موسكو – (رياليست عربي): بعد أن تعرضت إسرائيل يوم الأربعاء 1 أكتوبر 2024 لهجوم صاروخي إيراني، استهدف عدداً من المناطق والمدن الإسرائيلية، حيث توعدت إسرائيل بالرد الأكيد، بعد أن أعلنت قيادة الجيش الإسرائيلي أنها تملك قدرات للوصول والهجوم لقصف أي نقطة في منطقة الشرق الأوسط، وأن الجيش الإسرائيلي لن يسمح لما يطلق عليه الإسرائيليون بـــــــــــ(محور الشر الإيراني) بتدمير إسرائيل، بل إن إسرائيل هي التي ستدمر أعدائها:
- أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن الصراع العربي الإسرائيلي يتطور إلى (حرب إقليمية كبرى)، مؤكدة بأن منظمة الأمم المتحدة ما زال لديها القدرة على وقف هذا الصراع، ووقف إراقة الدماء غير المسبوقة التي استمرت لمدة عام تقريباً في منطقة الصراع العربي الإسرائيلي، وأن هذا الأمر يتطلب إستجابة موحدة من المجتمع الدولي، لأنه لا يمكن التوصل إلى مثل هذا التوقف حالياً سوى من خلال منظمة الأمم المتحدة.
- وأشارت زاخاروفا إلى الإجماع الواسع بين الدول بشأن القضية الفلسطينية خاصة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مشيرة إلى أن عملية التهدئة يتم عرقلتها من قبل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، حيث أكدت المسؤولة الروسية أن هجمات منظمة (حماس) في السابع من أكتوبر تستحق كل الإدانة، ولكن بعد مرور عام أصبحت مناسبة تماماً للإسرائيليين، لأنها باتت حرفياً تستعمل ذريعة للعقاب الجماعي ليس فقط للفلسطينيين في غزة، وإنما مناسبة للإسرائيليين لاستعمالها من أجل معاقبة الملايين من الفلسطينيين الذين مات عشرات الآلاف منهم، وهي باتت مناسبة أيضاً لاستخدامها ضدَّ اللبنانيين والسوريين واليمنيين، الذين باتوا يموتون هم أيضاً مع الفلسطينيين، وبأعداد كبيرة.
- وأوضحت ماريا زاخاروفا أن اجتماعاً عقد في وقت سابقٍ من صباح أمس الأربعاء 2 أكتوبر 2024 مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف وسفراء الدول العربية الذين طلبوا اجتماعاً عاجلاً مع معالي الوزير لافروف، حيث تحدثوا معه برعب عن الوضع (على حد وصفها)، ليس بسبب الذعر أو الخوف، ولكن بسبب تحليلهم كمحترفين للعواقب المحتملة التي باتت تنتظر دول منطقة الشرق الأوسط، خاصةً وأن تلك المنطقة باتت تشهد حالياً مقتل أكبر عدد من المدنيين والعاملين في المجال الإنساني.
- وانتقدت ماريا زاخاروفا تصرفات إسرائيل قائلةً: (إن تلك التصرفات كان مخطط لها من خلال القيام بسلسلة من الإغتيالات السياسية، واستخدام وسائل الإتصال للهجمات والقصف المكثف مع المزيد من عمليات (التطهير) على الأرض، حيث أشارت إلى العدد المرتفع للضحايا من العاملين في المجال الإنساني، والذي وصل إلى 300 شخص، مشيرةً إلى أن هذه الخسارة للعاملين في المجال الإنساني، باتت الأكبر في صراع واحد ضمن التاريخ الحديث.
- كما قارنت ماريا زاخاروفا بين عدد القتلى في فلسطين وعددهم في أوكرانيا، مشيرةً إلى أن عدد القتلى والجرحى في قطاع غزة وحده، بات أكثر من ضعف عدد ضحايا الأزمة في أوكرانيا التي بدأت الأزمة معها منذ فترة طويلة تتجاوز الـــــــ10 سنوات، مشيرةً إلى أن أي شخص أو مسؤول روسي يجب أن يتصرف كإنسان، وكما أن المدنيين في أوكرانيا هم في غاية الأهمية للمسؤولين الروس، لذلك يجب أن يكون المدنيين في مناطق أخرى من العالم، هم أيضاً في غاية الأهمية.
- وحملت (ماريا زاخاروفا) واشنطن مسؤولية ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، مشيرةً إلى أن (السياسة الفاشلة) التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية مع دول الشرق الأوسط، هي التي تسببت بالتصعيد الحالي، مشيرة إلى أن واشنطن تعرقل عمل مجلس الأمن الدولي من خلال استخدام حق النقض ضد القرارات التي تأمر إسرائيل بوقف إراقة الدماء، وتزود تل أبيب بالأسلحة والذخيرة والمعلومات الإستخباراتية، رغم إدراكها تمام الإدراك، أن هذا التصرف لن يؤدي إلى تسوية سلمية
- وختمت (ماريا زاخاروفا) عرضها للموقف الروسي قائلةً: (إن روسيا الإتحادية ما زالت تبذل الجهود وستواصل بذل الجهود الممكنة، في المقام الأول في مجلس الأمن والجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، لمنع توسع المواجهة، وكذلك من أجل خلق الظروف اللازمة لتحقيق السلام والأمن الدائمين طويلي الأمد في الشرق الأوسط، والذين باتا يعتبران الشرط الأساسي لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة على أساس نموذج الدولتين، لكي تتعايش هذه الدولة الفلسطينية بسلام وأمن مع إسرائيل.
آراء المراقبين والمحللين والخبراء في مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الروسية والعالمية:
- يرى العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف العلاقات الدولية الروسية مع دول إقليم منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها فلسطين و لبنان، ومن خلفهما دولة إسرائيل أيضاً، مثل الخبير الأمريكي العالمي السفير (إيريك إيدلمان)، وهو باحث متميز في مركز (جيموندر) للدفاع والإستراتيجية التابع للمعهد الدولي للدراسات الأمنية والعسكرية في اليابان، والرئيس المشارك لمشروع سياسة إيران ومشروع سياسة شرق البحر الأبيض المتوسط، أن الوضع حول إسرائيل بات الموضوع الرئيسي للمفاوضات بين جميع وزراء خارجية دول العالم الذين شاركوا خلال الدورة الـــــــــ79 للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة.
- وأضاف الخبير (إيريك إيدلمان) أن وزراء الخارجية المشاركين ضمن الجلسة الـــــ79 للجمعية العامة ومنهم وزير الخارجية الروسي (سيرجي لافروف) قد ركزوا على الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو)، والذي قوبل بصيحات الإستهجان والتصفيق في نفس الوقت.
- ويخشى الخبير العالمي (إيريك إيدلمان) أن تنجرف دولة أخرى إلى الصراع الحالي المتأزم بين كل من إسرائيل من جهة وفلسطين ولبنان ومن خلفهما إيران من جهة أخرى، مثل دولة تركيا على سبيل المثال، لأنه وعلى هامش اجتماعات منظمة الأمم المتحدة، أدان رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، بشدة تصرفات الجيش الإسرائيلي وشبه (بنيامين نتنياهو) بالقائد النازي أدولف هتلر، وهو ما دفع نتنياهو للتوعد بالإنتقام منه.
- وبعد هذه الإدانة مباشرةً، بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة وسط صافرات الإستياء من جهة، والتصفيق العاصف في الوقت نفسه من أولئك الذين دعموه من جهةٍ أخرى، علماً بأن الوفود العربية قد غادرت القاعة احتجاجاً على خطاب نتنياهو، الذي قضى معظم خطابه متهماً طهران بتنظيم الحرب ضد إسرائيل، ومع ذلك، لم يكن لديه أدنى شك في أن إسرائيل ستنتصر في ساحة المعركة، حيث دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي مجلس الأمن الدولي إلى فرض عقوبات جديدة على إيران لضمان عدم حصول البلاد على أسلحة نووية.
- وأشار رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) أنه منذ تاريخ 8 أكتوبر 2023، تم إطلاق أكثر من 8 آلاف صاروخ على إسرائيل، وطالما اختارت حماس طريق الحرب، فإن دولتها لا تستطيع النوم بسلام، أما بالنسبة للجبهة الثانية في الشمال، فقد أوضح نتنياهو أنه لن يتراجع لأن إسرائيل لن تهدأ فيما يتعلق بمنظمة (حزب الله) حتى يتمكن الإسرائيليون من العودة إلى ديارهم بأمان.
- · ولهذا السبب يؤكد الخبير الأمريكي العالمي السفير (إيريك إيدلمان) أن إيران ومنظمة (حزب الله) وأعضاء آخرين معهم، سيقاتلون ضدَّ العملية البرية الإسرائيلية التي بدأت في لبنان، حسبما أفادت القناة التاسعة الإسرائيلية أمس، والتي نقلت معلومات عن خبراء في المعهد الأمريكي لدراسة الحرب، الذي يعمل تحت إشراف البنتاغون، أن استخبارات الجيش الإسرائيلي سجلت قدوم حوالي 40 ألف مقاتل (عراقي وسوري وحوثي) مدعومين من إيران، من الذين يتمركزون حالياً حول الحدود السورية بالقرب من مرتفعات الجولان، ولكنه من غير الواضح ما إذا كان هؤلاء المسلحون قد تمركزوا هناك بالفعل من قبل، ومن غير المعروف أيضاً ما إذا كانت منظمة (حزب الله)، قد دمجت هؤلاء المقاتلين الأجانب بالفعل في هيكل قوته العسكرية، مستفيدة من الوقت الذي كان يشهد الخطابات وعمليات تحديد مصير منطقة الشرق الأوسط داخل الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في نيويورك.
- فيما يرى بعض الخبراء والمحللين والمراقبين الروس من الموالين لإسرائيل في روسيا الإتحادية ضمن معهد دراسة إسرائيل والشرق الأوسط، أن إيران دولة مثل باقي الدول تعقد صفقات ومواءمات وإئتلافات مع دول أخرى، بعضها صديق والبعض الآخر عدو، وفي السياسة لا تدوم صداقة ولا يدوم عداء، لكن هناك مصالح مشتركة وأحداث راهنة، تحتم على كل دولة إعادة صياغة سياساتها الخارجية وفق مصالحها الإقليمية والدولية.
- ويضيف الخبراء الروس أنه وبالرغم من هذا التقييم لإيران، إلا أن المسؤولين الروس الموالين لإيران، يجب عليهم أن يفهموا شيئاً أن إيران الحالية في العام 2024 هي نفسها إيران التي كانت سائدة في العام 1979، والتي أبرمت مع الولايات المتحدة الأمريكية صفقة (إيران – كونترا) عام 1985 لشراء أسلحة تحارب بها العراق، وهي نفسها إيران التي قصفت السفارة الأمريكية وقصفت أيضاً قاعدة عين الأسد الخاليتين في العراق خلال عامي 2019 و2020، وهي نفسها إيران التي تنصل مرشدها الأعلى (عليّ خامنئي) في شهر نوفمبر 2023 من تصريحات إغراق دولة إسرائيل في البحر، ومحوها من على وجه الأرض، وهي نفسها إيران التي أبلغت الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه ضربة جوية لإسرائيل في شهر أبريل 2024 قبل القيام بها.
- أي هي نفسها إيران التي قال رئيسها (مسعود بزشکیان) مؤخراً عبر تسجيل صوتي مسرب له مع جمع من ممثلي الوكالات الإعلامية الأمريكية، بأن إيران مستعدة أن تُنحِي أسلحتها جانباً إذا أقدمت إسرائيل على هذا الأمر، ولذلك فإن كل ما تعلن عنه إيران هو مجرد مناورات دبلوماسية إيرانية من أجل استغلال هذا الأمر، للحصول على المزيد من النقاط ضمن الملف النووي الإيراني الذي يمكن حالياً لرئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيمين نتنياهو) أن يدمره بالكامل، في حال تأزم الصراع بين تل أبيب وطهران.
- ولذلك يفضل العديد من الخبراء الروس من الجهة المقابلة، أي من (الخبراء الموالين للدول العربية) داخل وزارة الخارجية الروسية، أنه من الأفضل لإيران أن لا تنخرط في حرب إقليمية كبرى ضدَّ إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، لاعتقادها بأن هذه الحرب ستستنزف قدراتها الإقتصادية المستنزفة أساساً، لكن هؤلاء الخبراء أنفسهم، باتوا يعتقدون بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيمين نتنياهو) عازم على ضرب المفاعلات النووية الإيرانية، وهو يخطط لذلك منذ فترة من الزمن، وقد وجد الفرصة الحالية مناسبة لذلك، لأن هذا الأمر يخدم حزبه ومستقبله السياسي، خاصةً وأن هناك معلومات أمنية إستخباراتية حصلت عليها أجهزة المخابرات الروسية الخارجية، تؤكد بأن هناك مخطط إسرائيلي حقيقي وجدي لتغيير الخطوط الجغرافية لدول منطقة الشرق الأوسط، وأن إسرائيل قد شرعت بتغييره (بموافقة ومباركة أمريكية ضمنية وسرية)، ولذلك من الأفضل لوزارة الخارجية الروسية عدم المراهنة على مساعدة إيران العسكرية لما يعرف بالجماعات الشيعية الموالية لها، لأن إسرائيل عازمة على تنفيذ المخطط الموضوع (أمريكياً) قبل أن يكون هذا المخطط (إسرائيلياً)، مما يؤكد أن التصعيد سيصبح أكثرة شدة خلال الشهرين المقبلين لغاية موعد الإنتخابات الأمريكية المقبلة.
حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية






