سياتل – (رياليست عربي). يدخل السباق العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي مرحلة جديدة وأكثر تكلفة، مدفوعة باستثمارات ضخمة في مراكز البيانات، وشراكات استراتيجية، ومنافسة محتدمة على استقطاب أفضل العقول التقنية. وفي قلب هذا التحول يقف مصطفى سليمان، رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في شركة مايكروسوفت، محذراً من أن الاقتراب من أنظمة فائقة الذكاء يتطلب أولوية مطلقة لـ«التحكم والمواءمة مع القيم الإنسانية».
سليمان، الشريك المؤسس لشركة DeepMind سابقاً، قال إن التعديلات الأخيرة على الشراكة بين مايكروسوفت وOpenAI منحت الشركة مساحة أوسع لتطوير مسارها الخاص في الذكاء الاصطناعي المتقدم. ورغم احتفاظ مايكروسوفت بتراخيص نماذج OpenAI حتى عام 2032، فإنها تعمل حالياً على بناء فريق مستقل يُعنى بتطوير ما تسميه «الذكاء الفائق»، بالتوازي مع التعاون القائم.
وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي ينتقل بسرعة من مجرد توليد إجابات نصية إلى تنفيذ أفعال ذاتية، مثل تصفح المواقع، وفتح النوافذ، وإتمام المعاملات. وقال إن هذه القدرات موجودة بالفعل بصيغ تجريبية، لكنها لا تزال غير مستقرة وتحتاج إلى إشراف بشري صارم قبل تعميمها.
وحذر سليمان من الاندفاع غير المنضبط نحو الذكاء الفائق، داعياً إلى تبني ما وصفه بـ«الذكاء الفائق الإنساني» — أي أنظمة مصممة للبقاء منسجمة بشكل صارم مع القيم البشرية. وشدد على أن الاحتواء والمواءمة يجب أن يكونا شرطين غير قابلين للتفاوض قبل إطلاق أي أنظمة أكثر استقلالاً.
وخلال خمس إلى عشر سنوات، توقع سليمان أن تبدأ أنظمة الذكاء الاصطناعي في تحديد أهدافها الخاصة وتعديل شيفراتها والعمل بدرجة كبيرة من الاستقلال، ما يرفع مستوى المخاطر بشكل جوهري. ولمواجهة ذلك، دعا إلى تعزيز آليات التدقيق، وزيادة الشفافية، وتوسيع التنسيق مع الحكومات.
وفي ما يتعلق بالتطبيقات العملية، اعتبر سليمان أن القطاع الصحي يمثل أحد أكثر المجالات الواعدة، مشيراً إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي باتت قادرة على تشخيص أمراض نادرة بدقة أعلى وتكلفة أقل من البشر، وأن بعضها ينتقل الآن إلى مراحل التجارب السريرية.
وعلى المستوى الاجتماعي، أقرّ بأن الزيادة الكبيرة في الإنتاجية الناتجة عن الذكاء الاصطناعي ستفرض تحديات عميقة، معتبراً أن المجتمعات ستحتاج إلى آليات جديدة لمعالجة الإزاحة الوظيفية وإعادة توزيع الثروة، وربما التفكير في صيغ من الدخل الأساسي الشامل.
ومع تسارع المنافسة بين عمالقة الذكاء الاصطناعي، خلص سليمان إلى أن السؤال لم يعد ما إذا كانت هذه التكنولوجيا ستغير العالم، بل كيف يمكن توجيه هذا التحول ليكون مقصوداً وآمناً ومتوافقاً مع مصالح الإنسان.






