اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن المصالح المشتركة بين تركيا والولايات المتحدة “تفوق الخلافات”، وقال إن أنقرة ترغب في تعاون أفضل مع واشنطن، في نبرة تصالح نادرة، وقال أردوغان في تصريحات تلفزيونية: “نؤمن في تركيا أن مصالحنا المشتركة مع الولايات المتحدة تفوق بكثير خلافاتنا في الرأي”، وأضاف أن أنقرة ترغب في تعزيز التعاون عبر “رؤية بعيدة المدى” تعود بالفائدة على الطرفين، طبقاً لموقع قناة “سكاي نيوز عربية“.
وقال الرئيس التركي: “ستستمر تركيا في تنفيذ ما عليها بأسلوب جدير بمستوى التحالف والشراكة الاستراتيجية بين البلدين”، مضيفا أن العلاقات التركية الأميركية “تعرضت لاختبار خطير” في الآونة الأخيرة، في وقت طالبت فيه تركيا، الولايات المتحدة بنسج علاقات أفضل تحت قيادة الرئيس الأميركي جو بايدن، بوقف دعم واشنطن لوحدات حماية الشعب الكردية، واتهمتها بالوقوف بجانب المسلحين الذين قالت إنهم أعدموا 13 تركياً في شمال العراق الشهر الجاري، في حين انتقدت الولايات المتحدة أنقرة بسبب ملف الحقوق والحريات.
اعتقادات واستنتاجات خاطئة
واهمٌ من يعتقد أن العلاقة الحالية بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية فاترة، أو تشبه ما يمكن تسميته بالأوضاع الباردة، لأن ذلك من المستحيل حدوثه، نظراً لتشابك عدد من الملفات الدولية والإقليمية بين الجانبين، إذ أن أنقرة هي واجهة واشنطن في حوض المتوسط وكذلك في البلقان وغرب آسيا، وبالتالي، إن التفريط بهذا التحالف، كمن يخرج منسحباً من عمق هذه المناطق تاركاً إياها لمصيرٍ مجهول، ما يعني أن تصريحات الرئيس الأمريكي بايدن عندما كان نائباً للوزير الأمريكي الأسبق باراك أوباما، تعكس موقفه الشخصي أكثر من موقف الولايات المتحدة الرسمي حول موقفه من تركيا (أردوغان)، فبعد التنصيب من الطبيعي أن تختلف المعطيات، وهنا واشنطن ليست بصدد إعلاء الصوت على الرغم من أنها الدولة العظمى والأقوى عالمياً، فالرئيس بايدن، وما تركه له سلفه دونالد ترامب يضعه في خانة الإبقاء على كثير من التحالفات لإحداث التوازن المطلوب في كثير من القضايا حتى تقف الإدارة الأمريكية على قدميها مجدداً في ضوء الفوضى التي خلفها ترامب على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وبالتالي إن التصريحات التركية هي رسالة تطمين للإدارة الأمريكية بأنهم لا يزالون يدهم اليمنى في المنطقة، ولا يمكن لهذا التحالف أن ينسف تحت أي سبب من الأسباب، ومن حق أنقرة بكل تأكيد أن تلقى ثمناً لهذه العلاقة في ضوء كل ما قدمته للولايات المتحدة سواء في الملف السوري أو الليبي أو العراقي، حتى في الصراع الأرميني – الأذري الأخير ولو كان هناك من نوايا لواشنطن في إخراج تركيا من المعادلة لتم ذلك بكل بساطة فمواقف تركيا (أردوغان) تؤكد بما يقطع الشك باليقين أنها تحافظ على هذه العلاقة ولا تأمن أساساً للتحالف مع خصوم واشنطن كروسيا على سبيل المثال التي حاولت مراراً وتكراراً جذب التركي إلى معسكرها لكن لم يتحقق ذلك رغم عمق المصالح التي تجمعهما.
الملف الكردي
يبدو أن الخلاف التركي – الكردي هو مسألة فعلاً تتعلق بالأمن القومي التركي، لكن بحسب المعطيات على الأرض وبتحليل بسيط، يعيدنا هذا الأمر إلى العمليات العسكرية التركية سواء غصن الزيتون أو درع الفرات أو نبع السلام أو درع الربيع في سوريا، وكذلك مخلب النسر 1 ومخلب النسر 2 في شمالي العراق، ففي سوريا تم تسليم مناطق الأكراد للقوات التركية والفصائل الموالية لها دون مقاومة تذكر، فكان الانسحاب للفصائل الكردية مشكوكاً فيه منذ اللحظة الأولى فبالعودة إلى السيطرة على مدينة عفرين في ريف حلب لم تحدث معارك بحجم الاستبسال في الدفاع على الأرض، بل سلّمت بسهولة كبيرة، وبتبيان عدد الفصائل الكردية الموالية للقوات الأمريكية فهي قليلة العدد وتخضع السوريين للتجنيد الإجباري لتشكيل قوة تستمد منها شكلها الحالي، لأنه وبالاعتماد على تعدادها فهي لا تشكل إلا نسبة ضئيلة.
ما يعني أنه كان هناك تنسيقاً أمريكياً – تركياً سابقاً في خلق فصيل تحتاجه تركيا كذريعة للدخول إلى الأراضي السورية، فالجميع يعلم أن دخولها الأول إلى الأراضي السورية كان تحت ذريعة حماية أمنها القومي وحدث ما حدث في الداخل السوري، كذلك الأمر بالنسبة لشمال العراق، فالقوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي والقوى الأجنبية الأخرى موجودة بكثرة في الداخل العراقي ورغم ذلك لم تكن تركيا لتتجرأ على قصف مواقع كردية لولا الضوء الأخضر الأمريكي، وبالتالي هذا يأخذنا إلى عمق التحالف بين الجانبين الذي لا يمكن لملف منظومة “إس 400” الروسية وغيرها من الخلافات أن تزعزع استقرار هذه العلاقة، حتى وإن كان هناك عدم محبة شخصية من قبل الرئيس بايدن.
أخيراً، إن العلاقات التركية – الأمريكية هي مصلحة متبادلة كما أسلفنا في منطقة شرق آسيا وغربها وفي منطقة شرق المتوسط والشرق الأوسط وكذلك أفريقيا، تركيا تقف حجر عثرة مثلاً في عدد من الملفات بما يتعلق بالعلاقة التركية – الروسية، لكنها الضامن الأكبر لواشنطن في المنطقة، بالإضافة إلى أن البلدين عضوان في حلف شمال – الأطلسي، فقد صدر من المواقف الكثير الذي من شأنه أن ينسف هذا التحالف وكانت أمريكا في كل مرة تستوعب الحماقات التركية وتفتح معها صفحة جديدة لا يمكن لها أن تغلقها خاصة في ظل الفوضى التي تحيط بالعالم.
فريق عمل “رياليست”.