الخرطوم – (رياليست عربي): دخل السودان وسط ضباب كثيف، يخيم على المشهد السياسي برمته، في ظل غياب ملحوظ لنخبة سياسية تقود دفة التوافق، ومؤسسة عسكرية تعاني من ويلات اقتصادية وضغوط يمارسه الشارع المنفلت بدون ضوابط.
وسط الدوامة التي دخلتها البلاد، تمارس الولايات المتحدة دبلوماسية غير واضحة تجاه المؤسسة العسكرية، وتخرج ببيانات أشبه بالوقود الذي يصب على نار الشارع المشتعل، مليئة بمفردات وعبارات تتشدق بمدينة الدولية، متجاهلة خطورة إبعاد الجيش في تلك المرحلة الحرجة عن المشهد، وفي الوقت ذاته لا تقدم خارطة طريق واضحة لما تطالب به.
وفي هذا الشأن قال المفكر السياسي المصري، والخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي، إن مشهد تنحي عبد الله حمدوك من رئاسة وزراء السودان، يشبه ما فعله عصام شرف رئيس وزراء مصر الأسبق، عام 2011 ومرحلة المليونيات الثورية، رغم الفارق الكبير بين السياقين والشخصين، ولكن ما يجري حالياً في السودان هو وصفة غير صحية لإفشال عملية الانتقال الديمقراطي وذلك لعدة أسباب أوضحها في النقاط التالية:
أولاً، لم يحدث في تاريخ أي تجربة سياسية لبناء الديمقراطية ودولة القانون أن بنيت فقط أو أساساً عبر الصوت الاحتجاجي ومظاهرات الشوارع مهما كان نبل وصلابة وإخلاص القائمين عليها فما لم تستطع بناء مؤسسات سياسية وحزبية قادرة على ملء الفراغ الذي سيتركه سقوط النظام القديم أو انسحاب المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي، فتأكد أنك لا تقدم أي بديل.
ثانياً، المدخل الإقصائي لا يبني وطناً ولا دولة قانون ولا عملية انتقال ديمقراطي، وأن ما تطالب به القوى الثورية ممثلة في لجان المقاومة وتجمع المهنيين وقوي الحرية والتغيير (المجلس المركزي) بإقصاء المجلس العسكري من المرحلة الانتقالية وتجاهل حاضنته الشعبية من قوى تقليدية وأحزاب سياسية، وإن ماكينة الإقصاء تبدأ بالخصوم وتنتهي برفاق الخندق “الثوري” الواحد.
ثالثاً، طالب تجمع المهنيين باختيار حكومة مدنية انتقالية تقود البلاد لمدة أربع سنوات، وهو مقترح كارثي لأنه يعني اختيار حكومة غير منتخبة شرعيتها منقوصة ومطلوب منها أن تقود البلاد لمدة أربع سنوات أخرى تستمر فيها حالة السيولة وعدم القدرة على اتخاذ أي قرارات حاسمة أو إصلاحات وقد تدخل البلاد في فوضى حقيقية.
وأكد الخبير في السياسة الدولية، على أنه لا يمكن إخراج المكون العسكري من المرحلة الانتقالية، أو تجاهل حاضنته الشعبية حتى لو لم تكن تتظاهر كل يوم، إنما مطلوب إصلاح المؤسسة العسكرية وباقي مؤسسات الدولة عبر حكومة منتخبة وليس عبر فصيل ثوري يقول إن شرعيته في احتجاجات الشارع.
وعلى صعيد الحلول المقترحة لحل الأزمة حدد الشوبكي نقطتين، الأولى إنهاء المرحلة الانتقالية في نهاية هذا العام، والثانية الذهاب إلى حكومة منتخبة ونظام رئاسي ديمقراطي يقوده رجل مشروع جسر بين المكونات السودانية المختلفة وقد يكون حمدوك أحد الأسماء المرشحة للقيام بهذا الدور.
في السودان الدولة ضعيفة والجيش نفسه غير متماسك بنفس درجة الجيوش القوية في المنطقة، والضغط فقط عبر مليونيات الشارع دون امتلاك مؤسسة أو تنظيم سياسي يتحمل المسؤولية، سيعرض البلاد إما لحكم استبدادي صريح أو إلى فوضى وتفكك وحروب أهلية.