بيروت – (رياليست عربي): تحمل الأزمة الحالية بين دول الخليج ولبنان، والتي أشعلها وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، ما هو ظاهر وباطن في سياق اشتعالها واستمرارها وما جاء وما هو مستمر من قرارات تصعيدية تعتبر جديدة من نوعها بعض الشيء من جانب دول الخليج تجاه لبنان المتعثر اقتصادياً وسياسياً.
فهناك مستويين من الخلفيات الظاهرة لهذه الأزمة، ومدى شدة التصعيد الخليجي، الأول: أن “قرادحي” صاحب الـ71 عاماً، الذي أشعل الأزمة بتصريحات مفادها أن الحوثيين في اليمن يدافعون عن أنفسهم أمام عدوان خارجي، وأن ما تفعله السعودية والإمارات اعتداء وإن الحرب في اليمن حرب عبثية يجب أن تتوقف، هو الذي اشتهر في الأساس وعمل لسنوات طويلة في محطة “أم بي سي” السعودية وأيضاً قناة “أبوظبي” الإماراتية، ويعتبر محسوباً في الأساس على البلدين.
ويحمل المستوى الثاني، استغراب كبير من استمرار حدة القرارات الخليجية، ففي الوقت الذي يعتبر فيه تصريحات “قرداحي” معبرة عن الحكومة اللبنانية لكونه وزيراً للإعلام أي يعتبر المتحدث الحقيقي للحكومة، ولكن كانت هناك تصريحات أو مواقف أكثر حدة مما جاء من “قرداحي” في أوقات قريبة سابقة، منها ما كان يخرج من هجوم مباشر أو غير مباشر من وزير الخارجية الأسبق جبران باسيل الذي يعتبر في نفس الوقت، صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، وأيضاً وزير الخارجية في حكومة حسان دياب السابقة، شربل وهبة، الذي استقال من منصبه بعد هجوم قوي ضده إثر تصريحات أدلى بها ضد السعودية والخليج، وكانت الرياض قد نددت بما بدر منه من تصريحات، واعتبرتها “إساءات مشينة تجاه المملكة وشعبها ودول مجلس التعاون الخليجية الشقيقة”، واستدعت بسببها السفير اللبناني وقامت بـ”تسليمه مذكرة احتجاج رسمية”، عندما اتهم دول الخليج بتمويل تنظيم “داعش”.
الباطن في الأزمة، يتعلق بأمرين، ولا يمكن وصف أزمة تصريحات “قرداحي” سوى أنها “نزع فتيل قنابل موقوتة بين لبنان في ثوب حزب الله، ودول الخليج وعلى رأسهم السعودية والإمارات.
الأمر الأول في هذا الصدد، بحسب مصادر لبنانية، هو رفض بيروت ممثلة في حزب الله، تسليم المعارض السعودي معن الجربا، المقيم في لبنان تحت حماية ميليشيات الحزب، حيث تطالب الرياض منذ أكثر من شهرين بتسليمه للسلطات السعودية، وهو ما قوبل بالرفض من السلطات اللبنانية التي يهيمن على قرارها الحزب، وقد وضح ذلك، عندما خرجت السعودية “الرسمية” في عز الأزمة الحالية، تصرح بأن لبنان لم يتعاون في تسليم المطلوبين بما يخالف اتفاقية الرياض للتعاون القضائي، وهو تصريح بعيد عن مجريات أزمة “قرداحي”.
أما الأمر الثاني، الذي خلط بشكل غير ظاهري في أزمة “قرداحي”، معركة مأرب القائمة حالياً، والتي تعتبر معركة مفصلية في اليمن قبل انطلاق المفاوضات، حيث قام الحوثيين بتطوير الهجوم وتطويق المدينة وسط احتمالات بسقوطها في يد الحوثيين خلال الأيام القليلة القادمة، وهو ما يعتبر ضغط جديد على قوات التحالف العربي، الممثلة في السعودية والإمارات.

وكانت قد انضمت الكويت والبحرين إلى السعودية والإمارات، في عملية سحب سفرائهم من بيروت والطلب من سفراء لبنان في عواصم تلك البلدان مغادرة أراضيهم في سياق الأزمة المتصاعدة، ودخلت على الخط الدوحة، حيث دعت الخارجية القطرية، الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن تصريحات وزير الإعلام بشكل فوري وحاسم لتهدئة الأوضاع والمسارعة في رأب الصدع، معلنة إدانة تصريحات وزير الإعلام اللبناني واعتبارها موقفاً غير مسؤول تجاه بلده وتجاه القضايا العربية على حد سواء.
فيما أفادت وسائل إعلام، أن “الإمارات قررت سحب دبلوماسييها من بيروت ونصحت مواطنيها بعدم السفر إلى لبنان، وقالت “أبوظبي” في هذا السياق، إن سحب دبلوماسييها من لبنان يأتي تضامناً مع السعودية، وأنها لا تقبل نهج بعض المسؤولين اللبنانيين تجاه السعودية.
وكان قد غادر سفير المملكة العربية السعودية في بيروت وليد بخاري، مطار رفيق الحريري بلبنان، عائداً إلى بلاده التي قامت باستدعائه في ظل الأزمة، وطلبت الرياض في نفس السياق من السفير اللبناني بالمملكة، مغادرة البلاد، مع صدور قرار بوقف كافة الواردات اللبنانية إلى المملكة.
وأعلنت الكويت استدعاء سفيرها من لبنان والطلب من السفير اللبناني مغادرة البلاد خلال 24 ساعة، وعبرت عن حرصها على اللبنانيين المقيمين في الكويت وعدم المساس بهم، وأشارت الى أن لبنان لم يتخذ الإجراءات الكفيلة لردع عمليات تهريب المخدرات إلى الكويت والخليج، وتزامن مع ذلك، نسب وسائل إعلام لمصدر خليجي، تصريحات عن توجه دول الخليج لفرض عقوبات سياسية واقتصادية شاملة على لبنان في الأيام القليلة المقبلة، في حين طالب مجدداً، ما يعرف بـ”رؤساء الحكومة السابقون” في لبنان، وزير الإعلام في بلادهم جورج قرداحي، بالتسريع إلى تقديم استقالته من الحكومة.
وتابع رئيس الجمهورية اللبناني العماد ميشال عون، المداولات التي طرحت خلال الاجتماع الذي عقد في وزارة الخارجية والمغتربين لخلية الأزمة التي أنشأها رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي بعد التشاور مع رئيس الجمهورية، لمعالجة تداعيات الأزمة، وفي هذا السياق، جدد الرئيس عون التأكيد على حرصه على إقامة أفضل وأطيب العلاقات مع المملكة العربية السعودية، معتبراً أنه من الضروري أن يكون التواصل بين البلدين في المستوى الذي يطمح اليه لبنان في علاقاته مع المملكة ومع سائر دول الخليج.
بينما أعلنت جامعة الدول العربية أن الأمين العام أحمد أبو الغيط أعرب عن بالغ قلقه حول التدهور السريع في العلاقات اللبنانية الخليجية بعد تصريحات وزير الاعلام جورج قرداحي.
وقال البيان نقلاً عن أبو الغيط، إنه يناشد المسؤولين في دول الخليج، بتدبر الإجراءات المطروح اتخاذها في خضم ذلك الموقف بما يتفادى المزيد من التأثيرات السلبية على الاقتصاد اللبناني المنهار، وأضاف البيان أن الأمين العام لديه ثقة في حكمة وقدرة الرئيسين عون وميقاتي على السعي السريع من أجل اتخاذ الخطوات الضرورية التي يمكن أن تضع حداً لتدهور تلك العلاقات.
خاص رياليست