بغداد – (رياليست عربي): لا يمكن حصر القوانين والدساتير في زمن ما، إذ لكل زمن متغيراته ومتطلباته، ولعل العراق من أكثر الدول الذي ينطبق عليه تلك المعادلة، وسط انقسامات وسجالات داخلية طالت حتى البيت الشيعي نفسه.
وسط ذلك كله يحتدم الصراع السياسي الساخن في العراق والفراغ الدستوري الذي تعيشه بلاد الرافدين، حيث لجأ سياسيون إلى الدعوة لتعديل الدستور العراقي الذي أقر بموافقة شعبية في عام 2005.
ودعا رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، فائق زيدان، في وقت سابق، مجلس النواب، إلى تعديل الدستور الذي أقر في عام 2005، لتجنب الفراغ الدستوري، مشيراً إلى المواد التي يجب تعديلها.
وقال زيدان، في مقال نشر على موقع مجلس القضاء الأعلى، إن “دستور سنة 2005 صيغ في ظروف تختلف في حينه عن الظروف الحالية، ومعظم من اشترك في إخراجه بالشكل النافذ حالياً، هم في مقدمة الداعين إلى تعديله الآن نظراً إلى ظروف ومستجدات الواقع السياسي الذي وصل إلى مرحلة خرق الدستور في أكثر من مناسبة بسبب النصوص الدستورية التي لم تعد مناسبة للمرحلة الحالية”. وأضاف، أن “أكثر النصوص الدستورية التي تبرز الحاجة إلى تعديلها، هي المواد التي تسببت أحكامها بتعثر تشكيل السلطات، ومنها تلك التي تشترط موافقة أغلبية ثلثي العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب”.
وأشار زيدان إلى أن “هذا القيد الذي وضعه المشرع الدستوري، انقضت بسببه المدة الدستورية البالغة 30 يوماً من تاريخ أول انعقاد لمجلس النواب في 9 يناير/ كانون الثاني الماضي 2022 وهي المدة التي حددتها المادة 72 (ثانياً – ب) من الدستور لاستمرار رئيس الجمهورية في ممارسة مهامه إلى ما بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب الجديد”. وتابع، “أما الإشكالية الدستورية الأهم فهي صياغة المادة 76 من الدستور التي نصت على أن يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، تشكيل مجلس الوزراء. إن المقصود بالكتلة النيابية الأكثر عدداً هي القائمة أو الكتلة الفائزة في الانتخابات، على اعتبار أن هذا التفسير هو الأقرب إلى منطق التنافس الانتخابي”.
وبيّن رئيس مجلس القضاء الأعلى أن “مجلس النواب أمام مسؤولية تاريخية وواجب وطني يتمثل في ضرورة العمل على تعديل المواد الدستورية المتقدم ذكرها، لا سيما أنها مواد غير خلافية، وإنما قابلة لإعادة الصياغة بشكل يضمن عدم دخول البلد في حالة خرق أو فراغ دستوري مستقبلاً”. وشدد على “ضرورة تعديل المادة 76 وإظهار مبدأ واضح غير قابل للاجتهاد بأن يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة أو القائمة الفائزة في الانتخابات تشكيل مجلس الوزراء في ذات جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بعد استكمال إجراءات انتخابه دستورياً، وهذا يحسم الجدل المستمر منذ عام 2010 وإلى الآن، فيما لو تمت صياغة النص بشكل دقيق وواضح في الدستور”.
بدوره، قال عضو البرلمان جواد البولاني، إن “لجوء الأفرقاء السياسيين إلى المحكمة الاتحادية في هذه الدورة بسبب الدستور ومواده التي تتحمل أوجهاً عدة من التفسيرات، يفسرها كل شخص بحسب ما يخدمه”، معتبراً أن تعديل الدستور أصبح “واجباً وطنياً”. وأضاف البولاني أنه “يجب أن تكون هناك مراجعة واسعة وشاملة للدستور العراقي حتى يصحح المسار، إذ إن هناك مواد كثيرة في الدستور بحاجة إلى تعديل ومراجعة”، مبيناً أن “الذي يهم الآن هو أن هناك مساراً سياسياً ديمقراطياً لانتقال السلطة في العراق وهو ما يضمنه الدستور”.
وأكد البولاني أنه “بات حتمياً على اللجنة البرلمانية (المتخصصة بإجراء التعديلات الدستورية التي شكلها البرلمان قبل نحو سنتين)، أن تجتمع لتضع التعديلات على المسار الصحيح”، موضحاً أن “البرلمان لديه التزام وطني كبير وهو إعادة مراجعة بنود الدستور وتعديل المواد والفقرات التي تسبب المشكلات السياسية وذلك وفقاً للإندبندنت البريطانية.
كما أن فتح باب تعديل الدستور سيوفر مجالات لقوى سياسية من أجل المطالبة بالكثير من المواد السابقة، ولن تكون المادة المتعلقة بموافقة ثلثي المجلس على تشكيل السلطات، وحدها من سيطالها التغيير، مما قد يجعلنا نعتقد أن السجالات القادمة بين الساسة العراقيين ستكون أكثر.