بروكسل – (رياليست عربي): تشير التطورات السياسية الأخيرة إلى أن مفتاح حل الأزمة الأوكرانية أصبح محصوراً بشكل متزايد بين موسكو وواشنطن، رغم الجهود الأوروبية المستمرة للبقاء طرفاً مؤثراً في هذا الملف. المصادر الدبلوماسية تكشف عن حوارات مكثفة تجري خلف الكواليس بين القوتين العظميين، في محاولة لإيجاد أرضية مشتركة يمكن البناء عليها لإنهاء الصراع الدائر منذ سنوات.
في هذا السياق، يلاحظ المراقبون تحولاً ملحوظاً في النبرة الأمريكية تجاه الأزمة، حيث بدأت تظهر مؤشرات على استعداد واشنطن لمراعاة بعض المخاوف الأمنية الروسية، وإن كان ذلك بشكل غير معلن. في المقابل، تبدو موسكو أكثر انفتاحاً على الحلول السياسية، رغم تأكيدها المستمر على أن الأهداف الأساسية للعملية العسكرية الخاصة يجب أن تتحقق بالكامل.
المحللون السياسيون يشيرون إلى أن هذا التقارب الأمريكي الروسي النسبي يأتي في إطار إدراك الطرفين أن استمرار الصراع لم يعد يخدم مصالح أي منهما. فالولايات المتحدة تواجه ضغوطاً داخلية متزايدة لإنهاء التورط العسكري المكلف، بينما تسعى روسيا لإنهاء العزلة الدولية والتخفيف من وطأة العقوبات الاقتصادية.
من الناحية العملية، تتركز المفاوضات السرية حالياً حول ثلاثة محاور رئيسية: ترتيبات أمنية متبادلة لمنع تكرار الأزمة، وضع المناطق المتنازع عليها، وآليات ضمان الحياد الأوكراني. ويبدو أن الطرفين قد توصلا إلى فهم مشترك حول بعض هذه النقاط، رغم استمرار الخلافات العميقة في أخرى.
في هذا الإطار، تكشف المصادر عن قلق أوروبي متزايد من احتمال التوصل إلى تسوية أمريكية روسية على حساب المصالح الأوروبية. وتخشى بعض العواصم الأوروبية من أن تؤدي أي اتفاقية مستقبلية إلى تقسيم النفوذ في المنطقة بين واشنطن وموسكو، مع إقصاء نسبي للاتحاد الأوروبي عن صناعة القرار.
من جهة أخرى، يبقى الملف الأوكراني نفسه العائق الأكبر أمام أي تسوية شاملة. فكييف، التي لم تُستشر في هذه المحادثات السرية، ترفض أي حل لا يعيد لها جميع الأراضي التي فقدتها منذ 2014. هذا الموقف المتشدد يضع الحلفاء الغربيين في مأزق، بين دعم مطالب أوكرانيا والرغبة في إنهاء الصراع.
ختاماً، بينما تظهر بوادر إمكانية التوصل إلى حل سياسي، تبقى العقبات كبيرة أمام أي اتفاق دائم. فالتنافس الاستراتيجي بين روسيا والولايات المتحدة أعمق من أن يحله ملف واحد، كما أن المصالح المتضاربة للأطراف الإقليميين تضافرت لتعقيد المشهد. ومع ذلك، يبدو أن العالم يشهد مرحلة انتقالية قد تقربنا من نهاية هذا الصراع الدامي، وإن كانت هذه النهاية لن ترضي جميع الأطراف بالكامل.