تعتبرإسبانيا الدولة الثانية في العالم التي يسقط فيها المزيد من القتلى بعد إيطاليا بسبب فيروس كورونا، سيناريو مأساوي على غرار جاراتها إيطاليا و فرنسا، يبدو وكأنه شيء مأخوذ من فيلم رعب، كل يوم نعيش المزيد من المشاهد الدرامية كإكتشاف كبار السن مهجورين في مراكز التمريض اوالمحارق، المواطنون يعيشون تحت الرعب بسبب زيادة انتشار الوباء الرهيب، تحت الرعب لجهلهم لطبيعته، فلا أحد لايعرف نوعية هدا الفيروس وكيف يتغير، كيف تحدث فيه طفرة وكم يبقى في الجسم وكم هي مدة حضانته، لا سيما وأن مؤشرات التوصل إلى لقاح ضده قد يستغرق وقت طويل، الرصيد الأخير لوزارة الصحة الإسبانية يظهر ما مجموعه 15.970 متوفى و 157.053 حالة اصابة.
من جهة ، معنويات الشعب انهارت كم انهارت المستشفيات أما المحارق فاضت عن آخرها، نظرات خوف واضحة من الذي قد يأتي، الناس تجتنب بعضها البعض بالطريق العام، وعائلات كثيرة فقدت أحبتها، بالمقابل برزت بالبلاد تجارب اجتماعية وتطوعية جميلة للغاية، تشمل توصيل الطعام والدواء للناس الى مساكنهم، وتفقد الجيران وتكريس الأعمال التجارية لخدمة الأخرين، أما ظاهرة الحجر المنزلي فهي مناسبة كبيرة لتقوية العلاقة الأسرية و تعزيز الدفئ الأسري و ترسيخ مبدأ التعايش بين أفراد الأسرة الواحدة ، والأجمل من هذا رفع الآذان بمكبرات الصوت فى مساجد العديد من المقاطعات الإسبانية لأول مرة منذ 500 سنة تقريبًا بهدف نشر الطمأنينة في النّفوس وبث الأمن الرّوحي المفقود هنا، بعد أن مُنع مع سقوط الاندلس سنة 1492 .
ياثرى هل إرتفاع نسبة الوفيات باسبانيا يرجع الى الإستهثار بأهمية الإلتزام بالبقاء في المنزل الذي هو أمر صحيح للنجاة، وخروج المواطنين للتنزه بالشوارع والساحات برفقة الكلاب تحت ذريعة الرفق بالحيوان؟ ياثرى هل هي نقمة أصابت المجتمع الاسباني وزاد الطين بلة ضعف القطاع الصحي الاسباني؟ أم هي فرصة للتخلص من أعباء المسنين وتبعات الاموال العامة التي تنفق عليهم من أجورالتقاعد والرعاية الصحية والاجتماعية كما يرى البعض؟ وهل كبار السن يعيشون لفترة طويلة ويشكلون عبئا على الدولة وخطرا على الاقتصاد الاسباني ؟
إسبانيا، حيث الهرم السكاني تغلب عليه الشيخوخة، فهناك أكثر من 8.6 مليون شخص فوق 65 في إسبانيا ، اما في عام 2030 سيكون 30٪ من سكان إسبانيا أكبر من 65 عامًا، في حين توجد 5،417 دار رعاية أو دار للتقاعد في جميع أنحاء الأراضي الإسبانية، و يعيش أكثر من 850.000 شخص فوق 80 عامًا بمفردهم في إسبانيا، أولئك الشيوخ الذين يزعجون في المستشفيات اليوم، كانوا مربحين طوال حياتهم وهم الآن عرضة للإهمال والموت .
الإنسان فوق خمسين سنة، جهازه المناعي يكون ضعيفًا مقارنة بشخص عمره عشرين سنة، وهذاا المفهوم أسيء فهمه من قبل الكثيرمن الأشخاص اللذين قامو بإطلاق وصمة عارعلى الفئة العمرية المسنة التي هي عرضة للمرض أو العدوى تحت تأثير مجالسة الناس من نفس الفئة العمرية او العاملين بالقطاع الصحي، فمسألة العدوى هي تفضيلية تخص أشخاص على حساب آخرين وليس المسنين فقط، فهناك مجموعات أخرى معرضة أيضًا للإصابة كالتي تعاني من أمراض أخرى كمشاكل التنفس، او ضيق النفس، فاللذين يعانون من الربو هم اكثرعرضة، اللذين يعانون من التهابات على مستوى الرئتين والأنف، أو مرضى السرطان اللذين يعانون أصلا من طفرات بسبب السرطان، يعانون منه وهم اكثر هشاشة وعرضة للمرض والفيروسات في زمن اصبحت فيه الأدوية اغلى من النفط .
حسب معطيات منظمة كاريتاس، هناك 40.000 شخص بلا مأوى في إسبانيا ككل، اما إنهيارالملاجئ البلدية بسب كثرة الوافدين عليها يترك عشرات المشردين الفقراء، المتسولين، و مدمني الهيروين عرضة للموت بفيروس كورونا، حيث ينام قرابة 1200 شخص كل ليلة بشوارع وأزقة برشلونة بدون اقنعة واقية، بعد ان باتت المدينة مساحة للحرية، تجذب اليها مدمني المخدرات والمتسكعين من ايطاليا، فرنسا، اوروبا الشرقية، باكستان، الهند، مغاربيين وأفارقة، نظرًا لعامل وفرة المخدرات وسهولة شرائها عن شراء الحليب. المشكلة، هي مشكلة من لاصوت ولا مأوى لهم .
متشردين في شوارع برشلونة-خاص “رياليست”
متسكعين بلا مأوى في شوارع برشلونة- خاص “رياليست”
بالمقابل، الحقيقة هي أنه منذ سنوات لم يتم إتخاذ أي إجراء لمنع الكوارث من هذا النوع، هناك نقص في الإستثمار بالميدان الصحي باسبانيا، وهناك أيضًا نقص في معدات الوقاية الطبية وأجهزة التنفس الاصطناعي والمهنيين الصحيين، وغياب دعم الأبحاث العلمية، المستشفيات غير قادرة على إستيعاب هذه الزيادة الهائلة من المرضى مما من شأنه ان وضع اسبانيا في مأزق وأجبرها على التوظيف الدولي للأطباء من أمريكا اللاتينية وتجنيد الممرضات اللاثنيات، بعد هجرة المهنيين الاسبان وعلمائها وباحثيها إلى بلدان أخرى بحثا عن الدخل الافضل، اما عدد الممرضين الممارسين في إسبانيا – مقارنة بالسكان – يضع البلد في ذيل أوروبا حسب تعبير وزارة الصحة الاسبانية، فإسبانيا بحاجة إلى إضافة 125000 من المهنيين و لن يكون لديها ما يكفي من الأطباء الا مع حلول عام 2030 .
عبد الكريم عتوك- مستشار أمني، خاص وكالة “رياليست” الروسية