشرين من ينار في 2014 بعد 12 سنة من التجميد , كذلك تاسست وكالة بيت مال القدس في 1998 كمؤسسة عربية اسلامية ومقرها الرباط وبمبادرة من الملك الحسن الثاني ايضا بهدف حماية المدينة المقدسة بالدعم والتمويل للحفاظ علي هويتها الاسلامية وتقرر ان يكون مديرها يعين من قبل الملك الحسن الثاني ومن بعدةه ابنه محمد السادس
وكذلك وفي سبيل القضية ضرب الملك ضرائب علي السجائر والمسارح وغيرها من الترفيهيات لتذهب الي دعم الشعب الفلسطيني وكذلك يرصد في رصيد المغرب تكليفها لوائين عسكريين احدهم في سيناء والاخر في الجولان اثناء حرب اكتوبر قد يري البعض ان هناك تناقض بين الصدارة المغربية سابقة الذكر وما يم الان من عملية التطبيع مع اسرائيل وما يستتبع ذلك( حسب ما تم الاتفاق عليه والاعلان عنه ) من تبادل دبلوماسي وتجاري وثقافي
خيط اريان:*
لكن لابد من الاقرار بان التطبيع المعلن عنه هو الوصول الي ذروة العلاقات بين البلدين التي تعود الي تاريخ بعيد كانت ممتدة فيه وظل خط اريان موصول لم ينقطع بينهم حتي في اوج الصراع العربي الاسرائيلي وغليان الشارع العربي والمغربي وقد قال الملك الراحل الحسن الثاني حين كان وليا للعهد : لو كنت مكان الدول العربية، لاعترفت بإسرائيل ولقبلت عضويتها بالجامعة العربية لأنها، على كل حال، دولة قائمة ولا يمكن إزاحتها” (كتاب “ذاكرة ملك”، ص 245 الطبعة الفرنسية) لذلك كانت الرباط مكان اللقاء التمهيدي لترتيب زيارة الرئيس السادات الي القدس وتحت رعاية الملك الحسن الثاني شخصيا التقي اسحاق حوفي رئيس الموساد واخري مع موشي ديان وزير الخارجية الاسرائيلي في حينه مع محمد حسن التهامي سفير السادات للمهام الخاصة.
وذكر مركز إسحاق رابين للدراسات السياسية والاستراتيجية أن إسحاق رابين زار المغرب سراً عام 1976، وكانت هذه أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء إسرائيلي إلى دولة عربية. للتباحث مع الملك حول سبل دفع عملية السلام مع الدول العربية. كذلك كانت المغرب قد سهلت مابين عامي 1961 و1964 لاسرائيل نقل ما يزيد عن خمسين الف يهودي مغربي الي فلسطين حتي وصلوا اليوم الي اكثر من 700 الف وكان لهم دورا مهم في دوام المحافظة علي خيط اريان موصول, كذلك استقباله لرئيس الوزراء الاسرائيلي شيمون بيريز في افران في عام 1986 وتبادل مكاتب التمثيل الدبلوماسي في البدين في 1994 علي اثر اتفاق اوسلو بين الفلسطينين واسرائيل وقد وضح مستوي التواصل من حجم الوفد الاسرائيلي الذي حضر جنازة الملك المغربي الذي تعامل مع هذا الملف بواقعية شديدة قد توصف بالبراجماتية احيانا والتناقض في حين اخر فهو الذي انتقد كامب ديفيد بشدة لعدم انهائها النزاع في شموليته وهو ايضا من ساهم وبنفس الشدة في اتفاق اوسلوا بين ياسر عرفتات وشيمون بيريز وهو نفسه من اغلق مكاتب التمثيل الدبلوماسي بسبب العنف الاسرائيلي في مواجهة المتظاهرين الفلسطينيين وهو نفسه ايضا الذي استعان بالموساد في تصفية المعارض المغربي المهدي بن بركة في الستينات بالاراضي الفرنسية مما اثر بالسلب علي علاقة باريس بالرباط في حينه وحظر ديجول توريد السلاح وقطع غيار الميراج الي اسرائيل ردا علي ذلك الحادث.
كذلك حصلت اسرائيل بمساعدته علي اكبر كنز استراتيجي حسب وصف رئيس الموساد في الستينات مائير عميت وحسب مانشرته ياديعوت احرينوت ان الملك الحسن قام بحجز جناح في الفندق الذي تمت به القمة العربية عام 1965 بالرباط لتوثيق ما يتم ورغم فشل الخطة بتعليماته الا انهم بعد انتهاء القمة تسلموا كافة وثائقها والتي اقرت فيها الدول العربية بعدم جاهزية جيوشها للحرب وهو ما حدا برئيس الموساد بوصفها بالكنز الاستراتيجي, واستمرارا في الحفاظ علي خيط اريان لم يكن التبادل التجاري بعيدا عن التناغم ففي نوفمبر 2000 اعلنت اسرائيل ان حجم التبادل التجاري مع المغرب بلغ 50 مليون دولار وان خمسين الف اسرائيلي قد زاروا المغرب وهناك العديد من الشركات العاملة منذ وقت بعيد مثل زيم للملاحة والتي تمتلك اسرائيل 48% من اسهمها وهي تعمل بين اشدود والدار البيضاء وبرشلونة وشركة راكافيم التي تعمل تحت الراية الاسبانية في الرباط وغيرهم من الشركات بصورة غير مباشرة, وفي فبراير 2019 تحدثت بعض الصحف الاسرائيلية عن لقاء تم بين بنيامين ناتينياهو ووزير الخارجية المغربي اثناء اجتماعات الجمعية العامة بالامم المتحدة بنيويورك وكذلك التعاون في المجال العسكري لم يتوقف ضمن خيط اريان فإسرائيل باعت للمغرب معدات عسكرية تضمنت منظومات حرب إلكترونية واتصالات ومراكز تحكم وكذلك اعطت للرباط أيضاً 3 طائرات بدون طيار من طراز هيرون. وتم تسليم الطائرات للجيش الفرنسي، ومن هناك نُقلت إلى المغرب، وتم دهنها بألوان الجيش المغربي و معدات عسكرية للطيارين.
وظل خيط اريان مشدود بين البلدين حتي بعد وفاة الملك الحسن وورث ابنه محمد العرش ففي عام 2009، نشرت صحيفة “هاآرتس” العبرية، تقريراً قالت فيه إنه على الرغم من قطع العلاقات العلنية مع إسرائيل، إلا أن الملك محمد السادس حافظ على استمرارية تلك العلاقات سراً مع تل أبيب، سواء عن طريق مستشار أبيه للشؤون الإسرائيلية أندريه أزولاي، أو عن طريق رئيس الطائفة اليهودية في المغرب، سيرجي برديجو.
اعلان التطبيع ومنحة ترامب :
في مساء الخميس الموافق العاشر من ديسمبر 2020 لحق المغرب بقطار التطبيع مع اسرائيل كرابع دولة عربية حجزت مقاعدها بعد الامارات والبحرين والسودان وبموجب الاتفاق، سيقيم المغرب علاقات دبلوماسية كاملة ويستأنف الاتصالات الرسمية مع إسرائيل، وفتح المجال الجوي للرحلات المباشرة من وإلى إسرائيل وقد اعلن الرئيس الامريكي عن ذلك كما اومأ ان البيت الابيض يهدف الي اقامة حفل لجعل الاتفاق رسميا قبل مغادرته منصبه في 20 يناير القادم وقد عبر نتنياهو عن سعادته بذلك اثناء احتفاله بعيد الحانوكا واصفا ما تم بالسلام الدافئ وبدوره قال الملك محمد السادس ان بلاده ترحب بهذا الاتفاق في ضوء سعيها الدائم ودورها التاريخي في التقريب بين الشعوب ,وقال جاريد كوشنر كبير مستشاري البيت الأبيض واحد اهم مهندسي اتفاقات التطبيع والمنسق العام لصفقة القرن ان الامريكيين سيعززون التعاون الاقتصادي بين الشركات الإسرائيلية والمغربية وإنهم سيعيدون فتح مكاتب الاتصال الخاصة بهم في الرباط وتل أبيب على الفور بنية فتح سفارات وأن ذلك يعزز أمن إسرائيل ويخلق فرصا للمغرب وإسرائيل لتعميق علاقاتهما الاقتصادية وتحسين حياة شعبيهما.
وفي نفس السياق اعلن الرئيس الامريكي عن منحته للادراة المغربية بقوله في تغريدة في ذات يوم الاعلان عن الاتفاق ” لقد وقعت اليوم اعلانا يعترف بالسيادة المغربية علي الصحراء الغربية , وان اقتراح المغرب الجاد والواقعي بحكم ذاتي هو الاساس الوحيد لحل عادل من اجل السلام والرخاء وقد اعترفت المغرب بالولايات المتحدة عام 1777 ومن ثم فانه من المناسب ان نعترف بسيادتهم علي الصحراء الغربية ” وسرعان ما ترجمت امريكا اعلانها بالسيادة المغربية علي الصحراء الي واقع فقررت افتتاح قنصليتها في مدينة الداخلة الساحلية بالصحراء الغربية وتبعتها دولة الامارات في امر شبه مرتب بافتتاح قنصليتها في مدينة العين بالصحراء ايضا وكل ذلك يؤكد ان الامر يرتب له منذ حين حيث كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن دور المستثمر المغربي اليهودي ياريف الباز في عمله كوسيط بين واشنطن والرباط منذ 2017 حول مسالة الاعتراف الامريكي بمغربية الصحراء مقابل التطبيع مع اسرائيل وكذلك شملت المكافاة الترتيب لصفقة سلاح امريكي للمغرب تقترب من المليار دولار
مالات التطبيع
ان التطبيع بين المغرب واسرائيل يختلف عن غيره مما سبق وقد يختلف ايضا عما يخطط له فيما هو ات لان اثاره قد تخطت حدود الدولتين المطبعتين حيث انسحب اثره الي ارض الصحراء الغربية وهو امر سيكون له تبعات اقليمية ودولية بالاضافه لاثره علي الجبهة المغربية الداخلية
داخليا:
لاشك ان صدور هذا الاعلان عن التطبيع في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية الاسلامي المحافظ يضع تلك الحكومة في حرج شديد وذلك لتعارض ذلك الاتفاق مع ثوابتها السياسية والايديولوجية وهو ماحاول ان يعبر عنه سعد الدين العثماني رئيس الوزراء المغربي ان هذا الاتفاق لن يؤثر علي الدعم المغربي للقضية الفلسطينية مشيرا للاتصال الهاتفي بين الملك ورئيس السلطة الفلسطينية ومنتقدا خطة ترامب للسلام ورفض صفقة القرن , والامر الذي جعل موقف الحكومة بحالة من السوء امام الشارع المغربي هو ما سبق واعلنه العثماني في اغسطس الماضي وعقب اعلان الامارات التطبيع ان المغرب يرفض التطبيع مع الكيان الصهيوني لان هذا سيشجع اسرائيل علي الذهاب للابعد في انتهاكه لحقوق الشعب الفلسطيني ثم بدا بما يشبه التراجع عن ذلك معللا ان معارضته للاتفاق كانت بصفته رئيسا للحزب وليس بصفته رئيسا للحكومة وهو ما سيجعل الحزب تحت ضغط شعبي متوقع وخصوصا عندما يعلم الشعب ما اعلنته صحيفة يسرائيل هايوم ان التطبيع مع المغرب جاء بسابقة هي الاولي في العالم العربي حيث سيصبح التاريخ اليهودي وتراثه جزءا من المناهج الدراسية في المغرب وان هذا الامر يسير في تكتم شديد , فكيف ستواجه تلك الحكومة الاسلامية الشارع حينئذا , واذا كان الاتفاق (ومن من الواضح انه كذلك) امرا ملكيا فكان يجب علي الحكومة ان تستقيل ان كانت تنوي الالتزام بثوابتها الايديولوجية حيث ان المقابل مشكوكا في قانونيته بعد اعلان ممثل الامين العام للامم المتحدة ان اعلان ترامب بمغربية الصحراء الغربية لن يغير موقفها القانوني
الشعب المغربي شعبا عربيا خالصا ومن المتوقع ان يكون هذا الاتفاق نسخة مصرية اخري اي سلاما باردا رغم التاريخ الطويل من العلاقات بينهم فسيظل اللقاء علي استحياء ومصحوبا بعزوف شعبي اي انه سيكون قاصرا علي دواليب الحكومة فقط وستقاطع اي شركة وطنية تتعامل مع اسرائيل .
اقليميا:
ايضا تسببت مكافاة هذا الاتفاق في غضب الجزائر خصوصا بعد اعتماد الولايات المتحدة خريطة جديدة للمغرب تضم الصحراء الغربية ضمن حدودها حيث ان الجزائر لها اطماع هي الاخري في الصحراء الغربية وتمول جبهة البوليساريو المسيطرة هناك والتي سرعان ما اعلنت رفضها التام لاعلان ترامب فيما يخص الصحراء والذي سيؤدي لا محالة الي تعميق الهوة بين الجزائر والمغرب اكثر مما هي عليه وكذلك يباعد الف خطوة بين الجزائر وقطار التطبيع حيث غرد رئيس الوزراء الجزائري معبرا عن غضب دولته قائلا بان الكيان الصهيوني قد بات علي حدودنا ناهيك عن صعوبة مراس الشعب الجزائري بالاساس فيما يخص قوميته العروبية
كذلك رفض حكومة البوليساريو المسيطرة في الصحراء الغربية علي لسان سفيرها في الجزائر عبدالقادر طالب واصفا اعلان ترامب بانه فاقد للشرعية حيث انه لا يملك سيادة علي الصحراء الغربية كي يمنحها لمن يشاء وان اعلانه مخالف للقوانين الدولية مما سيستدعي اعمالا عسكرية قد تتصاعد ضد اي تواجد مغاربي في الصحراء الغربية للتاكيد علي عدم مشروعية تواجده بالاساس.
دوليا:
جاء اعلان ترامب مخالفا للقوانين الدولية وهذا ما اكده ممثل الامين العام للامم المتحدة بان موقف الامم المتحدة بالنسبة للصحراء الغربية ثابت ولم يتغير ولا يمكن ان تحل تلك القضية الا علي اساس القرارات الاممية , ثم تبعه بيان الخارجية الروسية رافضة ذلك الاعلان معتبره اياه انتهاكا للقانون الدولي خصوصا في ظل التواجد الروسي الحالي في منطقة الساحل الافريقي الساخنة والتي تعد موريتانيا والصحراء الغربية امتادادا لها , مما يوحي بان هذا الاعلان هو مجرد اعطاء مبرر لحفظ ماء وجه الادارة المغربية ولتقديمه كمبرر للداخل لقبول التطبيع وان هذا الاعلان لن يكون عطية سهلة المنال خصوصا بعد 20 يناير وخروج ترامب من البيت الابيض
خاص وكالة “رياليست” – د. ناصر مأمون عيسى – باحث في العلاقات الدولية وشؤون الشرق الأوسط.
- خيط اريان هو عند الإغريق أسطورة تقول : إن “شاباً” حبسوه في إحدى “المتاهات”. ولكن حبيبته قد وضعت فى جيبه خيطاً طويلاً يتركه وراءه يتدلى لعلها تهتدى إلى انقاذه بعد ذلك. وهذا ما فعله الشاب الحبيس. وهكذا أنقذته حبيبته الفتاة ” أريان”. هذا “الخيط الهادي” دخل التاريخ تحت اسم ” خيط أريان”