الجزائر – (رياليست عربي). صادق البرلمان الجزائري بالإجماع، الأربعاء، على قانون يعلن أن استعمار فرنسا للجزائر يشكّل جريمة، ويُحمّل باريس مسؤولية قانونية عن الانتهاكات التي ارتُكبت خلال أكثر من قرن من الحكم الاستعماري.
وجرى التصويت خلال جلسة ذات طابع رمزي واضح، وقف خلالها النواب وهم يضعون أوشحة بألوان العلم الجزائري مردّدين شعارات وطنية. وينصّ القانون على مطالبة فرنسا بتقديم اعتذار رسمي ودفع تعويضات، معتبراً أن مساءلة الاستعمار باتت جزءاً أساسياً من الهوية القانونية والسياسية للدولة الجزائرية.
وقال رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي إن التصويت يوجّه «رسالة واضحة، داخلياً وخارجياً، مفادها أن الذاكرة الوطنية الجزائرية غير قابلة للمحو أو التفاوض»، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية.
ويسرد القانون ما يصفه بجرائم الاستعمار الفرنسي، بما في ذلك التجارب النووية، والقتل خارج نطاق القانون، والتعذيب، وحالات الاختفاء القسري، و«النهب المنهجي» للثروات الطبيعية. كما يؤكد أن «التعويض الكامل والعادل عن الأضرار المادية والمعنوية التي خلّفها الاستعمار الفرنسي حق غير قابل للتصرف للشعب والدولة الجزائريين».
ويرى خبراء قانونيون أن التشريع لا يتمتع بقوة إلزامية على المستوى الدولي، غير أن محللين يشددون على ثقله السياسي والرمزي، معتبرين أنه يعكس تشدداً جزائرياً متزايداً حيال ملف الذاكرة الاستعمارية وإعادة ضبط العلاقة مع باريس.
وخضعت الجزائر للحكم الفرنسي بين عامي 1830 و1962، وهي فترة اتسمت بالقمع والعنف الواسعين. وتقدّر الجزائر أن حرب التحرير بين 1954 و1962 أسفرت وحدها عن سقوط نحو 1.5 مليون قتيل.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد وصف في وقت سابق استعمار الجزائر بأنه «جريمة ضد الإنسانية»، لكنه رفض مراراً تقديم اعتذار رسمي، مؤكداً في عام 2023 أن «ليس من دوره» طلب الصفح باسم الدولة الفرنسية.
وامتنعت وزارة الخارجية الفرنسية عن التعليق المباشر على تصويت البرلمان، مكتفية بالقول إن باريس لا تنخرط في «نقاشات سياسية داخلية تجري في دول أخرى».
وقال الباحث في تاريخ الاستعمار حسني قيطوني، من جامعة إكسيتر، إن أهمية القانون «سياسية ورمزية بالدرجة الأولى»، موضحاً أنه يمثل تحولاً واضحاً في طريقة تعاطي الجزائر مع ملف الذاكرة الاستعمارية في علاقتها مع فرنسا.
ويأتي التصويت في ظل توتر متصاعد بين البلدين، تفاقم بعد اعتراف فرنسا بخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية، وهو موقف ترفضه الجزائر التي تدعم حق تقرير المصير للشعب الصحراوي وجبهة البوليساريو. كما زادت العلاقات تعقيداً إثر توقيف دبلوماسي جزائري في باريس هذا العام، رغم محاولات سابقة لإحياء الحوار بين ماكرون والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
وفي هذا السياق، يعكس القانون كيف لا تزال جراح الماضي الاستعماري تلقي بثقلها على العلاقات الجزائرية–الفرنسية، مع عودة ملف الذاكرة إلى صدارة المشهد الدبلوماسي.






