أكد رئيس الوزراء العراقي المستقيل، عادل عبد المهدي، أن الاستقالة مهمة لتفكيك الأزمة وتهدئة الأوضاع في العراق مؤكدا أن استقالته تعني استقالة مجلس الوزراء بالكامل، مضيفاً “اخترت أن أقدم الاستقالة للبرلمان الذي منح الثقة للحكومة. وفقاً للتلفزيون العراقي.
أزمات متعاقبة
منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003، شجعت الولايات المتحدة الأمريكية على الإنقسامات داخل البيت الواحد، وإغراق البلاد بالشركات الأمنية، والإستثمارات التي تعود بالنفع عليها أكثر مما يعود على هذا البلد النفطي الكبير، فغرقت العراق إهمالاً وتراجعاً وإعتمدت على الإستيراد حتى المياه المعلّبة للشرب، على الرغم من وجود أنهار كدجلة والفرات التي كان من المفروض أن تكون رديفاً لإكتفاء حاجة السكان، لكن لعب الفساد منذ العام 2003 وإلى اليوم الدور الأكبر في معاناة العراق إقتصادياً، خاصة في ظل تواجد دولي وإقليمي، كالولايات المتحدة وإيران وحتى السعودية، الأمر الذي إستفاد منه الجميع إلا الشعب العراقي.
فعلى الرغم من محاولات الشعب العراقي السابقة إعلاء الصوت، إلا أن آلة القمع كان لها الكلمة الفصل، فقد كانت تستعين البلاد بالقوات الأجنبية سواء الإيرانية “الحرس الثوري”، أو الأمريكية الموجودة هناك، إلا أن ذلك لم يحدث أي فرق، ومع تعاقب الحكومات منذ إسقاط النظام العراقي إلى اليوم، لم يتغير الواقع، بل ظلّ في تراجع وإنحدار كبيرَين، فكل حكومة كانت تأتي، تحمل ملفات فساد الحكومات السابقة، مقدّمة الوعود خلف الوعود دون جدوى.
تدخلات أجنبية
لم يتوقف التخطيط على العراق، ففي عهد حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، كان ملف داعش هو الأبرز، الأمر الذي أدى إلى تشكيل فصيل الحشد الشعبي المدعوم إيرانياً، ما لبثت ان خرجت محاولات واشنطن لتفكيكه كونه أصبح يشكل قوة لا يُستهان بها، من هنا عززت إيران تدخلها في شؤون العراق خاصة وأن ولاء الحشد في غالبيته يتبع لولاية الفقيه، إضافة إلى إعلان كردستان العراق الإنفصال والخلاف الشديد مع حكومة بغداد المركزية وخاصة على مسألة النفط. لكن على الصعيد الداخلي والمعيشي لم تحقق حكومة العبادي أي تطور ملحوظ في دعم عجلة الاقتصاد على الرغم من إنفتاحه إقليمياً وزيارته إلى السعودية ومن ثم زيارة مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري ولقاءهما المسؤولين السعوديين، كل ذلك ذهب أدراج الرياح ولم تنجح العراق الخروج من أزماتها الخانقة.
إرث مدمّر
أما في عهد حكومة عادل عبد المهدي، فلقد ورث كسابقيه ملفات الفساد المثقلة في خزائن العراق، فحاول التوسع إقليمياً من خلال إبرام الإتفاقيات، ما أوحى أن العراق قد يعود إلى دوره الريادي، ولكن كل هذا أيضاً لم يغير من الواقع شيء، فكانت حكومة عبد المهدي تحمل تراكمات حيدر العبادي ونوري المالكي، وإياد علاوي وإبراهيم الجعفري، ففي 16 عاماً من التراكمات لن تستطيع حكومة واحدة إصلاح كل الدمار السابق، فمن الظلم أن تتحمل حكومة عبد المهدي لوحدها أخطاء الجميع، فمشكلة العراق الأساسية أنه قائم على المحاصصات الطائفية والمصالح وتدخل الدول الأجنبية في شؤونه وكل هذه العوامل مجتمعةً أدت إلى تدمير العراق.
فما يتحمله عادل عبد المهدي في فترة وجوده في الحكومة هو الدم الذي سقط في المظاهرات، فضلاً عن تأخره في تقديم الإستقالة التي جاءت بطلب من المحتجين الغاضبين، فلم يكن في وجههم سواه، وبالتالي كان كبش المحرقة وحمل الأعباء لوحده دون غيره، فعندما ظن أن هذا الوضع سينتهي متأملاً موقفاً حازما من المرجعية العراقية، جاء موقفها مغايراً ووقفت مع الشعب ما أجبره على إعلان الإستقالة المتأخر.
أخيراً، إن طبيعة العراق الطائفية والولاءات لدول اجنبية، لن تحقق له أي إستقرار على المدى المنظور والبعيد، لكن إذا ما أصر الشعب العراقي على خروج الأجنبي من بلاده، فنكون أمام خسارة ليست بسهلة على إيران التي تعتبر العراق حديقتها الخلفية، وسيشهد العراق تنافساً إقليمياً ودولياً كبيراً لتثبيت تواجدهم لا لإخراج العراق من ازماته بل لإغراقه أكثر وأكثر، فهذا هو مفتاح السيطرة على هذا البلد ومقدراته.
فريق عمل “رياليست”