القاهرة – (رياليست عربي): فرضت التغيرات الدولية المتلاحقة على الساحة الدولية والرأي العام الدولي فلم نعد نسمع أو نشاهد جدل دون الكلام عن ضرورة ميلاد نظام عالمي جديد، بل وامتد أيضاً عن جدوى بقاء النموذج الغربي نفسه من عدمه ومناسبته للمتغيرات الدولية – وعن ذلك يجيب الدكتور محمد السعيد إدريس أستاذ العلوم السياسية، ومستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عن هذا الموضوع المهم، لـ “عين على الشرق”:
“لم يعد الصراع الحالي صراع استراتيجي فقط، بل أصبح صراع على مشروع فكري وقيمي غير مناسب للبشرية والأديان.”
“بدأ منحنى الصعود الليبرالي في الانهيار، وخصوصا مع انهيار مالي لعدد من البنوك الأمريكية وعلى رأسها سيليكون فالي. ومع ابتداء الإنهيار يقوم الغرب مثلا بفرض نموذج أخلاقي مغاير للطبيعة في شكل حريات متطرفة.”
“غض الطرف عن معاناة المواطنين السوريين وايضا استهتار واستهزاء (شارلي ايبدو) من الزلازل بدعوى (حرية التعبير) وكذلك أن الزلزال نوع من الجزاء الكوني للسوريين والأتراك بغض الطرف عن أنهم بشر.”
“حتى افريقيا بدأت في عدم الإنصات للغرب وعليه يحاول الرئيس الأمريكي وبعده الفرنسي من محاولة مغازلة الدول الإفريقية لكي تحارب تواجد القوى الجديدة في إفريقيا.”
لماذا يوجد تعب وإرهاق مزمن من الغرب ومشروعه الحضاري؟
د. إدريس: القضية بدأت ملحة وضرورية في السنوات الأخيرة كرد فعل على سياسة غربية بقيادة أمريكية مفرطة في التسلط، فمنذ انهيار الثنائية القطبية سعت أمريكا للتسيد في العالم. وأيام كلينتون قيل إن أمريكا قوتها وصلت لمكانة الإمبراطورية، وباتت تتصرف بمفهوم إمبراطورة العالم. فعلى سبيل المثال إبان ضرب الصومال، لم تأبه أمريكا لقرارات الأمم المتحدة، وكذلك لم تسمح أي إدارات أمريكية بوجود منافس ولا حتى الاتحاد الأوروبي أو اليابان. مع القضاء على أي طموح روسي وقتها في أن ينافس أمريكا وخصوصا مع وجود المحافظين الجدد في البنتاجون وهذا وفقا لأدبيات كثيرة تؤكد هذا الطرح.
كل هذه المظاهر كانت موجودة سابقاً ولكن لماذا الآن بدأ العالم في الملل من هذا النموذج تحديداً؟
د. إدريس: حدث ثلاث أشياء في هذا الصدد أدت إلى ذلك وهي:
أولاً، الانفرادية والغطرسة الأمريكية باتت للأسف مستفزة حتى من الحلفاء أنفسهم في الناتو ويمكن أن نراجع مواقف ترامب وكيف كان يتعامل مع دول الناتو حليفته نفسها.
ثانياً، فرض الإرادة السياسية وكذلك منظومة أخلاقياتها.
ثالثاً، تغير النظام العالمي مع صعود القوى الجديد (الصين وروسيا) بدعوتهم لنظام عالمي أكثر عدالة وأكثر ديمقراطية.
لماذا الإصرار الغربي على فرض نفوذه وماذا يعني قو ة أو خوف من فقدان السيطرة؟
د. إدريس: يوجد تسلط على منظومة القانون الدولي والمنظمات الدولية، وخصوصا في غزو العراق وأفغانستان – ضاربين بعرض الحائط كل الرفض الشعبي الدولي وهذا كلام كل الأدبيات الدولية وقتها. وحتى مع طرح الرئيس الإيراني المستنير السيد/ محمد خاتمي “مبادرة حوار الحضارات” رفضت أمريكا من خلال الأمم المتحدة هذا الطرح العقلاني، بل وطرحت فكرة “صراع الحضارات” ونهاية التاريخ” كنموذج نيوليبرالي معاكس للحوار من خلال (فوكوياما) بما فيها الانتصار على الشيوعية.
وكما نرى أن النموذج النيوليبرالي نفسه حاليا بات متخبطا، وكان هناك تناقضات، ومع قمة الهيمنة الغربية بدأ منحنى الصعود في الانهيار، وخصوصا مع انهيار مالي لعدد من البنوك الأمريكية وعلى رأسها سيليكون فالي. ومع ابتداء الإنهيار يقوم الغرب مثلا بفرض نموذج أخلاقي مغاير للطبيعة في شكل الحرية في (الإلحاد والمخدرات والمثلية) وهي باتت مفروضة من العالم فعليا – فبات الصراع ليس صراع استراتيجي فقط بل أصبح مشروع فكري وقيمي غير مناسب للبشرية والأديان.
حيث ظهرت موجة (اسلاموفوبيا) منذ العشرية الماضية تجتاح الغرب، ولكن في نفس الوقت هناك موجة جديدة أن الغربيين أنفسهم عندما يتعرفون على الإسلام باتوا يدخلون فيه، وايضا باتوا يستمعون لصوت الأديان بشكل عام، وهذا رفض صريح لمنظومة القيم الحضارية الغربية. وحتى العولمة الإعلامية والتي وجهوها للعالم لفرض نموذجهم الغربي للقيم فشلت حاليا في فرض هذا النموذج الغير سوي لأن الشعوب باتت تستمع لصوت العقل والانسانية.
في الآونة الأخيرة أثيرت موضوعات ضلوع الشركات الكبرى في أنشطة غير مشروعة مثل الإرهاب والاتجار بالبشر وايضا موضوع زلازل سوريا وتركيا وازدواجية المعايير تجاه المواطنين السوريين وايضا القضية الفلسطينية ومعاناة الفلسطينيين من أطول كيان الاحتلال باق، وحظر القنوات الروسية في الغرب بالرغم من التغني بحرية التعبير – ما رأيك؟
د. إدريس: المفارقة حدثت عندما بدأ المشروع الغربي في التراجع – وهذا باعتراف المثقفين والملمين في العالم روسيا والصين منظمة شنغهاي والتي توازن دول السبع الاقتصادية، ومجموعة البريكس، أصبح نوع من التوازن في الاسترتيجية العالمية وايضا بدأت تتكشف منظومة الحضارة الغربية كأدوات غزو للدول من داخلها، وحدث ذلك في شرق ووسط أوروبا. وتحرزت روسيا لذلك بمنع أوكرانيا من دخول الناتو، ولو لم تتخذ خطوات في ذلك لكانت هي ضمن هذه الدول منقوصة السيادة والمتحكم فيها من الغرب.
الدول الأشد قسوة في استبدادها الدول الحليفة للولايات المتحدة ويغض الطرف عن ممارستها، ويتم غض الطرف عن حقوق الفلسطينيين مثلا من قبل إسرائيل، ومثال على ذلك قتل الصحفية شيرين ابو عاقلة وهي تحمل جنسية امريكية ولم يلتفت اليها أحد لأنها من خلال مداخلاتها كانت تظهر اسرائيل بصورتها الحقيقية، أما أن تدافع روسيا عن حقوقها السيادية فهنا روسيا دولة معتدية.
كذلك ما حدث في الزلزال الأخير وغض الطرف عن معاناة المواطنين السوريين وايضا استهتار واستهزاء شارلي ايبدو من الزلازل بدعوى حرية التعبير وأن الزلزال نوع من الجزاء الكوني للسوريين والأتراك بغض الطرف عن أنهم بشر.
وعليه يرى أصحاب الضمائر في العالم مدى فشل المنظومة القيمية الغربية، وعليه فالقوى الجديدة وحتى افريقيا بدأت في عدم الإنصات للغرب وعليه يحاول الرئيس الأمريكي وبعده الفرنسي من محاولة مغازلة الدول الإفريقية لكي تحارب التواجد الروسي والصيني في إفريقيا، وأمريكا اللاتينية اصبحت ايضا تتمرد وما حدث وفوز لولا دا سيلفا كان ايضا هزيمة للوجود الليبرالي الغربي، والشراكة الاستراتيجية ما بين القوى الجديدة ليس فقط الشراكة الاقتصادية وايضا المبادرة الصينية في التوفيق بين إيران والسعودية وهذا بداية عهد جديد مثلا في الشرق الاوسط.
وعليه – هناك نهضة من القوى الجديدة وكذلك بزوغ نموذج حضاري جديد يمثل القوى الجديدة وخصوصا من الشرق. وهذا خير ختام لهذا اللقاء من خلال مشروع “عين على الشرق” الذي يركز على الرؤى الجديدة الأخرى في العالم.
تقديم: الأستاذ محمد صابرين.
إعداد وإنتاج وكتابة: الأستاذ أحمد مصطفى – رئيس مركز آسيا للدراسات والترجمة.
خاص وكالة رياليست.